رياض فخري البياتي
كان إبراهيم حسن عبدكة أحد رجال ثورة عام 1920م في العراق في منطقة ديالى تحديداً ، قام من تلقاء نفسه وبمساندة أحد اشقائه و بعض الأهالي من السيطرة على مدينة بعقوبة في أثناء قيام ثورة عام 1920م ، مما أدى إلى هروب الحامية البريطانية منها ، فضلاً عن قيامه بنقل مظاهر ثورة العشرين إلى مدينة المقدادية يوم 14 آب 1920م ،
مستغلاً حالة الهيجان الشعبي فيها ضد البريطانيين ، كما بطش بالأشخاص الذين عملوا جواسيس لبريطانيا ، إذ قتل بعضهم واحرق دورهم مما أثار حقد البريطانيين ونقمتهم عليه .
وابن عبدكة من أهالي ناحية أبى صيدا – قرية ذيابة التابعة الى محافظة ديالى، كان المذكور شاباً هادئ الطبع ، ولكن بعد مقتل والده عام 1919م سعى إلى الانتقام من قتلة والده ، فقتل أربعة من اقرباء القاتل فضلاً عن القاتل نفسه واصبح منذ ذلك الحين شقياً خارجاً عن القانون .
وقد روت السيدة الإنكليزية ( زيتون بوكانن ) وهي سيدة بريطانية قدمت إلى العراق في نيسان 1920م ، وانتقلت إلى ديالى – منطقة شهربان برفقة زوجها الضابط البريطاني ( أي . ايل . بوكانن ) I . L . Buchanan حيث عين معاون مدير دائرة الري في شهربان في العام نفسه Zetton Buchanan في مذكراتها عن إبراهيم حسن عبدكة بعد أن اضطرت إلى ترك منطقة شهربان بعد مقتل زوجها على اثر قيام ثورة العشرين في العراق ، وامتدادها إلى ديالى ، وقيامها بالتخفي في إحدى القنوات الجافة ، اذ بقيت هنالك مدة من الوقت حتى التقت بإبراهيم حسن عبدكة الذي اطمأنت إليه ، وقد قام الأخير بنقلها الى بيوت أحد شيوخ العشائر لكي تكون في مأمن على حياتها ، ولموقفه ذلك فقد وصفته ( زيتون بوكانن) ( بالرجل النبيل وكريم النسب ) .
القي القبض على إبراهيم حسن عبدكة في شهر حزيران 1921م ، وسيق الى المحكمة الكبرى في بغداد , وحكم عليه بالإعدام بتهمة قتل الموظف الحكومي نجم زهو العزاوي( احد الاشقياء في ديالى ، وقيل انه كان يعمل جاسوساً لدى السلطات البريطانية) أثناء تأدية واجبه .ميزت قضية مقتل نجم زهو العزاوي من قبل إبراهيم حسن عبدكة لدى محكمة التميّيز، ولقد تبين ان القتيل لم يكن موظفاً رسمياً, وانما أحد الأشخاص المتعاونيين مع السلطات البريطانية ، وقد عهدت إليه السلطات البريطانية بالتجسس لحساب دائرة الاستخبارات البريطانية ، وبالتالي فان القانون لا يعاقب على تلك الجريمة بأكثر من السجن لمدة خمسة عشر عاماً ، و أحدثت تلك القضية انقساماً بالرأي بين أعضاء محكمة التمييز ، اذا اتفق رئيس المحكمة واثنان من الأعضاء على تصديق حكم الإعدام ، فيما عارضه كل من سليمان فيضي ، ورشيد عالي الكيلاني ، على الرغم من الضغوطات التي مارسها المندوب السامي البريطاني عليهما من اجل تصديق حكم الإعدام .
أدى كل من الشيخ مهدي الخالصي ومحمد الصدر دوراً كبيراً في تخفيف حكم الإعدام الصادر بحق إبراهيم حسن عبدكة، فقد أرسل الأول رسالة إلى الملك فيصل الأول ، ناشده فيها إطلاق سراح إبراهيم حسن عبدكة ، أما الثاني فقد قابل الملك فيصل الأول وبين له أن إبراهيم حسن عبدكة هو أحد ثوار ثورة العشرين في ديالى وقد طلب إبداء المساعدة له.
وناشد كل من وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني ، ووزير العدلية رؤوف الجادرجي الملك فيصل الأول بحسم قضية إبراهيم حسن عبدكة لتدهور حالته الصحية وعلى اثر ذلك أمر الملك فيصل الأول بتخفيف حكم الإعدام إلى السجن لمدة خمسة عشر عاماً .
قضى إبراهيم حسن عبدكة عدة سنوات في السجن, ثم أفرج عنه وعين بعدها مراقباً سرياً للآثار القديمة بصورة مؤقتة في بغداد يوم 16 آب 1933م ، واستمر في عمله ذلك حتى يوم 7 تشرين الثاني 1933م ، ثم عين مراقباً للآثار في مدينة الحلة يوم 24 تشرين الثاني 1942م حتى يوم 15 أيلول 1954م .
قام سهيل نجم العزاوي ليلة 5/6 أيلول 1954م بإطلاق رصاص مسدسه على إبراهيم حسن عبدكة لما كان يقوم بواجبه الرسمي كمراقب سري للاثار في بابل، ثائراً لآبيه, وقد أرداه قتيلاً .
يتضح مما تقدم أن الأسباب المباشرة لقتل إبراهيم حسن عبدكة ، وان لم تكن سياسية لكون الجاني سهيل نجم العزاوي قد قام بتلك العملية انتقاماً لمقتل والده نجم زهو العزاوي على يد إبراهيم حسن عبدكة ، لكن جذور تلك العملية تعود إلى أسباب سياسية ، أسهمت في بلورة تلك الأحداث التي آدت في نهاية الأمر إلى حدوث تلك العملية ، وتتمثل بقيام إبراهيم حسن عبدكة بقتل زهو العزاوي بسبب تعاونه مع سلطات الاحتلال البريطاني في العراق ، فضلاً عن أن إبراهيم حسن عبدكة في ذلك الوقت كان يعمل موظفاً حكومياً , فوقعت صفة الاغتيال السياسي على تلك الجريمة .
عن رسالة ( ظاهرة الاغتيالات السياسية
في العهد الملكي في العراق )