التقدير الضريبي بواسطة الضوابط (النسب الثابتة)  وآثاره على المحاسبةوالعلاقة بين الدولة والمجتمع

التقدير الضريبي بواسطة الضوابط (النسب الثابتة) وآثاره على المحاسبةوالعلاقة بين الدولة والمجتمع

كريم حمود فرج
منذ فترة ليست بعيدة يدور بين رجال الأعمال والمحاسبين والمدققين تسأولاً كبيراً كما يأتي:
لماذا يعد المكلف بالضريبة (رجل الأعمال) حساباته بواسطة محاسب ممتهن ويقوم بتدقيقها لدى مراقب حسابات مجاز قانونا ثم يقدم هذه الحسابات

الى دوائر الهيئة العامة للضرائب فترفض الأخذ بها وتلجأ الى التقدير في تحديد مقدار ربح الأعمال الاقتصادية وتتخذ منه أساساً لتحديد الدخل الخاضع للضريبة؟
ويأخذ السؤال إتجاهاً أعمق ويثير بعده أسئلة أخرى كثيرة منها:
1- لماذا يلزم قانون ضريبة الدخل النافذ نفسه المكلف بمسك سجلات محاسبية محددة ويفرض عليه غرامات وعقوبات اذا لم يقم بمسكها؟
2- من يقوم بقياس نتيجة الأعمال؟ المحاسب ام مخمن الضريبة؟
3- واذا كان المخمن يرفض نتائج الأعمال (أرباح او خسائر) التي يتوصل اليها المحاسب فهل يستطيع هو استخراج مثل تلك النتائج؟
4- ثم هل ان هذا الرفض (للحسابات) موجهاً الى:
أ‌) علم المحاسبة وأساليبه وإجراءاته المعتادة في التوصل الى ربح او خسارة المشروع الاقتصادي بما يعني ان لدوائر الضريبة أساليب قياس أخرى مقبولة قبولاً عاماً كما في القبول العالمي الذي تحظى به أساليب ومبادئ وأسس القياس المحاسبي لنتائج الأعمال.
ب‌) ام ان هذا الرفض موجه إلى المحاسب العراقي باعتباره غير مؤهل ولا يستطيع تطبيق مبادئ القياس المحاسبي السليم تطبيقاً صحيحاً ولأسباب وقناعات يمكن الدفاع عنها موضوعياً.
5- هل هذا الموقف من قبل السلطة المالية يبرره عدم وجود اطار قانوني واضح لمهنتي المحاسبة ومراقبتها.. وبالتالي فأنها ترفض أعمالها الان وتنتظر تأطيراً قانونياً ومؤسسياً لهاتين المهنتين المهمتين في الاقتصاد التطبيقي لتغير في ما بعد موقفها من الأعمال التي ينجزها المحاسبون والمدققون.
6- ام ان قليلا من الموضوعية يشير الى ان مخمن الضريبة لا يستطيع فهم محتويات الحسابات كما يعدها المحاسب فيضطر (يلجأ) الى رفضها؟
7- تقوم السلطة المالية (الهيئة العامة للضرائب) بوضع نسب معينه لأرباح المهن والأنشطة الاقتصادية المختلفة وتفرض الضريبة على أساسها (وتسمى هذه العملية بالتخمين بواسطة الضوابط) فهل ان هذا التحديد للأرباح:
أصوليا؟
قانونياً؟
عادلاً؟
8- ثم اذا كان الربح يمكن التوصل اليه بهذه الطريقة السهلة والمختصرة فهل يعني ذلك ان مهنه المحاسب ومراقبة الحسابات نشاطاً زائداً وترقياً في الأغلب؟
9- اذا كان أسلوب التقدير بواسطة النسب (الضوابط) الذي استقر عليه التعامل مع الضرائب مطابقاً لمقاصد قانون ضريبة الدخل النافذ رقم 113 لسنة 82 المعدل, فلماذا لا يصار الى إدخاله في صلب القانون كأساس؟ لكي لا يشعر المكلف بأنه امام عملية خضوع للأمر الواقع مقابل سلطة الدولة وانه امام حالة إذعان لا مفر منها.
ولكي نصل الى الحقيقة فما هي الأسباب والممارسات التي تقف وراء موقف المخمن من الحاسابات التي أعدها المحاسب ودققها مراقب الحسابات؟
ما هو دور المحاسبين والمدققين في تدني مستوى مهنتهم؟
ماهو دور رجال الأعمال في تعريض حساباتهم الى الرفض وعدم الثقة؟
11- ويبقى السؤال الأكثر أهمية ما هي وسائل وأساليب تصحيح الموقف وإعادته الى النصاب الصحيح والسليم الذي يضمن مصلحة جميع الأطراف ذات العلاقة ويحقق بالتالي المصلحة العامة بشكل مؤكد؟
أ- من الناحية التشريعية التي يمكن الاستمرار بمتابعتها بصيغة التساؤلات التي كانت مقصودة في هذه المحاولة.
