تسمية كربلاء واصلها

تسمية كربلاء واصلها

مصطفى جواد
كانت تسمية كربلاء معروفة قبل الفتح العربي للعراق وقبل سكنى العرب هناك وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد القائد العربي المشهور في غزوته لغربي العراق سنة 12 هجرية 634م. قال ياقوت الحموي: ونزل خالد عند فتحه الحيرة كربلاء فشكا اليه عبد اللـه بن وشيمة النصري الذبان: فقال رجل من اشجع في ذلك:

قد حُبست في كربلاء مطيتي* وفي العين (حتى عاد غثا سمينها
اذا رحلت من منزل رجعت لـه* لعمري وايهـا انني لأهـينـها
ويمنعها من ماء كل شريعة* رفاق من الذبان زرق عيونها
ومن اقدم الشعر الذي ذكرت فيه كربلاء قول معن بن اوس المزني من مخضرمي الجاهلية والاسلام وعمر حتى ادرك عصر عبد اللـه بن الزبير وصار مصاحباً لـه، وقد كف بصره في آخر عمره. وذكر ياقوت الحموي هذا الشعر في (النوائح) من معجمه للبلدان. و (المعبر) وذكره قبلـه ابو الفرج الاصبهاني في ترجمة معن من الاغاني (12: 63 دار الكتب) وقال وهي قصيدة طويلة:
هي حلت كربلاء فعلعا* فجوز العذيب دونها فالنوائحا
وقال في كلامه على الكوفة: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: لما فرغ سعد بن أبي وقاص من وقعة رستم بالقادسية وضمن أرباب القرى ما عليهم بعث من أصحابهم ولم يسمهم حتى يرى عمر فيهم رأيه، كان الدهاقين ناصحوا المسلمين، ودلوهم على عورات فارس، واهدوا لـهم واقاموا لـهم الاسواق. ثم توجه سعد نحو المدائن الى يزدجرد وقدم خالد بن عرفطة حليف بني زهرة بن كلاب، فلم يقدر عليه سعد حتى فتح خالد ساباط المدائن، ثم توجه الى المدائن فلم يجد معابر فدلوه على مخاضة عند قرية الصيادين اسفل المدائن فأخاضوها الخيل حتى عبروا، وهرب يزدجرد الى اصطخر، فأخذ خالد كربلاء عنوة وسبى أهلها، فقسمها سعد بين اصحابه، ونزل على قوم في الناحية التي خرج سهمة فأحيوها، فكتب بذلك سعد الى عمر، فكتب اليه عمر ان حولـهم. فحولـهم الى سوق حكمة ويقال الى كويفة ابن عمر دون الكوفة...).
ولقائل ان يقول: إن العرب أوطنوا تلك البقع قبل الفتح العربي، فدولة المناذرة بالحيرة ونواحيها كانت معاصرة للدولة الساسانية الفارسية وفي حمايتها وخدمتها.
والجواب: ان المؤرخين لم يذكروا لـهم انشاء قرية سميت بهذا الاسم - اعني كربلاء غير ان وزن كربلاء الحق بالاوزان العربية ونقل (فعللا) (فعللاء) في الشعر حسب. فالاول موازن لجحجحى وقرقرى وقهقرى والثاني موازن لعقرباء وحرملاء، زيد همزة كما زيد برنساء.
أما قول الأب اللغوي انستاس ما معناه: أن كربلاء منحوتة من (كرب) و (ال)، فهو داخل في الإمكان، لأن هذه البقاع قد سكنها الساميون وإذا فسرنا (كرب) بالعربية أيضا دل على معنى (القرب) فقد قالت العرب: (كرب يكرب كروباً أي دنا) وقالت (كرب فلان يفعل وكرب ان يفعل أي كاد يفعل، وكاد تفيد القرب، قال ابن مقبل يصف ناقته:
فبعثتها تقص المقاصر بعدما* كربت حياة النار للمتنور
وقال ابو زيد الاسلمي:
سقاها ذووالارحام سجلاًعلى الطما* وقد كربت اعناقها ان تقطعا
وجاء في لسان العرب: كرب الامر كروبا: دنا... وكل شيء دنا فقد كرب، وقد كرب ان يكون وكرب يكون وكربت الشمس للمغيب: دنت.
فكرب البابلية قريبة من العربية.
وإذا فسرنا (ال) كان معناه (اله) عند الساميين أيضا، ودخول تفسير التسمية في الإمكان لا يعني أنها هي التسمية الحقيقية لا غيرها، لان اللغة والتاريخ متعاونان دائماً فهي تؤيده عند احتياجه إليها وهو يؤيدها عند احتياجها إليه، فهل ورد في التاريخ إن موضع كربلاء كان (حرم الـه) قوم من الأقوام الذين سكنوا العراق؟ أو مقدس الـه لـهم؟ لا يجيبنا التاريخ عن ذلك، ومن الأسماء المضافة إلى (ال) بابل واربل وبابلي.
