مصرع الملك غازي .. هل يبقى لغزا ؟ روايات مختلفة جديرة بالتحقيق

مصرع الملك غازي .. هل يبقى لغزا ؟ روايات مختلفة جديرة بالتحقيق

اعداد : ذاكرة عراقية
ما اكثر الالغاز في تاريخنا السياسي الحديث وما اكثر الروايات التي سيقت حول هذه الالغاز .. ومن هذه الاحداث مصرع الملك غازي بحادث السيارة ليلة 4ــ 5 نيسان 1939. ونقدم هنا عددا من الروايات الجديرة بالتحقيق في امرها للتوصل الى الحقيقة التي لم تتضح بعد في هذه الحادثة الجسيمة من تاريخنا ..

يذكر السيد محسن ابو طبيخ توسطه في الخلاف الذي دار بين الملك غازي والأمير عبد الاله إذ ذكر ما نصه : " كانت الساعة الواحدة ظهراً من يوم الخميس من بعد الظهر ... وقبل أن أنام اخبروني أن الأمير عبد الاله يطلبني على الهاتف ... وبعد ان شكرني قال انا في انتظارك , وفي الحال توجهت بسيارتي اليه ... وعند وصولي قالت الملكة نفيسه والدة عبد الاله , ان ثقتنا التامة بك وباخلاصك لهذا البيت لذا رأينا الاستعانة بك في حل الخلاف الذي حصل نتيجة المشادة الكلامية بين الملك غازي والأمير عبد الاله و لذلك طلب صاحب الجلالة من سمو الامير مغادرة العراق في هذا اليوم الى الاردن ومن دون تأخير .. وهو الآن في البلاط ينتظر تنفيذ الأمر, لذا نريد منك الذهاب اليه لتهدئته وإزالة انفعاله للعدول عن أمره.
وبعد ذلك توجهت الى البلاط وطلبت من رئيس التشريفات تحسين قدري أدخالي الى الملك , فدخلت عليه وطلب مني الجلوس وقال اضنك جئت من قصر الزهور في إشارة منه بأني جئت للتوسط من قبل العائلة المالكة فقال بإنفعال شديد إن إبن عمي هذا يتأمر مع أعدائي علي وكلما أنهاه عن التقرب منهم , لا يلتزم بأمري وإني اخشى ان يقتلوني وهم ليسوا بخافين عليك انت واتصالاتهم مستمرة مع السفارة البريطانية ... وكان ردي على قوله هذا اني اخشى المنافقين ليفرقوا بينك وبين ابن عمك ... لذا فأني أرجو من جلالتكم التساهل مع إبن عمكم في أن تؤجلوا , ما أمرتم به الى وقت اخر ... وبعد ثلاثة أيام فوجئت بنبأ مقتل الملك بسيارته في عمليه محفوفة بالشكوك. (احمد كامل ابو طبيخ ,السيد محسن ابو طبيخ , سيرة وتاريخ,ط2, (بغداد ,2005),ص298).

ذكر(صلاح الدين الصباغ) :"ان نوري السعيد الذي كان يقيم في القاهرة , كان قد أرسل الى العقيد (فهمي سعيد) ولده صباح بعد مقتل بكر صدقي بأسبوعين , ليستفسر منهما عما إذا كانا يؤيدان قتل الملك غازي والحاقه ببكر صدقي وتخليص البلاد من عبثه أمر ممكن !! وقد رد عليه فهمي سعيد بصوت جوهري
قائلاً : "لا يا صباح لن يحدث هذا ابداَ" أما صلاح الدين فقد رد عليه بما نصه: "اما بصدد اغتيال الملك غازي , فنحن ابعد الناس الى التطرق لمثل هذا العمل ولا نسمح بأن يذكر امامناً , ونصيحتي لك ان لا تكرر ما قلته لي وأن لا تفاتح به أحدا بعد اليوم".(صلاح الدين الصباغ ، رواد العروبة في العراق ، دار الحرية ، ط2 ،( بغداد ،1983) ، ص 89).
تطرق توفيق السويدي إلى الموضوع نفسه في مذكراته المعنونة نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية قائلا :" أتذكر بهذا الصدد إني عندما كنت في لندن التقيت بالسيد (بتلر) وقد أبدى لي شكوى عنيفة من تصرفات الملك غازي فيما يتعلق بالدعاية الموجهة ضد الكويت من إذاعة قصر الزهور... وقال لي بصراحة :" إن الملك غازي لا يملك القدرة على تقدير مواقفه لبساطة تفكيره , واندفاعه وراء توجيهات تأتيه من أشخاص مندسين عليه، إن الملك بعمله هذا يلعب بالنار واخشى أن يحرق أصابعه يوماَ ما". ( توفيق السويدي, مذكرات نصف القرن من تاريخ العراق والقضية العربية,(بيروت,1983), ص286) .