فنسأل:
هل تعترف القوانين المالية والاقتصادية في العراق بالمحاسبة ووظائفها التي من أبرزها قياس نتيجة الأعمال؟ ونجيب بنعم ... ان القوانين العراقية تقر بوجود المحاسبة مبادئها وأساليبها في قياس نتيجة الأعمال وتصوير الأوضاع المالية وقد أنعكس ذلك في أغلب القوانين ذات العلاقة التي من أبرزها قوانين ضريبة الدخل ابتداء من القانون رقم 85 لسنة 56 وانتهاء بالقانون رقم 113 لسنة 82 وتعديلاته التي أقرت بشكل واضح الأمور التالية ذات العلاقة بالعمل المحاسبي.
- تعيين الدفاتر والسجلات التي تطلب لأغراض هذا القانون ومن يجب عليه مسكها وكيفية إعدادها وتصديقها... وقد صدر استناداً الى ذلك النظامان رقم 5 لسنة 57 ورقم 2 لسنة 85 (نظام مسك الدفاتر لأغراض ضريبة الدخل).
- بيان التزيلات ونسب الاندثار التي يجب قبولها وصدر استناداً الى ذلك النظام رقم 33 لسنة 57 الذي استمر في التطبيق لغاية نهاية عام 94 حيث حل محلة نظام الاندثار للقطاع الخاص والمختلط والتعاوني رقم 9 لسنة 94 الذي ينفذ من 1/1/95.
لقد نهج المشرع في نظام مسك الدفاتر منهجاً محاسبياً استوعب من خلاله اخر التطورات على تطبيقات مهنة المحاسبة العراقية وادخل مجموعة من الإجراءات الأضافية لتعزيز دقة نتيجة الأعمال المالية التي يمكن استخراجها من سجلات المحاسبة المقررة بموجبه وقد تبلور ذلك في الاشتراطات التالية التي وردت فيه.
اولاً: جرد الموجودات الثابتة التي يستخدمها المكلف في نشاطه نهاية السنة وتأييد عائديتها الى ذلك النشاط مع بيان تفصيل الموجودات التي تستخدم حصراً في نشاطه والإيرادات المتأتية عنها (مادة 8 فقرة اولاً).
ثانياً: احتساب الاندثار على الموجودات الثابتة وفقاً للنسب الواردة في نظام الاندثار النافذ والثبات عليها وتوضيح أسباب تغييرها وتأثيراته على دلالات الحسابات عند وجود ما يبرر ذلك.
ثالثاً: جرد المخزون بكافة أنواعه وتقييمه بسعر الكلفة او القيمة التحصيلية الصافية ايهما اقل.
رابعاً: ضرورة تحديد موقف واضح للسلطة المالية من الحسابات التي يقدمها المكلف وكما يأتي:
- تقبل الدفاتر والسجلات التجارية المنظمة وفقاً لأصول المحاسبة الصحيحة او الدفاتر التي يمكن فيها معرفة مقدار الأرباح والخسائر الحقيقة الا اذا وجدت السلطة المالية ما يطعن بصحتها لأسباب جوهرية فأن لها عندئذ ان لا تتقيد بها مبينة الأسباب المبررة لذلك بصورة تحريرية (مادة 8 من نظام رقم لسنة 57)

بالإضافة الى موقف التشريع الضريبي الأساسي مرت الإشارة إليه, فان القوانين المنظمة للحياة الاقتصادية الأخرى قد سارت على نفس النهج ومنها على سبيل المثال:
1- قانون التجارة العراقي النافذ رقم 30 لسنة 84 الذي خصص المواد من 12 الى 20 لمعالجة موضوع الدفاتر التجارية والحسابات الختامية للتجار واعتبر في مادته الـ 20 وزارة التجارة مسؤولة عن مراقبة قيام التاجر العراقي بمسك الدفاتر والسجلات طبقاً للقواعد المنصوص عليها فيه.
2- قانون الشركات رقم 3 لسنة 83 وتعديلاته وبديله القانون 21 لسنة 1997 المعدل الذي وضع على مجلس إدارة الشركة او مديرها المفوض مسؤولية وضع ميزانيتها وحساباتها الختامية بما يضمن سلامة تعبيرها عن الوضع المالي ودقة القياس ...
