جعفر الخليلي ذكريات لا تنسى..  مطاردة العصافير في الصغر وملاحقة القصيدة بالكبر

جعفر الخليلي ذكريات لا تنسى.. مطاردة العصافير في الصغر وملاحقة القصيدة بالكبر

رفعت مرهون الصفار
من المعروف ان الموهبة , اي موهبة, وخاصة الموهبة العلمية والادبية تتطور اذا نشأت في البيئة المناسبة لها وتبدي الاحترام والاكبار والاجلال لحامليها .. تلك كانت البيئة النجفية التي احتضنت جعفر الخليلي ومواهبه وقابلياته العلمية والادبية والثقافية تحضرني وانا اكتب عن الاديب جعفر الخليلي مواقف صلة به وباشخاص عائلتنا , اراني امر عليها باكبار له , وتلذذ بذكراه .

فعند وفاة المرحوم والدي بادر الاستاذ الخليلي بالاتصال بدار الاذاعه العراقية للاعلان عن النبأ مع كلمات مواساة واشادة بالفقيد واورد الخليلي صديق العائله في كتاب ( اولاد الخليلي) قصة زواج اخي محمد بكلمات محبة وعطف على (اولاده).
واذكر انني يوم زرت الاستاذ الخليلي سويا مع شقيقتي د.ابتسام حينما كانت طالبة في المرحله الثانيه كلية الاداب .. قال لها في معرض الحديث : اذا كنت تودين ان تصبحي عالمة وادبية مثقفة فعند ابتداء مطالعتك لاي كتاب لا تعبئي باسم الكاتب فتنتصرين له اولا تتعاطفين معه بل كوني محايده في رايك دونما انحيازات قومية او دينيه او طائفية .. وبهذه المناسبة اود ان اذكر انه سمى ابنتة الثانية (ابتسام) على اسم شقيقتي ابتسام
ان الاستاذ الخليلي يهوى لعبة الشطرنج وهو يمتلك طاولة شطرنج ومن طرائفه في اللعب ان فرس الشطرنج عنده تقابل وزراء..
نشأ الخليلي في عائلة اشتهرت منذ القدم بالطب العربي والعلوم والادب والدين ونبغ غير واحد منهم بلطب العربي وكان اخرهم الشيخ محمد صادق الخليلي والشيخ محمد صالح الخليلي، كذلك تولى اكثر من واحدا المرجعية الكبرى للزعامة الروحية الشيعية منهم الحاج علي الخليلي والحاج مرزه حسين الخليلي. لعائلة الخيلي مدرستان (مدرسة الخليلي الكبرى , مدرسة الخليلي الصغرى ) تحتوي كل منهما عدد غير قليل من الغرف المعدة لسكنى طلاب العلم مجانا، وفي كل مدرسة مكتبة كبيرة موقوفة على طلابها كما ان لعائلة الخليلي مسجدا اشتهر باسمهم في النجف لقد وصف الخليلي باسلوبه القصصي الجميل نشأته الاولى ووصف منزله والغرفة التي خصصت له فيقول عنها ( اما انا فكنت انام في ركن ملحق بغرفة ابوي من الممكن ان تسمى تجاوزا بالغرفة ) اما اسمها المتعارف وهو(صندوق خانه) وكانت له باب على غرفة ابويه وباب مستقل على الخارج وهي لاتتسع لغير منام شخص وصندوق كان مليئا بالثياب ومدخرات الاهل ..
كان الخليلي يسلي نفسه في صغره بمطاردة العصافير في اعشاشها كما اختير زعيما لعصابة من ابناء الحي في النجف حيث كانت معارك متقطعة بين جماعات من الشباب في الاحياء المختلفه للمدينة واستمرت شجاعته ايام شبابه حتى اواخر ايامه حين امسك باللص الذي كان يروم السطو على داره في كرادة مريم في بغداد..
ولم تقتصر صفات الخليلي الى الادب والشعر وانما كان يعرف بالظرف وبراعة النكته ولا يفوته ايرادها حتى على نفسه فيتحول مجلسه الى مرح متواصل ليس لكثرة ما يرويها من الشواهد والامثله ولا لطول باعة في الادب والقصة والشعر , وانما للمقالب التي كان يحوكها وهناك شواهد كثيرة على ذلك فمن النكات العارضة والدالة على سرعة البديهة مانشرته جريدة الايام العراقية (قيل للاستاذ جعفر الخليلي انك ابو الصحافة فقال انا ابوها حين يريدون شتمها ولعنها – لعن الله ابا الصحافة – اما قصورها وسياراتها فليس لي منها شيء ) ونشرت جريده الزمان على لسان الخليلي قوله – وهو يشكو داء النقرس ( النقرس يسميه العرب داء الملوك ) قائلا ( لست ادري لماذا ليس لي من الملوك الا مرضهم).اما رفاههم وهناؤهم فلهم وحدهم دون غيرهم..
