رفعة عبد الرزاق محمد
كثر الذين تعاطوا تجارة الاثار والعاديات في العراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وتوافرت اخبارهم واحوالهم في كتابات السواح والرحالة والاثاريين الغربيين ، وقد عرفنا منهم عبد الغني قنبر اغا واسحق الياس ججو وكلاهما توفي سنة 1930 ( البلاد 15 اب 1930 ) ،
وتوما الارمني وداود فتو وانطون سمحيري وججو الياس روشه وفتوحي الخوري الذي خسر ثروته حينما القى الاتراك القبض على العاديات وهي محملة على الحمير .
كما كان ابو الاب انستاس ماري الكرملي ويدعى ( ميخائيل ) من الذين عملوا ببيع الاثار وقد تحدث عنه الرحالة الهولندي نيجهلت الذي زار العراق سنة 1866 واشار الى ذلك ، لكنه لم يعرف انه ابا للاب الكرملي ، غير ان مترجم الرحلة وهو الاستاذ مير بصري قد اعلن ذلك اعتمادا على رواية صديقه المؤرخ القدير يعقوب سركيس . نشرت الرحلة على حلقات في جريدة البلد البغدادية في الستينيات .
يقول الرحالة الهولندي : ان اغرب شخص عرفته ببغداد هو الاب ميخائيل وهو ترجمان وتاجرا بالعاديات ( الاثار) والتحف مما وثق صلته بالاوربيين ، ولد لاب ايطالي وام ارمنية ، وهيئة جسمه كهيئة ( كازيمودو) بطل رواية احدب نوتردام ، وتزوج ميخائيل بفتاة ارمنية جميلة انجبت له اربعة اولاد وكان يتبجح بتربيتهم على احسن المباديء ، وكانت مبادؤه تتناول الضرب من الصباح الى المساء . كان الاب ميخائيل وكيل الدير الكرملي ويقوم بكل اعماله ، وكان يبحث عن الاجانب ويتعهد بخدمتهم ( ويقصد بيع الاثار) ..
حكاية الانتيكجي
الحاج علي الانتيكجي رجل امي يحسن التكلم بالعربية والكردية والتركية والفارسية ، وكانت مهنته تجارة الاثار القديمة وكانت له عمال يسلفهم نقودا ليحفروا ليلا في الطلول الدوارس . وقد عثروا مرة في منطقة اثار بابل على هاون ومدقته وعليهما نقوش وكتابات بابلية قديمة جدا فنقلوهما الى صاحبهم الذي لم يكترث لجهله ماعليهما من بديع الصنعة والاتقان . وفي ذات يوم قصدت حانوته سائحة انكليزية فلما وقع نظرها على الهاون عرفت اهميته وابتاعته منه بثمن زهيد . ثم عادت اليه في اليوم التالي وسألته ان يخبرها عن اسمه وعنوانه لانها تريد مكاتبته عندما تذهب الى وطنها فأطمأن واعطاها ما تريد ، ثم سألته : هل لك ابنة وما اسمها . فاجابها ، فوعدته انها سترسل لها هدية نفيسة من لندن ثم انصرفت .
وذات يوم كان الحاج علي جالسا في حانوته واذا بتذكرة من البريد الانكليزي تنبئه ان له رسالة مسجلة ووديعة مضمونة وعليه ان يحضر الى دائرة البريد لاستلامهما . فهرول الى البريد وتسلم الرسالة ووجد فيها :
سيدي العزيز الحاج علي الانتيكجي
ارسلت الى ابنتك الكريمة قرط الماس ثمين جدا بمثابة عربون على الصداقة والولاء المتبادلين بيننا . وان الهاون الذي ابتعته منك مصنوع من الذهب الخالص وعليه نقوش وكتابة قديمة يرتقي عهدها الى بضع مئات من السنين . بيد ان التراب كان قد علاها وتلبد فوقها وقد قدرها العارفون بالاثار بعشرة آلاف ليرة انكليزية . كن معافى والسلام .
فلم يأت الحاج علي على آخر الرسالة حتى تحول الضياء في عينيه الى ظلام لانه لم يلاحظ مدة سنين عديدة ما لاحظته تلك السيدة في بضع دقائق وتوفي بعدها . وكانت وفاته سنة 1912 . هذا ما نشرته مجلة ( الزنبقة ) البغدادية لصاحبها ومحررها عبد الاحد حبوش .