في ذكرى افتتاح شارع الرشيد في 23 تموز1916 الوالي ناظم باشا وفتح الشارع الجديد

في ذكرى افتتاح شارع الرشيد في 23 تموز1916 الوالي ناظم باشا وفتح الشارع الجديد

حيدر كامل العبادي
لم تكن في بغداد طرق واسعة, إذ كانت عبارة عن أزقة ملتوية ومتشابكة ذات ممرات ضيقة تتناسب مع المشاة والعربات التي تجرها الحيوانات, للوصول إلى الأماكن المطلوبة, كالأسواق والجوامع والمناطق الأخرى , وشعر الوالي مدحت باشا(1869 – 1872)

ضمن اهتماماته الاصلاحية بضرورة وجود طرق واسعة في المدينة, وحينها أمر مهندسي الولاية برسم مخطط للطريق(الشارع) المزمع شقه، وتم إعداد ذلك المخطط , إلاَّأنه لم ينفذ وبقى حبراً على الورق, بعد أن ترك ولايته وغادر بغداد الى الشام عام إذ في الوقت الذي كان فيه يبذل جهوداً في التنظيم والأعمار كان خصومه في الأستانة يشوهون سمعته وينتقصون من شخصيته رافضين صرف الأموال على مشاريعه العمرانية والإصلاحية.
عندما تولى ناظم باشا منصب ولاية بغداد في الرابع من ايار 1910, تطلعت الأنظار تجاهه إلى ما سيعمل, سيما أنه كان مزوداً بصلاحيات واسعة من قبل الحكومة , إذ خصصت في وقتها مبلغاً قدره(40,000)الف ليرة سنوياً للقيام بالإصلاحات في الولايات الثلاثة(بغداد والموصل والبصرة), فضلاً عن قيامه بإعطاء قرضاً وطنياً للبلدية للقيام بمشاريع عديدة, شملت الطرق, والأسواق, وتشيد المدارس, وبناء باب رئيسي للسراي، كما أمر في العام نفسه بفتح شارع النهر, الذي عد أول شارع في بغداد.
وعندما فتح هذا الشارع قسم مبنى القنصلية البريطانية التي كانت تعترض مساره إلى قسمين, وعارض البريطانيون ذلك الأمر, إلاَّ أن ذلك لم يمنع الوالي من إتمام مشروعه فأرسل فوجاً من العسكر الذين أحاطوا بالبناية وقاموا بتهديمها.
جدد حسين ناظم باشا فكرة إنشاء شارع عريض في المدينة واعتمد في ذلك على رسم الخريطة السابقة التي وضعها الوالي مدحت باشا،وأكد ذلك في اللقاء الذي جمعه مع القنصل البريطاني في بغداد الكابتن لوريمر(loremar) , إذعرض عليه فكرة شق طريق جديد في بغداد يصل عرضه إلى عشرين متراً يمتد من باب السلطان(باب المعظم) الى باب كلوذاي(باب الشرقي) بخط مستقيم بطول ثلاثة كيلو مترات،
وقد اندهش القنصل البريطاني لوريمر بهذا المشروع,للصعوبات التي قد يواجهها
الوالي حسين ناظم باشا ،واعتقد القائم بالأعمال البريطاني ميرلنغ (Marling)أن الفكرة قد تكون مؤامرة على الوالي من قبل بعض اعضاء(جمعية الاتحاد والترقي) لأجل خلق مشاكل له وتوريطه وإفشال حكمه، سيما أن هذا المشروع ارتبط بمشروع آخر كبير,هو مد خط ترام كهربائي يمر بالشارع الجديد بعد إكماله ويمتد من ناحية الأعظمية إلى ناحية الكرادة الشرقية وبطول 15 كم، إذ وضع حجر الاساس لمشروع الترام في حفل أقيم يوم 26حزيران1910, وحضره بعض القناصل الأجانب وكثير من الشخصيات البغدادية بدعوة من الوالي نفسه,ومنح امتياز تنفيذه إلى محمود الشابندر, الذي اشترط لإنجاز المشروع في مدتـــــه البالغة سنتي إِكمال فتح الشارع في ستة شهور, وفي حقيقة الأمر أن مشروع فتح الشارع الجديد واجه صعوبات عديدة,منها مسألة تعويض أصحاب الممتلكات,التي ستتعرض ممتلكاتهم للهدم لاعتراضها مسار الشارع, مما دفع الوالي إلى تشكيل لجنة خاصة لهذا الأمر, تكونت من عشرة أعضاء للنظر في تقدير قيمة التعويضات لنحو مائتي منزل