من يوميات تحية كاريوكا سنة 1950

من يوميات تحية كاريوكا سنة 1950

الخميس
لم أقم في هذه الليلة.. قمت بدور "البوسطجي" واخذت أوزع الخطابات على بيوت الفنانين والفنانات الذين يشتركون في اسبوع التسليح حتى الساعة الثالثة صباحا لم اشعر بالتعب انما احسست براحة غريبة وانا اصعد السلالم الى الادوار الخامسة والسادسة، واتنقل من شبرا الى مصر الجديدة الى السيدة زينب؟

اخذت ابحث عن ثريا حلمي ساعتين بالضبط، وذهبت اليها في كل مكان، ولكنني لم اجدها، وفي النهاية قالوا لي: انها لم تجيء من لبنان حتى الآن.. وان حضورها كان مجرد اشاعة!
وكان معي في هذه الليلة اكثر من خمسين خطاباً.
ورجعت عند الفجر الى بيتي وفي يدي ثلاثة خطابات فقط بينها خطاب ثريا حلمي!
وبينما انا القي بجسدي على اول مقعد يقابلني.. تذكرت ما حدث لي في اول الجولة!
النهاية..
"أخرجت نفسي بالقوة من فراشي، وهرولت بسرعة الى ادارة الشؤون العامة لكي ارتب اجتماع الفنانين في الساعة الخامسة بعد الظهر.. وكانت امامي اكبر مشكلة، وهي مشكلة الموسيقيين الملازمين لهم!
وبدأ الاجتماع واقترح فريد شوقي ان تغلق الاستديوهات لمدة اسبوع..
وينتشر جميع الفنانين في الاقاليم، ويوزعوا انفسهم على المناطق المختلطة لجمع التبرعات واقامة المهرجانات والحفلات!
واقترح محمد فوزي اقامة مباراة قصيرة في كرة القدم بين فريقين من الفنانين ويكون كابتن الفريق الاول الكحلاوي، وكابتن الفريق الثاني فريد شوقي، ولكن اتحاد الكرة رفض هذا الاقتراح!
وانتهى الاجتماع بعد ان جفّ حلقي من كثرة الكلام!
الجمعة
بقيت اربع وعشرين ساعة.. ويبدأ اسبوع التسليح في القاهرة، وامضيت اول النهار في المرور على المسارح ودور السينما التي ستقام بها مهرجانات الاسبوع.. وكان معي احد النجارين لكي يقيس المسرح المتنقل اللازم لكل دار!
وحدثت معجزة وتم اعداد مسرح الاندلس في 12 ساعة فقط لكي يتسع لـ 6000 شخص!
وتناولت غدائي سندوتشات في هذا اليوم.. وبعد الظهر بدأنا نعد الدفاتر والايصالات التي سوف توزع على الفنانين في الصباح التالي.. وجاءت امينة البارودي واتفقت معها على ان تذهب للشركات والمؤسسات التجارية الكبيرة في البداية! وفي هذه الليلة نمت مبكرة الساعة الواحدة صباحا!
السبت
لا تتصوروا احاسيسي وانا اسير في سيارة خاصة بجوار موكب الفنانين الذاهب الى شارع فؤاد.. لقد تجمع الناس في ميدان التحرير حول السيارة الكبيرة واخذوا يخرجون قروشهم ويضعونها في صناديق فريد شوقي وسامية جمال ولبلبة، وبكيت عندما رأيت طفلا صغيرا يسابق السيارة لكي يتعلق بها ويضع قرشا في الصندوق! وذهبت الى احدى الشركات في شارع عدلي.. وطرقت باب المدير وكان معي احد المصورين الصحفيين وقال لي الرجل:
- انا لا اريد تصويراً ولا تقولوا اسمي.. يكفي انني مصري مجهول يريد ان يساهم في تسليح الجيش!
وامسك الرجل القلم.. وكتب الشيك وكان بخمس مئة جنيه!
استوقفني احد باعة الليمون في الشارع.. واخرج من جيبه عشرة قروش – من كل ما كسبه طوال اليوم – وقال لي: خذي "الاستفتاح" كله!
الاحد
ذهبت الى مصر الجديدة.. صممت على ان اجمع القروش في ذلك اليوم من الاتوبيس والترام ورجل الشارع.. ولمحني ركاب المترو فاوقفه السائق واخذت السيدات تصيح: تعالي.. عايزين نتبرع!
وكان منظراً رائعا، هذا الطفل الذي فتح حقيبة امه واخرج منها قرشاً وقال لها:
- مصروفي بكرة.. ساتبرع به ودخلت نادي الفروسية وقابلت هناك حرم الدكتور عبد السلام البربري، وكان معها احد الضيوف من الاسكندرية وقال لي انه تبرع ثلاث مرات وآخر مرة كانت لماجدة التي سبقتني!
ثم قال: لكن ما اقدرش اكسفك! ووضع في الصندوق خمسة جنيهات وانهيت الجولة في الساعة الرابعة بعد الظهر ورجعت الى بيتي في احدى سيارات نقل الجنود!
واخذت حقيبة ملابسي وذهبت مرة ثانية الى مصر الجديدة لكي ارقص في حفلة الليل!
الاثنين
رأيت اليوم في الجيزة منظرأ ابكاني سائق تاكسي كان يتناول افطاره وفي يده ساندوتش فول.. ولمح السيارة التي اركبها فقام يجري وترك افطاره وركب التاكسي، حتى لحقني وقال لي:
يا ست تحية.. انا مكسوف منك.. لان ايراد النهاردة خمسين قرشاً بس.. تاخذيهم والا!..
ومددت يدي لكي اصافح هذا البطل المجهول من الشعب!
ثم ذهبت الى الجامعة.. ودخلت الى عميد كلية الآداب، واخرج من جيبه بعد مناقشة استمرت نصف ساعة خمسة وعشرين قرشا فقط!
وقابلت فراش العميد وكانت مفاجأة لي حينما وضع في الصندوق خمسين قرشا كانت كل ما في جيبه!
الثلاثاء
في شبرا.. تركت زملائي وذهبت الى ساحل روض الفرج وخصصت هذا اليوم لتجار الحبوب.. واحتج واحد منهم بانه تبرع.. وسألته: فين الايصال؟
فأخرج من جيبه شارة بقرش صاغ وقلت له :لا انا جئت من اجل الجنيهات ولم اتركه إلا بعد ان اخذت من خزانته خمسة جنيهات!
وفي هذا اليوم بالذات كنت اسعد انسانة في مصر... فقد دق جرس التليفون في بيتي وجاءني صوت "فاعل خير" وقال لي: انه سمع انني اجمع تبرعات للتسليح وانه يرجو ان اقبل الشيك البسيط الذي ارسله مع سكرتيره الخاص، ووضع السماعة ولم يزد حرفا واحداً! وكان الشيك البسيط بألفين من الجنيهات!
الأربعاء
دخلت المدبح ووقفت وسط ابناء البلد الذين كانوا يلتفون حولي ويقولون:
- ياريت تجي كل يوم!! وكان معي فريد شوقي الذي اخذ يكلمهم بلهجته الشعبية!
وتسابقت القروش الى الصندوق الذي يحمله!
وبعد فترة قصيرة رأيت بنات البلد يتركن بيوتهن وهن يزغردن وجئن لكي يضعن مصروف البيت في صناديق التسليح!
وزغردت معهــــــــــن.. لمصـــــــــــــــر وشعبها!
تحيا كاريوكا
الجيل / تشرين الاول- 1955