دكتور مصطفى جواد نسيج وحده في البحث والعلم والادب وان ملكاته في التحقيق كانت موضع اعجاب الجميع فهو موسوعة ودائره معارف متنقلة اذ كان عالما بمفردات اللغة العربية وعلومها متضلعا من لهجاتها الخاصة وقد استغل الخليلي هذه المعرفة فاتفق مع الشاعر الشعبي الساخر حسين قسام الذي عرف عنه بقدرته اللغوية ايضا وباستطاعته ان ينظم الشعر بسرعة وبكلمات وجمل تبدو لك عربية ولكن لا اصول لها في اللغة الدارجة او المعاجم اذ تنطلي معانيها على السامعين فضلا عن انه نسيج وحده في تمثيل الادوار الفكاهية وظرف ونسج الاحاديث والنكات اتفق الخليلي مع هذا الشاعر ان يحضر الى سينما الوطني حيث يحضر الدكتور مصطفى جواد عصر كل يوم الى ادارة السينما ثم يدعي انه بنى سينما في مدينة الشنافية وانه جاء ليشتري افلاما ويستمر في كلامه الذي ذكرناه سابقا غير المفهوم عدا المقدمة– شراء افلام مما دعا الخليلي ان ينبه حسين قسام بان الاجدر به ان يخاطب الجالس بقربه وهو الاستاذ الدكتور مصطفى جواد لكونه عالما لغويا ومتضلعا من اقرب اللغات من الممكن ان يتفهم مطلبه عند ذلك اتجه القسام الى دكتور مصطفى مكررا الطلب معيدا الكلام الذي لا معنى له مضيفا له كلاما مطولا فما كان من الدكتور مصطفى الا ان يطلب منه التسهل وان يعيد قوله فاعاد ثانية وثالثة ورابعة دون ان يفهم الدكتور او اي من الموجودين شيئا وبعد مضي على مايزيد ربع ساعة على هذا المنوال ضحك الخليلي والقسام وعرف الدكتور مصطفى بالشاعر فكانت مداعبة استلطفها الحضور وعلى راسهم الدكتور مصطفى جواد .. ومثلما كان المرحوم الخليلي يحوك النكات والمقالب على غيره فقد كان يتقبل نكات الاخرين ومقالبهم بصدر رحب . فقد اقامت جريدة الهاتف مسابقة شعرية مدارها استعمال كلمة (كلك) في موال والجائزة اشتراك في جريدة الهاتف لمدة سنة مجانا وقد اشترك فيها شعراء شعبييون كثيرون من النجف وخارجها . وفي اثناء الحفل الذي اقامته جريدة الهاتف لاعلان اسم الفائز اتضح انه والدي الشاعر مرهون الصفار .. عندها وقف والدى مبتسما “شاكرا” للهاتف هذه البادرة وللجنة التي اختارته قائلا : لعل الخليلي اراد ان يضرب عصفورين بحجر واحدر , فهو اولا اراد تكريمي وانا صديق عزيز عليه وثانيا ان جريدة الهاتف تصلني مجانا بغض النظر عن فوزى بالمسابقة او عدمه .. هنا قام الخليلي ضاحكا ومهنئا والدي مؤكدا له انه كان جديرا بالفوز بالمسابقة بين ضحك المجتمعين وتعليقاتهم ثم قال ان اللجنة تألفت من الشيخ محمد علي اليعقوبي والسيد محمود الحبوبي والاستاذ صالح الجعفري ولا باس ان اذكر الموال :
اهل الحسد واللؤم كل فرد منهم كلك
واحدهم بكل فعل لب الكلب لكه لك
يبسم ويخفى المكر كصده يعبر كلك
والاعوج اعوج فلايعدل وجاره مله
والزين ظاهر جلى مايخفه بين المله
كلبه خله من الدغش ومن المجارم مله والميل وسط البحر لتظن يلحكه كلك ..

( من مقال طويل كتبه الاستاذ رفعت الصفار)