المفكر العراقي عبد الأمير الأعسم.. وداعاً

المفكر العراقي عبد الأمير الأعسم.. وداعاً

د.عبدالستار الراوي
الدكتور عبدالامير الأعسم تتلمذ في مرحلة الماجستير على يد أستاذنا الدكتور كامل مصطفى الشيبي في جامعة بغداد، ونال الدكتوراه من جامعة كيمبردج عن (إبن الراوندي الملحد وفصيح المعتزلة)، انتظم أستاذاً في قسم الفلسفة بجامعة بغداد العام 1972، أصدر جملة مؤلفات وأنجز العديد من الأبحاث، وتقلد العديد من الوظائف.

إنه باحث فلسفي ومحقق من طراز متقدم، وبرغم انشغاله بقضايا التراث، فإن ثمة رؤى فلسفية عرض من خلالها رأياً في العديد من من الإشكاليات التراثية والمعاصرة ..
في العام 1995 كنت أعد بحثاً تحت عنوان (خارطة الفكر الفلسفي في العراق)، تحدثت فيه عن أساتذتي وعن الزملاء في قسم الفلسفة بجامعة بغداد ووجدت لدى الأعسم حلماً عربياً، يعرض فيه مرئياته، عبر جملة من المبتدئات الأيدولوجية والفلسفية، كثف فيها القول عن (العقل والسلطة) لينتهي إلى مشروع تحت عنوان (عقلانية الخطاب العربي المعاصر)، سعى من خلاله، أولاً، إلى توكيد التنوير الثقافي عن طريق الكشف عن إشكال الوعي الزائف القائمة في الواقع العربي المعاصر، وفي مقدمتها دوجماتيات التعصب الفكرية.
إن عقلانية الأعسم تنبع من تصورات العقل وسلطويات الحياة المختلفة، الإنسان والقيم، والإيمان بالعقل مع مسحة متشائمة بسبب ارتيابه من النشاطات المغتربة، الناشئة عن تصادم مقولات الحرية والاستبداد والتقدمية والرجعية، والتنوير والتحجر والمعاصرة والتراث، وأكثر ما كان يخشاه الفقيد التمييز والظلم الاجتماعي وغياب المنهج، لذلك دعا إلى تحكيم العقل وتوازن متطلبات وعي الماضي والحال والاستقبال، واستعادة الهوية وكشف مثبطات الواقع .
برفقة الدكتور الأعسم أمضيت سنوات مديدة من العمل الاكاديمي المشترك، بدأت أواخر السبعينيات، إذ تعرفت عليه زميلاً في قسم الفلسفة بجامعة بغداد، وضمتنا لجان مناقشة أطاريح ورسائل الدراسات العليا في بغداد والكوفة وعملنا سوياً على تأسيس جمعية العراق الفلسفية وكنت نائباً له لدورتين متعاقبتين، وضمتنا لجنة الفلسفة في المجمع العلمي برئاسة الأب الراحل يوسف حبي، ومعنا الدكتور حسام الآلوسي، والدكتور علي الجابري، وبعد أن التحقت بوظيفتي الدبلوماسية كان بيت الحكمة البغدادي آخر المرافيء الأكاديمية، ومنذ عام الحزن 2003 لم ألتقه، قبل رحيله بأقل من أربعة أشهر نزل عمان ينشد علاجاً يخفف عنه وطأة أوجاع القلب، تحدثت معه هاتفياً عبر الصديق سلام الشماع، كان صوته واهناً (أوصاني بصحتي خيراً)، وتلك كانت آخر الكلمات.. تحية إلى روح الصديق عبد الأمير (أبي مهند) في رحلته الأبدية.