زيارة لم تتم لفيصل الاول لمنطقة الخليج العربي! كيف احبطت بريطانيا هذه الزيارة ؟

زيارة لم تتم لفيصل الاول لمنطقة الخليج العربي! كيف احبطت بريطانيا هذه الزيارة ؟

علي ابو طحين
كان الملك فيصل الأول سياسيا محنكا وذو فطنة، يعرف أهمية منطقة دول الخليج العربي في السياسة البريطانية... و في صيف سنة ١٩٣٢ والعراق مقبل على الاستقلال التام،بدأ الملك فيصل بتحرك حذر،وبدا رغبته بزيارة الكويت ودول الخليج العربي. وكان هذا مثار اهتمام كبير، ودق ناقوس الخطر في مراسلات عديدة بين السفارة البريطانية في بغداد والقناصل البريطانيين في الخليج من جهة، ودائرة الهند والخارجية البريطانية من جهة آخرى، كما تكشفها الوثائق البريطانية.

في العاشر من تشرين الأول١٩٣٢ كتب القنصل البريطاني في الكويت هارولد ديكسن الى المقيم العام في الخليج في بوشهر،الجنرال ترانشاد فاول، عن لقاء جمعة مع مدير شركة النفط الفارسية-البريطانية وأمير الكويت الشيخ أحمد جابر الصباح على العشاء. حيث ذكر الشيخ أن الملك فيصل سأله عندما كان في بغداد في الصيف الماضي عن رأيه في رد فعل الحكومة البريطانية إذا رغب القيام بجولة لزيارة إمارات الخليج العربي. قال الشيخ في جوابه للملك بانه يرى إذا كانت الزيارة رسمية،سيعترض عليها حكام إمارات الخليج وستضع الحكومة البريطانية العراقيل أمامها. لكن إذا كانت الزيارة خاصة فهذا أمر مختلف، ونحن نرحب بجلالتك على قدر تعلق الأمر بالكويت. وذكر ان الملك اظهر تفهماً، وقال ان هذا هو رأيه كذلك.
بعث الجنرال فاول برسالة الى وزير خارجية حكومة الهند البريطانية في ١٩ تشرين الأول بعنوان: إستفسار جلالة الملك فيصل ملك العراق عن رغبته زيارة دول الخليج العربي. وذكر فيها تعليقا على رسالة ديكسن، كان من الأجدر بشيخ الكويت أن لا يبدي رأيه بشأن رد الفعل المحتمل لحكومة صاحب الجلالة البريطانية، بأنها ستضع صعوبات امام هذه الزيارة. وأن من رأيه ان نرى الرغبة السياسيةأو الظروف الآنية عندما يطلب جلالة الملك القيام بتلك الزيارة، وربما يكون من الأفضل ان تكون الزيارة غير رسمية.
أيد هذا الرأي سكرتير الحكومة البريطانية في الهند برنت في رسالة بعثها الى دائرة الهند في لندن في يوم ١١ تشرين الثاني ١٩٣٢. ووافقت دائرة الهند على اقتراح فاول بجوابها المؤرخ في ٧ كانون الأول ١٩٣٢.
كتب جورج ريندل من الخارجية البريطانية الى السفير البريطاني في العراق فرانسيس همفريز في 29 كانون الأول ١٩٣٢، عن رأيه في أقتراح فاول المؤرخ في ١٩ تشرين الأول الذي أيدته حكومة الهند، وبين أنهم يرون أن هذه الزيارة غير مرحب بها أساساً.
لذلك، نحن نرى، يجب أن يكون واضحاً للغاية، بأن أي رغبة لزيارة الملك فيصل لدول الخليج يجب أن تثبط بحزم. ولابد أن نأخذ، بالطبع بنظر الأعتبار، أذا أثيرت تلك القضية، ماإذاكانبالإمكان إدارةعرقلة هذه الزيارةدون المجازفةبردفعل سياسي خطير بشكل غير متناسب. لكن من الضروري أن يكون لك او للمقيم (في الكويت) الحكم المطلق على أن مبدأ الحكومة البريطانية هو ضد هذه الزيارة، أذا لزم الأمر لأتخاذأي قرار الفوري.