ونظم أسلوباً لتحقيق ذلك في البيان رقم 1 لسنة 85 الصادر عن دائرة تسجيل الشركات الذي استوعب آخر التطورات على صيغ الإفصاح المطلوبة في هذا النطاق وكانت قاعدة الإفصاح مكملة لهذا الدور.
3- قانون تنمية وتنظيم الاستثمار الصناعي رقم 25 لسنة 90 واخر بديل له رقم 13 لسنة 2006 الذي وضع نصوصاً مستقلة لتنظيم حسابات المشروع تتضمن اشتراط مسك سجلات منظمة وفقاً للأصول المحاسبية المتعارف عليها لضبط حسابات المشروع وتدقيقها من قبل مراقب حسابات مجاز وتزويد الدائرة المعنية بهذه الحسابات سنوياً.
تضمنت كافة التشريعات العراقية الخاصة بأمور المشاريع الاقتصادية في الدولة او في الحالات غير العامة نصوصاً تضمن قيام تلك المشاريع بمسك سجلات أصولية وإعداد حسابات وميزانيات وفقاً للأصول المحاسبية المتعارف عليها.
وبناء عليه لا يجوز رفض الحسابات المنظمة وفقاً لهذا الهيكل التشريعي المتكامل ويقع على من يطعن بصحتها تقديم الأدلة اللازمة لإثبات تلك الحقيقة وبصيغة تحريرية لكي يستقر العمل بصيغة منسجمة مع مقاصد القوانين النافذة وليس فيها مجال لتعميم الاجتهادات التي تركز على زاوية واحدة وتهمل الأسس العامة لتنظيم الحياة الاقتصادية بصيغة علمية ومستقرة.
لقد اعتبرت التشريعات العراقية هذه المهنة مهنة مساندة للمحاسبة وتدعو الى الثقة بما تعرضه من حقائق ومؤشرات ودلائل ويعتبر قانون الشركات العراقي النافذ ابرز هذه التشريعات الذي حدد بتفصيل ووضوح أكثر أهداف مراقبة الحسابات ومهماتها والأمور التي يجب عليه اتخاذ موقف منها في تقريره إضافة الى تأطير مسؤوليته المهنية عن إغفالها.
كما ان نظام ممارسة مهنة مراقبة الحسابات رقم 7 لسنة 84 وبديلة رقم 3 لسنة 99 الصادر استناداً الى قانون نقابة المحاسبين والمدققين رقم 185 لسنة 69 المعدل الحق الإطار القانوني لممارسة هذه المهنة بأحدث التطورات العالمية وأكمل مقاصد قواعد السلوك المهني الصادر عن النقابة.
يضاف الى ذلك ان قانون تنمية وتنظيم الاستثمار الصناعي قد عالج هذا الموضوع بنفس المنهج والاهم من هذا كله ان نظام مسك الدفاتر لأغراض ضريبة الدخل النافذ قد اشترط تدقيق الحسابات في الفقرة اولاً من المادة 7 منه, اعترافاً منه بالأهمية التي اشرنا اليها لهذه المهنة.
وحيث انه صادر استناداً الى قانون ضريبة الدخل ويستهدف ضمان تحقيق أهدافه,فلا يمكن تصور صحة موقف الدائرة المعنية بتطبيقات هذا القانون (الهيئة العامة للضرائب) من نتائج أعمال مهنة المحاسبة بفرعيها التنظيم والتدقيق نتيجة لاستخدام أسلوب التقدير بواسطة النسب (الضوابط).
ب- من ناحية وجود مؤسسات تختص برعاية المهنة وتطويرها يمكن لمن ينظر الى موقف السلطة المالية بمنظار من يبحث لها عن أسباب معقولة لموقفها من الحسابات ان يعتقد ان وراء هذا الموقف عدم وجود مؤسسات واطر تنظيمية مختصة برعاية هذه المهنة وتطويرها.
وبينما يؤكد الواقع ان هذه المهنة مؤطرة تاطيراً مؤسسياً وكما يأتي:
1- وجود نقابة للمحاسبين والمدققين مؤسسة بالقانون رقم 185 لسنة 69 تعني بتنظيم قواعد مزاولة مهنة المحاسبة والتدقيق والارتفاع بمستواها والاهتمام بسلوك أعضائها.
2- ديوان الرقابة المالية باعتباره الجهة المركزية في الدولة المعنية برعاية ما يخص المحافظة على الأموال العامة وسلامتها وتطوير أساليب المحاسبة عنها وضمان دقتها ووقوعها مطابقة للقوانين والتعليمات.
3- وزارة التجارة بموجب أحكام المادة 20 من قانون التجارة النافذ.
