رافد صبحي اديب وقطار الموت

رافد صبحي اديب وقطار الموت

خالد جبر
الحديث عن الدكتور رافد صبحي اديب له شجون وذكريات جميلة ، فكنت ازوره باستمرار في عيادته الخاصة الكائنة في الباب الشرقي ـ ساحة الطيران ـ مقابل كنيسة الارمن وبرفقة احد اقاربي المرضى والذي كان يشكو من امراض في المجاري والمسالك البولية وكان ذلك حوالي عام 1975 وفي احدى المرات وجدته جالسا في عيادته ويمسك في يده الباليت وهي محملة بالالوان وامامه لوحة قد انجزها ويضع عليها اللمسات الاخيرة وانبهرت لهذه القابلية في مجال الرسم والالوان

وبعد ذلك اخبرته بانني رسام ولي ورشة عمل وقمت بين فترة واخرى ازوره واحمل احدى لوحاتي وكان يوضح لي بعض النقد عن الاسلوب والتاثر بالرسامين العالميين واهدى لي كتابا ملونا كبيرا عن الفنان العالمي (رامبراندت)وكان لايتكلم كثيرا بشوشا بسيطا انسانيا وكان لا يتحدث عن السياسة اطلاقا وقال لي في احدى المرات ان طريق السياسة طريق شائك وصعب ، وعندما نبحث في الارشيف الفني لهذا الدكتور الشهم سنراه اعجوبة زمانه مع زملائه الاطباء الذين ضحوا بحياتهم لخدمة العراق ، فهو الدكتور رافد صبحي اديب بابان كوردي الجنسية وكان من ضمن الموقوفين في قطار الموت الى نقرة السلمان مع العقيد الطبيب عبد السلام بالطه والمقدم الطبيب الفنان الرسام قتيبة الشيخ نوري والدكتور عبد الصمد نعمان والطبيب سعيد عزيز وفاضل الطائي وذلك بعد فشل ثورة النائب العريف حسن سريع في معسكر الرشيد وكذلك من ركاب ذلك القطار الاسود العقيد ابراهيم الجبوري والعقيد حسن عبود والعقيد سلمان عبد المجيد والمقدم عدنان الخيال والمهندس الضابط عبد القادر الشيخ والرئيس صلاح الدين رؤوف والملازم يحيى نادر والضابط محمود جعفر الجلبي والضابط لطفي طاهر شقيق وصفي طاهر مرافق الزعيم وكذلك الضابط الطيار عبد النبي جميل والضابط الطيار حسين علي جعفر والضابط طارق عباس حلمي والضابط عزيز الحاج محمود واما عن المدنيين في قطار الموت: مكرم الطالباني وعبد الرحمن الرحبي ، كريم الحكيم ، الشيخ محمود، الدكتور احمد البامرني ، علي حسين رشيد ، جميل منير ، شاكر القيسي ، حامد الخطيب ، فاضل الطائي ،عبد الصمد نعمان ، علي ابراهيم حيث بلغ عدد الموقوفين بحدود 160 موقوفا وتم وضعهم في قطار الموت في عربات مخصصة للحيوانات وكانت مطلية بالزفت الاسود وذلك لتسمم الهواء داخل عربة القطار فضلا عن حرارة الجو القاتل لانه يبدو ان السجون امتلأت بالمناضلين الابطال وخاصة سجن رقم واحد والذي كان مديره المجرم الملازم الاول حازم الاحمر وكذلك سجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان في صحراء السماوة ، ففي صبيحة يوم 3/تموز/1963 تم اصدار قرار جمهوري موقع من قبل عبد السلام محمد عارف واحمد حسن البكر وطاهر يحيى ورشيد مصلح يقضي بترحيل المساجين الى نقرة السلمان في عربة او قطار الموت ومن ينجو منهم سوف يتم اعدامه في نقرة السلمان على يد الزعيم المجرم عبد الغني الراوي ،وتم صعود المعتقلين في القطار في المحطة العالمية وهم لايعرفون مصيرهم وكان سائق القطار السائق عبد عباس المفرجي والذي هو لا يعرف ماذا يحمل في عربات القطار ، لانه تم التكتيم من قبل الحرس القومي عن كل المعلومات ولكن الطبيب البطل رافد صبحي اديب اعطى تعليماته لكل المعتقلين حول التنفس وعدم شرب الماء الاممزوجا بالملح من اجل المحافظة على الضغط وكان الموقف صعبا جدا وخاصة حرارة الصيف من شهر تموز ، وسار القطار بطيئا حسب الاوامر وبعد ان امضى سيره بحدود 160 كيلو مترا اي بحدود منطقة المحاويل وبعد توقف قليل قام احدهم باخبار السائق عبد عباس المفرجي بان حمولة قطاره ليست حيوانات كما قيل له بل انهم اطباء وضباط وقادة ومن جماعة الزعيم عبد الكريم قاسم ، وبعد ان فوجىء بهذا الامر وشعر ان ارواح هؤلاء الابطال بيده وحده ولا بد ان يتخذ موقفا حاسما وانطلق بسرعة كبيرة ولم يقف في اي محطة قادمة مخالفا الاوامر و التعليمات حيث وصل قبل الوقت بكثير الى محطة قطار السماوة حيث سبق الموت ولكن المعتقلين اصبحوا في حالة يرثى لها من التعب والارهاق والاختناق مما جعل بالضابط نادر جلال الذي فقد الوعي لاصابته بمرض الربو وتوفي في ذلك الوضع الصعب جدا وقام اهالي السماوة بتقديم الحليب والماء البارد والثلج ولكن الطبيب رافد صبحي اديب منع شرب الماء البارد والمشروبات الغازية الا الماء الدافىء والملح وقد تعالى بكاء النساء على الموقوفين ووضعهم الصحي السيىء مما جعل المواطنين يشتبكون مع رجال الشرطة في مظاهرة مما جعل الشرطة ان تقوم بتأجير لوري كبير الحجم محمل بالرز والمياه والدهن والتمر الى سجن نقرة السلمان ويتم توزيع كل هذه الحصة على المعتقلين الابطال والذي كان يقود كل هذه المعاناة بحزم وصبر هو الطبيب رافد صبحي اديب مع اخوانه الاطباء والضباط الاحرار والمدنيين الابرياء.