من تاريخ الحركة الوطنية في العراق معارضة شبابية لمعاهدة 1930 مع بريطانيا

من تاريخ الحركة الوطنية في العراق معارضة شبابية لمعاهدة 1930 مع بريطانيا

د . وسام هادي التميمي
واجهت المعاهدةالعراقية البريطانية لسنة 1930 بعد نشرها نقداً لاذعاً من بعض السياسيين ، لأنها لم تحقق الاستقلال المنشود للعراق ؛ بل أصبح مقيداً بالمصالح والنفوذ البريطانية ، كما تم رفضها من المعارضة والأحزاب الوطنية ، وفي مقدمتها حزب الإخاء الوطني برئاسة ياسين الهاشمي ، والحزب الوطني برئاسة جعفر أبو التمن ، إذ أعلنا أن المعاهدة غير مقبولة ، واحتجا بشأنهما لدى الملك فيصل ورؤساء الدول الأجنبية.

كان ضمان تصديق المعاهدة في مجلس النواب ، هو إجراء انتخابات نيابية جديدة بين ( العاشر من تموز والعاشر من تشرين الأول 1930) بعد حل نوري السعيد للمجلس السابق في ( الأول من تموز 1930) ، بحجة الاستفتاء على المعاهدة الجديدة تحتاج إلى نواب جدد ينتخبون لهذا الغرض ، وأعلن جعفر أبو التمن مقاطعة الانتخابات في بيان أعلنه للشعب في صحيفة صدى الاستقلال ، كان لهذه الدعوة ردود فعل ايجابية لدى المثقفين الشباب ، فبدأت الاتصالات بين عزيز شريف، وعبد القادر إسماعيل ، إذ كانا في كلية الحقوق مع حسين جميل، الذي تخرّج من كلية الحقوق في دمشق ، وبعض الشباب المتحمسين لهذه الدعوة وعقد اجتماعاً في سينما رويال ، ببغداد بتاريخ ( 18 تموز 1930) ، ونشر بيان جاء فيه " من شباب الأمة الباسلة إلى الشعب العراقي الكريم : التضحية الخالصة والتراث المجيد، يدعوك أيها الشعب إلى عدم التعاون مع الحكومة، وأول عمل نقوم به هو مقاطعة الانتخابات النيابية ، إذ برهنت الوقائع أن المجالس النيابية في الأمم المستبدة والشعوب المضطهدة ، أداة بيد المستعمرين في تنفيذ مآربه الجائرة ، بصفة قانونية مشروعة ، والمجالس سبيل التسويف والتضليل التي يدعو إليها من يطمع للتوصل إلى اعتلاء الكراسي الممقوتة " ، وقد وقّع هذا البيان من عزيز شريف وعبد القادر إسماعيل ، وحسين جميل ، ويونس السبعاوي ، وفائق السامرائي ، وخليل كنة ، وصادق كمونة ، ومحمد مهدي كبة.
كان هؤلاء الشباب يمثلون النخبة المثقفة في المجتمع ، إذ وجدوا في هذه المعاهدة عكس ما كانوا يتمنون تحقيقه من أمانٍ وطنية ، لأنها حققت لبريطانيا مكاسب جديدة ، الأمر الذي جعل استقلال العراق منقوصاً ، لذا فأن الدعوة إلى تحقيق استقلال العراق التام ، كان من أهم أسباب تجمع هؤلاء الشباب ، ومن أجل تقوية صفوف المعارضة ضد المعاهدة العراقية ـ البريطانية ، قدّم هؤلاء الشباب ومنهم عزيز شريف طلباً إلى متصرف لواء بغداد ، للسماح لهم بعقد اجتماع في دار الأوبرا في ساحة الميدان ببغداد في يوم (22 أيلول 1930) ، لأجل مناقشة بنود المعاهدة ، وقدّم هذا الطلب قبل موعد الاجتماع بخمسة أيام ، وفي الوقت ذاته قاموا بكتابة نداء طبع في مطبعة الآداب لصاحبها عبد المجيد حسن ، كان بمثابة بيان سياسي تضمن مفاهيم اجتماعية وسياسية عديدة ، أسهم عزيز شريف بالتوقيع على هذا النداء ولصقه على الجدران ، وتوزيع أربعة آلاف نسخة منه، وقد جاء في هذا النداء " إلى الشعب العراقي العظيم : أنت تعاني الجوع والعري ، والإنكليز وأتباعهم سبب جوعك وعراك ، وهم ينعمون بثروتك وغناك ... وفلسطين مرهقة شتت الإنكليز أبناءها تخرجهم من ديارهم ، ويسكّنون الصهاينة الأعداء فيهما، فهذا الفقر وتلك المظالم ، تدعوك إلى الأضراب العام في يوم الاثنين (22 أيلول 1930) ، بتعطيل الأعمال ووسائل النقل ، وإقفال الدكاكين والمحلات والمقاهي ، وأن تكون تظاهرة سلمية" .