وقد أضيف في المرحلة الأخيرة توسعا في الإطار التنظيمي لهذه المهنة تمثل في ما يأتي:
أ- انبثاق جمعية مراقبي الحسابات.
ب- تشكيل مجلس المعايير المحاسبية والتدقيقة العراقي.
ان الجهات المذكورة أعلاه معنية إضافة الى ما تقدم بمراقبة الأداء المهني للمحاسبين والمدقيقين ومحاسبة المقصرين منهم بما يقتضي من العقوبات الادبية والقانونية.
وبناء عليه:
فان مهنةً أُشرت واجباتها بصيغة قانونية ولأعضائها مؤسسات مسؤولة عن شؤونهم المهنية بالشكل الذي مر انفاً لايجوز الشطب على نتائج أعمالها مرة واحدة كما تفعل السلطة المالية الان باستخدام صيغة الضوابط ويفترض ان عدم الأخذ بنتائج أعمال المحاسبة يجب ان يكون وفقاً للقانون وقراراً استثنائياً له ما يبرره وبعكسه فان اقل ما يمكن توقعه نتيجة لهذا المسلك الإضرار بالمجتمع بشكل عام نتيجة للاضرار بأكبر المهن المعنية بالاقتصاد التطبيقي بشكل مباشر, إضافة الى ثبات المسالك التي تعتمد السير بالصيغ الاستثنائية واعتبارها قواعد على عكس ما يقتضي لاستقرار المجتمع وتطوره من تطبيق القوانين والالتزام بها.
وان يكون اللجوء الى الاستثناءات بأضيق الحدود وحالة مؤقتة تغادر خلال فترة معقولة.

من يقوم بقياس نتيجة أعمال المشروع؟
إن رفض المخمن لحسابات المكلف ثم قيامه بتقدير أرباحه يعني انه يقوم بقياس نتيجة أعماله, فهل ذلك من اختصاصه؟ وهل انه قادر على انجاز تلك المهمة من موقعه وفقاً للمعلومات المتاحة له؟ ان الجواب سيكون حتماً بالنفي لانه ليس من اختصاصه الرئيسي اولاً وثانياً ان استخراج الربح والخسارة يحتاج الى مجموعة من الإجراءات وتطبيق مجموعة من الأسس والمبادىء والطرق التي تقتضي معرفة تفصيلية بظروف حدوث المعاملات المالية ووسائل ومستندات تعزيزها أصولياً وما تصدي السلطة المالية لهذه المهمة الا من قبيل المخاطرة التي لايخشى نتائجها اعتماداً على موقعه كجزء من سلطة الدولة ... بينما يعتبر قياس نتيجة الاعمال من ابرز واجبات المحاسب وهو قادر على ذلك بفعل قيامه بواجباته اليومية في متابعة المعاملات المالية وتعزيزها مستندياً ثم تبويبها تبويبا محاسبياً سليماً وتسجيلها في سجلات المحاسبة الاساسي والمساعدة وترحيلها الى سجلات الاستاذ المختص إضافة الى مسؤوليته المستمرة يومياً في المحافظة على أموال المشروع, ثم القيام بمجموعة من الإجراءات الاستثنائية في نهاية الفترة المالية فالجرد والمطابقة والتقييم والتخمين والملاحظة كل تلك الأمور تجعل المحاسب المؤهل الامثل او الوحيد لقياس نتيجة الأعمال الاقتصادية قياساً سليماً بحكم معرفته ومسؤوليته عن تطبيق واستخدام مبادئ القياس المحاسبي السليم المتعارف عليها والمقبولة قبولا عاماً.
لذا فان وضع الأمور في نصابها يستدعي تفرغ المخمن لتطبيق قانون ضريبة الدخل واحتساب الضريبة وتحقيقها بعد تنزيل المساحات المقررة فيه وله في سبيل ذلك القيام بالتحريات اللازمة للتأكد من دقة الدخول المعروضة امامه.

حول التأهيل العلمي للمحاسب العراقي
قد يفسر البعض موقف السلطة المالية من الحسابات التي يقدمها المكلف بعدم قناعته بكفاءة المحاسب العراقي او عدم أهليته لأعداد مثل تلك الحسابات فان الواقع لا يؤيد هذا الاعتقاد لعدة أسباب منها:
1- ان التأهيل العلمي لخريجي كليات المحاسبة العراقية يعتبر تاهيلاً متكاملاً ويتلقى الخريجون دروساً في اغلب مبادى المحاسبة ونظرياتها وأسسها وأعرافها ويؤخذ احياناً عن تلك المناهج انها تزود الطالب بمعلومات تفيض عن حاجته في التطبيق لفترة طويلة من عمر خدمته المهنية.