سيتم هدمها كلياً أوجزئياً, وانتهت اللجنة من رفع تقريرها في حزيران 1910, الذي رفضه الوالي بسبب تقديراته الماليةالكبيرة وطلب تعديله,وعلى الرغم من استمرار طلبه بإعادة النظر بتلك التقديرات, إلاَّ أن اللجنة أصرت على ذلك رغبة منها في إفشال المشروع وجعله يبدو مستحيلاً من الناحية المالية, لأن الهدم سيطال منازل تعود لأقربائهم ,مما دفع الوالي إلى إعادة تشكيل تلك اللجنة وقام بتغير بعض من أعضائها , فقامت الأخيرة بتقدير قيمة التعويضات بنحو(98,000) ليرة عثمانية لتعويض (506) منزل,وألزمت في الوقت نفسه قيام أصحاب تلك الممتلكات بالتنازل عن 5% من قيمة تعويضهم كهدية للحكومة ,ويبدو أنه على الرغم من ارتفاع عدد الممتلكات التي ستهدم حسب تقدير اللجنة الأخيرة الى الضعف, لكن قيمة التعويضات كانت أقل بكثير من تقديرات اللجنة السابقة الأمر الذي دفع بالوالي إلى المباشرة بانجاز المشروع, ويسّره أمامه إلى حدٍ ما التفكير بالمباشرة بالعمل, إذ كان فيه متعجلاً في عملية تهديم البيوت لشق الشارع الجديد .
وكانت عمليات الهدم التي شملت الأملاك العامة بنحو كليأوجزئي,تجري من دون مراعاة للقانون وعدم دفع التعويضات لأصحابها , وعندما اشيع بين الأهالي أن حكومة الولاية غير جادة في تعويضهم نظموا تظاهرة هتفوا فيها: "هذي الكاع وما ننطيها وناظم باشا حاكم بيها" ,وفي هذا الجانب ذكر السيد مصطفى نور الدين الواعظ, أنه كان جالساً عند الوالي حسين ناظم باشا ودخل عليهما مأمور الوالي جواد بك واخبره بأن بعض الأهالي ناقمين عليه، سرعان ما التفت لي وقال: "إن اهل بغداد الآن تشتمني لكن سيأتي يوم من الزمن تقرأ على روحي الفاتحة" .
أدرك الوالي حسين ناظم باشا صعوبة التعرض لمبنى القنصلية البريطانية الجديد الواقع في (محلة السنك) لاستكمال شق الشارع ، فقام بمحاولتين لمعرفة ردة الفعل المتوقعة من جانب البريطانيين في حال هدم القنصلية, إّذ أرسل في المحاولة الأولى سكرتيره السياسي(ايرام بك),للتحدث مع أحد موظفي القنصلية مستفسراً منه عن توقعاته للردود المترتبة عن هدم مبنى القنصلية وكان رده:"إن هذا العمل سيؤدي إلى مخاوف القنصلية ويدفعها إلى تشديد الحراسة عليها",أما الثانية عندما أمر القائمين على العمل أن يركزوا لوحات أمام مبنى القنصلية توضح أن مسار شق الشارع سيخترق المبنى,الأمر الذي دفع القنصل البريطاني للإبراق على وجه السرعة إلى السفير البريطاني في اسطنبول جي لوثر ((G.Lowther ذاكراً له أن الهدم سيقسم القنصلية الى قسمين متساويين تقريبا،أستنكر السفير البريطاني في اسطنبول ذلك وأرسل مذكرة احتجاح إلى وزير الخارجيةالبريطاني أدوارد كري (Edward-Grey)دعاه فيها إلى التدخل لدى الباب العالي لمنع اِنتهاك مبنى القنصلية في بغداد ،و كان لهذا الموقف أثره في تغير موقف حسين ناظم باشا واتجه إلى التهدئة وأبلغ القنصل البريطاني أنه ليست لديه نية بأنتهاك مبنى القنصلية.
كانت للصعوبات التي واجهها الوالي حسين ناظم باشا, المتمثلة بالموقف البريطاني الرافض لهدم مبنى القنصلية, والعائق المالي المتمثل بتكاليف المشروع ومنها تعويض أصحاب الاملاك, فضلاً عن عزله من منصبه في أذار 1911, من الأسباب الرئيسية التي أدت الى توقف مشروع شق الشارع الجديد, وإن تم هدم ما أمكن هدمه آنذاك من ممتلكات.

عن رسالة
(شارع الرشيد 1916-1959دراسة تاريخية)