إحسان عبد القدوس: حتى لا تطير التجربة

إحسان عبد القدوس: حتى لا تطير التجربة

محمد كريم
تمر مئوية الأديب الكبير إحسان عبد القدوس على الأوساط الثقافية والفنية مرور الكرام، بالرغم من أن الرجل شغل الدنيا وملأ الناس بعدد كبير جداً من الأعمال التي تلقفتها السينما والتلفزيون والمسرح، بصورة لا ينافسه فيها من الأدباء إلا القليل، مثل نجيب محفوظ.

أسرة فنية
ولد إحسان عبد القدوس في الأول من يناير/ كانون الثاني سنة 1919، لأسرة تجمع بين الثقافة والفن؛ فوالدته هي السيدة فاطمة اليوسف (روز اليوسف 1897 - 1958)؛ ممثلة لبنانية المولد من أصل تركي، رحلت إلى مصر وبدأت رحلتها الفنية مع فرقة عزيز عيد، ثم انتقلت إلى فرقة جورج أبيض، ولكن تألقها الكبير كان مع فرقة رمسيس التي أسسها الفنان يوسف وهبي في عام 1923، وقدمت من خلالها العديد من الأدوار المميزة/ مثل دور مارغريت غوتيه في رواية غادة الكاميليا، حيث نالت آنذاك لقب "برنار الشرق"، لكنها سرعان ما اختلفت مع يوسف وهبي واعتزلت التمثيل. اتجهت، بعدها، إلى الصحافة، وأسست مجلة وصحيفة "روز اليوسف"، ومجلة "صباح الخير"، بمساعدة محمد التابعي، وبمشاركة مصطفى أمين وعلي أمين وعباس العقاد.
كانت روز قد تعرفت إلى زوجها المهندس محمد عبد القدوس (1888 - 1969) والد إحسان، ولكنهما انفصلا بعد أن أنجبا عبد القدوس الابن. وكان زواجهما من البداية بمثابة شرارة أشعلت النار في بيت الحاج أحمد رضوان، جد إحسان، الذي رفض أن يرتبط ابنه بممثلة متحررة. وقد حدثت قطيعة مؤقتة بين والد إحسان وجده بسبب هذا الزواج. كان محمد عبد القدوس عاشقاً للفن والمسرح، قدم مجموعة أدوار في المسرح ثانوية وفي عدد قليل من الأفلام. وهو أديب له مسرحية من تأليفه بعنوان "إحسان بيه". بعد طلاقهما، تزوجت روز اليوسف مرتين؛ الأولى من المخرج زكي طليمات، والثانية من قاسم أمين، المحامي حفيد الناشط الحقوقي الشهير قاسم أمين.

نشأة مزدوجة
بعد انفصال الوالدين؛ وفي بيت جده لوالده الشيخ أحمد رضوان، نشأ إحسان عبد القدوس، في بيئة متدينة محافظة، تكثر فيها اللقاءات الدينية بين علماء الأزهر من أصدقاء جده، لكن سرعان ما كان إحسان ينتقل من بيت جده إلى والدته المتحررة وندوتها الدورية التي كانت على النقيض تماماً من بيت جده. في هذا السياق، يقول إحسان: "كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني، حتى اعتدت عليه بالتدريج، واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي لا مفر منه".
تخرج إحسان من كلية الحقوق في عام 1924، ولم ينجح في عمله محامياً، لكنه تولى رئاسة تحرير مجلة "روز اليوسف"، كان عمره 26 سنة، ثم أصبح رئيساً لتحرير جريدة "أخبار اليوم" في عام 1966 لمدة عامين، ورئيساً لمجلس إدارتها ورئيساً لتحريرها سنة 1971 لمدة أربع سنوات.
أعماله والدراما
لا تزال أعمال إحسان عبد القدوس منجماً فنياً ينهل منه صناع الدراما التلفزيونية والسينمائية والمسرح؛ فمن بين أكثر من 600 قصة ورواية تحولت قرابة 70 منها إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية وإذاعية ومسرحيات. كما أنه شارك في كتابة العديد من السيناريوات والحوارات لعددٍ من الأفلام. وقد ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية.
تعاون إحسان عبد القدوس مع 16 مخرجاً سينمائياً في صناعة رواياته، أبرزهم حسين كمال وصلاح أبو سيف وحسام الدين مصطفى وأحمد يحيى. ومن أشهر الأفلام التي قامت على روايات وقصص لعبد القدوس: "أبي فوق الشجرة"، و"أنف وثلاث عيون"، و"إمبراطورية ميم"، و"دمي ودموعي وابتسامتي"، و"بعيداً عن الأرض"، و"العذراء والشعر الأبيض"، و"أرجوك أعطني هذا الدواء"، و"أيام في الحلال"، و"لا أنام"، و"في بيتنا رجل"، و"حتى لا يطير الدخان"، و"أنا حرة"، و"لا تطفئ الشمس"، و"الوسادة الخالية"، و"الراقصة والطبال"، وغيرها. ومن أبرز الفنانين الذين جسّدوا أبطال رواياته، نجلاء فتحي وفاتن حمامة ونبيلة عبيد ولبنى عبد العزيز وسعاد حسني ونادية لطفي ومريم فخر الدين وعبد الحليم حافظ ونور الشريف.

الجرأة والرقابة
تعرض كثير من أعمال إحسان عبد القدوس إلى النقد بسبب جرأتها؛ إذ تصدرت معالجاته لموضوع الجنس العديد من النقاشات حول فكرة الجرأة في الفن، وقد دافع إحسان عن موقفه بأنه أكثر جرأة من أدباء آخرين عالجوا هذه الموضوعات، لكنهم تراجعوا تحت وطأة النقد والهجوم. كذلك كان لمقص الرقيب دور كبير في أفلامه حذفاً وتعديلاً بما يخالف الرواية الأصلية؛ وهو ما حدث في أفلام "البنات والصيف"، و"لا أنام"، و"يا عزيزي كلنا لصوص"، و"حتى لا يطير الدخان" وغيرها.
رحل إحسان عبد القدوس في 19 يناير/ كانون الثاني 1990 عن عمر 71 عاماً. يذكر أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 40 قد شهد إصدار كتاب بعنوان "إحسان عبد القدوس بين الأدب والسينما" للباحث السينمائي سامح فتحي، بمناسبة مرور 100 عام على مولده، حيث استعرض الكتاب، في 216 صفحة، أعمال إحسان عبدالقدوس الروائية والقصصية في صورتيها النصية والمرئية.
عن الحوار المتمدن