على الرغم من رفض الحكومة عقد هذا الاجتماع لكن الجماهير تجمعت ، وأخذ أصحاب المحلات والمواطنون يتركون الأسواق ، متوجهين إلى دار الأوبرا في الموعد المحدد ، وعلى أثر ذلك تحركت الشرطة لإحباط الاجتماع ، فألقت القبض على المشاركين في الإعداد له ، وعلى الذين أسهموا في صياغة النداء ، وقدّموا إلى محكمة جزاء بغداد ، بتهمة التحريض على الحكومة ، والإخلال بالأمن، وإثارة الفوضى ونشر المبادئ الشيوعية الهدامة ، وأصدرت عليهم احكاماً مختلفة ، فحكـم على كل من عبد القادر إسماعيـل ، ويونس السبعاوي ، وجميل عبد الوهاب ، وفائق السامرائي ، وخليل كنة ، بالحبس لمدة ستة أشهر ، ثم خفف إلى ثلاثة أشهر ، وعلى أحمد قاسم راجي ، وسليم زلوف بالحبس لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفف إلى شهر واحد ، وعلى عبد المجيد حسن مدير مطبعة الآداب ، بالحبس لمدة شهر وغلق المطبعة لمدة شهرين بعد التخفيف ، وبرأت المحكمة كلاً من عمر خلوصي ، وحسين جميل ، لأنهما لم يوقعا على طلب عقد الاجتماع، أما عزيز شريف فقد هرب قبل مجيء الشرطة لإلقاء القبض عليه .
ساعد الموقف المعارض لمعاهدة عام 1930 ، على التقارب بين هؤلاء الشباب لتوحيد جهودهم ، من أجل تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، كما هيأت هذه المعارضة عدداً آخر من الشباب للمشاركة في الجانب السياسي ، وأخذ هؤلاء يكثرون من اتصالاتهم ولقاءاتهم ، وبعدها اتفقوا على توضيح مواقفهم السياسية ونشرها في بعض الصحف أو عن طريق بعض الكراريس ، وهم كل من عزيز شريف ، وعبد القادر إسماعيل ، وعبد الفتاح إبراهيم ، وفائق السامرائي ، فأصدر حسين جميل الكراسة الأولى بعنوان : (الإنكليز في جزيرة العرب ) ، وتناول فيه الوجود البريطاني في الجزيرة العربية ، وما له من دور في تحطيم الشعب العربي ، كما أصدر فائق السامرائي، كراس بعنوان : ( عدم التعاون )، تلخص مضمونه بالقول أن الطريقة المجدية للعمل السياسي ضد البريطانيين وأعوانهم تكمن في المقاطعة وعدم التعاون ، ورفض الضرائب ، متأثراً بنضال الزعيم الهندي غاندي وكفاحه السلمي ، لكن هذه الكراس لم يصدر بسبب سجن فائق السامرائي .
على الرغم من الموقف الشعبي المعارض للمعاهدة العراقية ـ البريطانية ، لكن تم التصديق عليها في مجلس النواب في (16 تشرين الثاني 1930) ، بما فيها من فقدان لمظاهر الاستقلال الخارجي ، وتبعياتها الكثيرة التي لا تعود على العراق بأي فائدة ، بالإضافة إلى النفقات الطائلة والمصاريف الباهضة ، وبعد أن استوفى العراق الشروط التي تؤهله الدخول في عصبة الأمم ، أعلن مجلس العصبة قبول العراق عضواً في عصبة الأمم في ( 3 تشرين الأول 1932) ، وبذلك أصبح العراق دولة مستقلة ، مع أن هذا الاستقلال كان شكلياً أكثر منه عملياً وواقعياً .
تعرض موقف هؤلاء الشباب المعارض للانتخابات والمعاهدة إلى النقد والتأويل ، وعدّهُ مؤيدو الحكومة أن قرار مقاطعة الانتخابات هو من صالح المرشحين وليس من صالح المنتخبين ، كما أنها منافية للواجب الوطني والقومي ، بينما ذكر خليل كنة ، أن سبب معارضة هؤلاء كان نتيجة عدم اشتراكهم بأي حزب سياسي ، فاستغلوا من أحزاب المعارضة بصورة خاصة في معارضة تصديق المعاهدة العراقية ـ البريطانية .

عن رسالة ( عزيز شريف ودوره السياسي )