توني موريسون: نعمة خلاصنا

توني موريسون: نعمة خلاصنا

بربارا كرستيان
ترجمة: نجاح الجبيلي
أتذكر المرة الأولى التي حملت بيدي رواية لـ"توني موريسون". لقد قرأت في عام 1970 مراجعة لرواية اسمها "العين الأشد زرقة" مؤلفتها كاتبة زنجية وهي منشورة في باب مراجعات الكتب" وكانت مصادفة غريبة جداً إذ أنني ابتعت الكتاب; فوراً.

وبعد أن اندهشت من هذه الحكاية الغنائية عن فتاة سوداء ترغب في عين أشد زرقة، وبجوقة المؤلفة الزنجية المكونة من أصوات النساء الزنجيات عرفت بداعة التقليد السابق لكتابات النساء السوداوات والذي لم يكن معروفاً حتى ذلك الحين. ميزت الطريقة التي رويت بها القصة، كانت بالشكل الذي تروي به أمي القصة- قصة بسيطة تزداد تعقيداً فتصبح أسطورية بعيدة عن الحل. ومع ذلك علمتني درساً كنت بحاجة لمعرفته.في العقد التالي أردت أن أؤلف كتاباً عن عرف الكتابة النسوية الزنجية، بينما أخبرني شخص في الأكاديمية وفي عالم النشر بعدم وجود مثل هذا التقليد. لم أكن وحدي، فالأخريات، والعديد منهن صديقاتي، اللاتي نادراً ما يقرأن "الروايات الجادة" تناقلت أيديهن رواية "العين الأشد زرقة". وحينما نشرت الرواية الثانية لـ"موريسون" عام 1973 بعنوان"صولا" ،التي أثارت جدلاً واسعاً، تناقشنا الواحدة مع الأخرى بواسطة الهاتف. وفي هذه الرواية تقارب موريسون بين شخصيتين هما "نيل المربية التقليدية و"صولا" المرأة التي أصرت على تكوين نفسها في حكاية تدور معظمها عن تاريخ عزلة الزنوج في أميركا إذ أن بعضنَّ قد أصبن بالهياج حد الغضب الذي كشف عن مكنون أنفسنا. أتذكر أن إحدى صديقاتي أخبرت زوجها أن عليه أن يقرأ رواية "صولا" لأنه بينما كان اسمها "نيل" فإن بداخلها ، كما بداخل كل امرأة زنجية أخرى، لمسة من صولا الفظيعة والأنانية أيضاً.قبل مدة طويلة من منح موريسون جائزة نوبل للآداب كانت النساء الزنجيات "العاديات" يسمينها "كاتبتنا". سميناها "توني" لأننا شعرنا جميعاً بأننا نعرفها. كانت توني تغني لعالم لم يكن أبيض أو ذكورياً إذ تعين علينا ،نحن النساء الزنجيات، أن نكتشف أنفسنا، وبالنسبة إلينا فأنها قد فازت بجائزة نوبل مسبقاً.; في عام 1975 كنت أعطي فصولاً دراسية عن الكاتبات الزنجيات راحت كلمات موريسون تتردد على لسان نساء ورجال من أعراق مختلفة. وعلى الرغم من أن الرجال لم يرتاحوا إلى الطريقة التي كانت تضع بها موريسون المرأة في مركز رواياتها إلا أنهم كانوا يحبون صوتها فقد سماه أحد الطلاب "اللغة التي كنت أحلم بها".وهو الشعور الذي ترسخ فيه بعد قراءته روايتها الثالثة "نشيد سليمان"-1977. نعم إن موريسون كانت امرأة كاتبة لكن بوسعها أن تصور حياة الرجال ورغباتهم ومقاومتهم الطيران; مجازها عن قدرة الاستسلام إلى الحب الحر حتى تحت جنون الرأسمالية والعنصرية; ألهبت رواية التشتت المسماة "طفل القار" -1981 ردة فعل عالمية. وبينما كنت أكتب هذه المقالة هاتفتني تواً إحدى طالباتي السابقات وهي "غرلين غربوال" من جنوب آسيا كتبت بحثها حول مؤلفات موريسون مبتهجة بتسلمها جائزة نوبل، وبالنسبة لها كانت موريسون هي الكاتبة التي حفرت عميقاً في تعقيدات ما بعد الكولونيالية بدرجة أكثر مما قد كتبه كاتب حي. لقد كتبت عدداً من المقالات النقدية عن رواية "محبوبة" لموريسون الصادرة عام 1987 والفائزة بجائزة البوليتزر، لهذا السبب يعرفها بعضنا لا بوصفها رواية فحسب بل صلاة وطقس الشفاء لبلدنا الذي أشعل محرقة الرق.لا يزال الآخرون يتمعنون في بحثها التصحيحي عن نهضة هارلم في روايتها الراقية فنيا "جاز"-1991 التي دفعت بالتجريب الأدبي إلى داخل القرن الحادي والعشرين. أما كتابها "اللعب في الظلام- عن السلالة والخيال الأدبي"-1991 فهو يضم مقالات تجعل من أسنان أي بروفسور إنكليزي تصطك انفعالاً. أما المختصون بالدراسات العرقية مثلي فيرونه أساساً إعادة صيغة جديدة للأدب الأمريكي بأكمله.وإذا نحيت النقد الأدبي جانباً تستثير ذاكرتي في الأغلب قوة مؤلفات موريسون حينما أدرت ورشة مع المرضى السود المضطربين عقليا باستعمال رواية "محبوبة" وبالنسبة لهم لم تكن الرواية صعبة بالطريقة التي وجدها العديد من القراء من ذوي العقول السليمة. إن الميزة "المتشظية" المفترضة لسردها كانت تعكس خوف البلد من التذكر لأن التذكر مؤلم وخطر فضلاً عن أنه يحرر النفوس، كانت هذه الميزة فطرية وطبيعية جداً لهؤلاء القراء.وبينما كنا نحيط بالرواية التي هي عبارة عن أوبرا شعبية مميزة تذكرت حس موريسون بذاتها بوصفها كاتبة وعليها أن تكون نافعة بسبب نعمة التحرر التي يمتلكها جمهورها مع اللغة. إنها النعمة التي قادتها لاستكشاف عالم فيه يكون من المخاطرة المطالبة بالحرية ومن ثم القدرة على الحب ولكنها ميزة مباركة. كم سنكون ثكلى دون الصوت المحرر لتوني موريسون وكم نحن محظوظون إذ نعيش في زمن نستطيع أن نسكن في لغتها ونشفى من خلالها؟