تتحدث السيدة مديحة السلمان زوجة الشهيد (محمود سلمان) عن زيارتها لجلالة الملكة عالية وتركز في حديثها على زيارة التعزية التي نصبت للملك غازي ودار الحديث حول الحادث الأليم وما أشيع عنه من مؤامرة مدبرة لإغتيال الملك فتفضلت الملكة بالحديث التالي :" كنت جالسة في القصر فانطفأت الأنوار فجأه فيه واستفسره عن السبب فسمعت أن أحد العبيد الذي تربى في القصر يطلب النجدة ويقول الحقونا ... سيدي مصاب ... حصل حادث للسيارة ... قالت الملكة هذا والعبرات تكاد تخنقها ... واسترسلت في الحديث قائلة ...وركضت بكل قواي صوب الحادث فوجدت سيدي الملك"كما كانت تلقبه" وهو يلقبها"ستي الملكة".. لقد وجدته ملقى والدم ينزف من رأسه ووضعت يدي على قلبه فوجدته ما يزال يخفق ، وفي الحال طلبت استحضار الأطباء في السرعة الممكنة وكنت أهيب بالحاضرين أن يسعفوني بقطن و)شاش( عسى أن أتمكن من إيقاف النزيف...أما الذين كانوا من حولي فكل واحد مرتبك وحائر ولا يدري ماذا يعمل وصرت أمسك بالجرح وأضغط عليه بكل شي تقع عليه يدي.. وكان الملك فاقد النطق وكل شئ يدل أنه فاقد للحياة سوى دقات قلبه ونظراته . وخلت الدقائق التي كنت أعيشها في تلك الحظة العصيبة كأنها الأعوام الثقال قبيل مجيء الأطباء.. جاء الدكتور سندرسن والدكتور صائب شوكت وبعض رجال القصر فأهبت بهم أن يعملوا المستحيل لإنقاذ الملك وبدئ بالكشف عليه وفحصه وبقوا واجمين ، وبعد ذلك توفي الملك . وكان أحد الذين رافقوه في السيارة حيا وقد أصيب بكسر في يده وحدثني عن كيفية وقوع الحادث ...فقال ...عند عودة جلالة الملك من قصر الحارثية الى قصر الزهور أدار محرك السيار ة وانطلق بها بسرعة كبيرة كما هي عادته دائما...فكان أن اصطدمت
السيارة بعمود كهربائي فاستدارة حول نفسها ووقفت من شدة الصدمة وكان الباب قد انفتح فانسد ثانية على يد العبد ولم يفق من شدة الألم إلا على منظر سيده الذي كان جالسا في مقعد القيادة والعمود نازل على رأسه والدم ينزف منه...وكان في السيارة كذلك شخص آخر وهو من البوليس – الحرس لم يصب بسوء..فهرع العبد وأبلغ عن الحادث ..وعن كل شئ شاهده بعينه.) شاكر علي التكريتي ،الأسيرة رقم 93 ،مذكرات مديحة السلمان زوجة الشهيد محمود سلمان ،(بغداد ، 1990) ،ص ص.87-88 (.

في يوم 8 حزيران 1938 أي قبل مصرع الملك بتسعة أشهر ونصف وجد عبد من عبيد الملك غازي قتيلا في فناء القصر , وتشير الراوية الرسمية أن القتيل كان يحمل مسدسا فأنطلقت منه رصاصة أصابة منه مقتلا , ولكن السفارة البريطانية في بغداد صرحت : ربما كان هذا العبد مندس خلف الملك فقتله, وقد ظهر أن هذا القتيل كان شقيق (عبد سعيد) الذي كان في المقعد الخلفي لسيارة الملك يوم اصطدامها . فهل استخدم هذا العبد في حادثة مقتل الملك انتقاما لمقتل اخيه في فناء قصر الملك.. (عبد الرزاق محمد اسود , موسوعة العراق لسياسية , مج3, ص280 – 281) .