كان جواب السفير همفريز في ١١ كانون الثاني ١٩٣٣، الى جورج ريندل، بأنه يوافق من حيث المبدأ على ثني الملك فيصل بشكل حازم من القيام بالزيارة، ألا أذا كان هناك سبب خاص جداً لذلك. وذكر بقدر تعلق الأمر بمشيخات الساحل المتهادن فليس هناك صعوبة من ثني الملك فيصل عن القيام بتلك الزيارة. لكن بالنسبة للكويت فالأمر مختلف، على الرغم من أنه ضد بناء أي تقارب بين العراق والكويت، لكن يصعب عليه أقناع الملك فيصل بصحةمطلبهم،بأن الكويت خارج حدوده . وذكره بأن شيخ الكويت كان قد زار الملك فيصل في بغداد في الصيف الماضي، فمن الممكن أن يدعي الملك بأنه ليس من اللائق عدم رد الزيارة. وأيضاً هناك القضية الشائكة لبساتين النخيل التي يملكها شيخ الكويت في العراق، ومشكلة تهريب البضائع من الكويت عبر الحدود الى العراق التي تصاعدت بشدة في الأونة الأخيرة . صحيح أن هذه المواضيع ليست من أختصاص الملك،لكن ليس من السهل منعه لزيارة الكويت لتسوية هذه المشاكل ظاهرياً، وأن كان الهدف الرئيسي بدون شك هو سياسي. لذلك برغم من أني سأحاول منع الملك برد الزيارة الى الكويت، أرى من الضروري أن تكون محاولة منع الزيارة أن تأتي من جانب شيخ الكويت نفسه بعرقلة تلك الفكرة.
في الثالث من شباط ١٩٣٣ كتب كريستوفر ويرنر من الخارجية البريطانية الى جلبرت ليثوايت سكرتير دائرة الهند في لندن : رسالتكم في السابع من كانون الأول بخصوص الزيارة المحتملة للملك فيصل الى دول الخليج، نحن نؤيد من حيث المبدأ محاولة ثني الملك من القيام بهذه الزيارة ، لكن همفريز (السفير البريطاني في بغداد) يرى من الصعب عليه منع الملك من زيارة الكويت، وربما من الأفضل أن يقوم المقيم السياسي (في الكويت) بعدم السماح لشيخ الكويت من قبول الزيارة.
بعد تبادل عدة رسائل بخصوص الموضوع، كتب فريزر تيلر من نيودلهي في الثالث من نيسان الى جلبرت ليثوايت في لندن، يذكر فيها أن الجنرال فاول بعث برسالة يوم 1٧ آذار، يقول أنه أيضا من الصعب على المقيم في الكويت أن يطلب من الشيخ منع الزيارة. لذلك يفضل بأحتواء القضية عن طريق جعل الزيارة حين يطلبها الملك بأن تكون زيارة شخصية ليس لها تبعات سياسية. أيد ليثوايت اقتراح فاول وطلب العمل عليه في رسالة جوابية في ٢١ نيسان ١٩٣٣.
تصاعدت خطورة الأمر في مطلع شهر آيار ١٩٣٣، حين قام الملك فيصل الأول بزيارة الى مدينة البصرة. أرسل السفير البريطاني همفريز برقية في الثالث من آيار الى فاول يخبره أن الملك غادر الليلة الماضية الى البصرة في زيارة لمدة ثلاثة أيام، ومن المحتمل أن يطلب زيارة الكويت على يخته "نيركس". أنتقلت نسخ البرقية بالطبع الى كافة الجهات. وردت خارجية حكومة الهند الى وكلائها في الخليج في اليوم التالي، أنتم مخولون لاتخاذ الإجراءات ا للازمة كما جاء في رسالة فاول يوم 1٧ آذار.
في التاسع من آيار بعث ديكسن من الكويت بتقرير الى الجنرال فاول في بوشهر، ذكر فيه أن الشيخ أحمد خرج في يوم الجمعة الخامس من آيار الى الخيام خارج مدينة الكويت، وقابل سكرتيره الشخصي وبين له بشكل واضح وتام، انه في حالة طلب الملك فيصل زيارة الكويت، فأن الحكومة البريطانية ليس لديها أعتراض، على أن تكون تلك الزيارة شخصية، وأن تقدم بشكل أصولي عن طريق السفير في بغداد.
لم يكن مقترح الزيارة الى الكويت هي القضية الوحيدة التي شغلت الدوائر البريطانية في الخليج في موضوع التقارب بين العراق والكويت خلال عهد الملك فيصل الأول. فهناك ملف بمئات الصفحات في دائرة الهند في لندن يضم عشرات الرسائل المتبادلة بين المسؤولين البريطانيين تتناول مسألة التقارب بين الكويت والعراق.ولم تسعف الحالة الصحية للملك فيصل ومشكلة الآثوريين ذلك الصيف من أتمام زيارة الملك للكويت، حين غادر الى أوربا للعلاج وتوفى هناك في الثامن من أيلول سنة١٩٣٣.