وعلى حسبان (كربلا) من الأسماء السامية الآرامية أو البابلية، تكون القرية من القرى القديمة الزمان كبابل واربيل، وكيف لا وهي من ناحية (نينوى (الجنوبية! قال ياقوت الحموي: (نينوى بكسر اولـه وسكون ثانية وفتح النون والواو بوزن طيطوى.. وبسواد الكوفة ناحية يقال لها نينوى منها كربلاء التي قتل بها الحسين، رضي اللـه عنه .وقال في كتاب لـه آخر: (نينوى موضعان: بكسر النون وياء ساكنة ونون اخرى مفتوحة وواو والف ممالة، نينوى بلد قديم كان مقابل مدينة الموصل. ونينوى كورة كانت بأرض بابل منها كربلاء التي قتل بها الحسين بن علي عليهما السلام- ونينوى من الاسماء الآشورية).
ولا نشك في ان نينوى السفلى سميت باسم نينوى العليا إحدى عواصم الدولة الآشورية المشهورة في التاريخ، سميت اما لمعارضتها واما لادامة ذكراها، على عادة الناس في تسمية البلدة التي ينشئونها بعد المهاجرة من بلادهم والجلاء عنها ويسمونها باسم بلدتهم التي هاجروا منها. وهذا معروف قديماً وحديثا، وهو من اجمل ضروب الوفاء، وان كان لغير الأحياء.
ونقل بعض الفضلاء قول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء القديم وهو (كل ما يمكن ان يقال عن تاريخها القديم انها كانت من أمهات مدن طسوج النهرين الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس (الفرات القديم) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة، كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً كعمورا، ماريا، صفوراً، وقد كثرت حولـها المقابر، كما عثر على جثث موتى داخل اوان خزفية يعود تاريخا إلى قبل العهد المسيحي، وأما الأقوام التي سكنوها فكانوا يعولون على الزراعة لخصوبة تربتها وغزارة مائها لكثرة العيون التي كانت منتشرة في أرجائها) .ومن المعلوم ان كربلاء ليست على ضفة الفرات ولا على ضفافه، فالقائل لو قال (كورة كربلاء) لكان القول علمياً.
ومما يدل على قدم كربلاء أيضا ووجودها قبل الفتح الإسلامي ما ذكره الخطيب البغدادي بسنده الى أبي سعيد التيمي قال: (اقبلنا مع علي (ع) من صفين فنزلنا كربلاء، فلما انتصف النهار عطش القوم) وروى بعد ذلك بسنده أيضا عنه قال: (أقبلت من الانبار مع علي نريد الكوفة وعلي في الناس، فبينا نحن نسير على شاطي الفرات اذ لجج في الصحراء فتبعه ناس من أصحابه واخذ ناس على شاطئ الماء، فكنت ممن أخذ مع علي حتى توسط الصحراء، فقال الناس: يا أمير المؤمنين إنا نخاف العطش، قال: إن اللـه سيسقيكم، وراهب قريب منا، فجاء علي إلى مكانه فقال: احفروا هاهنا فحفرنا، وكنت فيمن حفر، حتى نزلنا ـ يعني عرض لنا حجر ـ فقال علي: ارفعوا هذا الحجر، فأعانونا عليه حتى رفعناه، فإذا عين باردة طيبة، فشربنا. فرجع ناس وكنت فيمن رجع، فالتمسناها فلم نقدر عليها، فقال الراهب: لا يستخرجها إلا نبي أو وصي
ثم ذكر الخطيب بسنده إلى إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني أن (أبا سعيد التيمي) متروك الحديث وغير ثقة والمهم من هذا الحديث أن الإمام عليا (ع) مرّ بكربلاء ولج في الصحراء قبل سنة أربعين الـهجرية، ولم يذكر أحد من المؤرخين إنشاء مدينة باسم كربلاء في أثناء تلك السنين الأربعين، وهذا مرادنا بقبولنا أنها غير إسلامية، وقد أشرنا إلى مثل هذا المعنى آنفا. وهذا الخبر نقلناه لتأييده وتأكيده .

عن موسوعة العتبات المقدسة ، قسم كربلاء