2- ان مناهج الدراسات المهنية للمحاسبة (إعدادية التجارة, معاهد المحاسبة) مناهج تطبيقية وتكفي لخلق كوادر وسطية أثبتت بالتجربة العلمية كفاءتها وساهمت بوضوح في انجاز الأعمال المحاسبية.
3- لقد ساهم قانون نقابة المحاسبين والمدققين رقم 185 لسنة 69 المعدل إضافة الى الزمن بإخراج نسبة عالية من ممارسي المهنة غير المؤهلين او يمكن القول انهم انقرضوا.
4- يعتبر مختصصو المحاسبة والتدقيق العراقيون من قادة الفكر المحاسبي في المنطقة ولبعضهم باع طويل ومشهود لهم بالكفاءة والخبرة.

هل يعتبر التقدير بواسطة النسب (الضوابط) مؤقتاً:
لقد دأبت أجهزة الهيئة العامة للضرائب في السنوات الأخيرة على تقدير أرباح المكلفين تقديراً يعتمد على نسب جاهزة (يسمونها الضوابط) حيث لكل نشاط اقتصادي نسبة جاهزة يعتبر المكلف حقق أرباحا بموجبها مهما كانت الظروف والأحوال التي يمر بها خلال الفترة المالية, فعلى سبيل المثال:
تربح معامل التريكو 20% من المبيعات
وتربح مقاولات البناء 20% من السلف المقبوضة
ويربح وكيل المواد الغذائية 8% من قيمة المواد المجهزة
فهل يعتبر هذا المقياس سليما بكافة المقاييس او بأغالبها؟ في الحقيقة يمكن الجزم بعدم صحة هذا المقياس للأسباب التالية:
1- ان ظروف التطور التي مر بها الاقتصاد العراقي بطريقة القفزة نتيجة زيادة موارده المالية ثم مروره بمرحلة اقتصاد الحرب لا تسمح بتحديد فترة قياسية مناسبة لوضع معدلات لنسب أرباح الأنشطة الاقتصادية المختلفة وذلك عامل مهم يعيب أسلوب النسب علاه بدرجة كبيرة.
2- ان مثل هذه النسب يجب ان تكون مبنية على دراسات اقتصادية معمقة وميدانية يقوم بها اختصاصيون لا سؤال على كفاءتهم وخبرتهم ولا ندري هل ان السلطة المالية قد قامت بمثل هذه الدراسات للوصول لتلك النسب ولكن ما يمكن تأكيده ان الجهات الاختصاصية الأخرى بالشؤون الاقتصادية والمالية (كإحصاءات الدخل القومي والتحليل العلمي) ووسائل البحث العلمي (المجلات العلمية المتخصصة, المؤتمرات العلمية) لم تعلن قيامها بتحديد مؤشرات موثقة حول تلك الجوانب.
3- ان تطبيق النسب على كافة المكلفين في النشاط المتشابه دون ملاحظة الظروف المحيطة بالحالة الفردية وهذا الأسلوب لابد ان يكون قد ضيع على السلطة المالية فرصة تحقيق العدالة الضريبية مع بعض المكلفين الذين لم تكن ظروفهم مشابهة بنسبة كبيرة لظروف القياس النسبي المعتمدة من قبلها.
4- ان اعتماد المبيعات مقياسا لتحديد الربح يثير مجموعة من التساؤلات:
أ- مادام هناك شك في حسابات المكلف فان مبيعاته ابرز الأرقام التي يجب الشك فيها لعدة اعتبارات يعتبر قسماً منها تاريخيا في سلوك التاجر العراقي, وكان من المفروض لكي يكون هذا المقياس معقولاً ان يكون المقياس مؤكد الدقة بصيغه فعالة ومقبولة وحيث لم يتم ذلك فان اختيار المبيعات مشوباً بدرجة كبيرة.
ب- ان المبيعات عنصراً واحداً من عناصر المتاجرة لا يعتبر مقياساً قيادياً لتأشير ربح المتاجرة ما لم تلاحظ العناصر التالية:
1- طريقة التسعيرة والأسس المستخدمة فيها وهوامش الربح المقررة حيث يعلم الجميع ان سياسات التسعير الحر والمبعثر مازالت مطبقة في العراق.
2- كلفة الإنتاج وهي المعادل الثاني لقيمة المبيعات على ضوء الارتفاعات الكبيرة في كلفة العمالة وكلفة الخدمات.
فهل لاحظت السلطة المالية ذلك؟

* خبير مالي ومصرفي