مكتبة عامة في بغداد في القرن التاسع عشر

مكتبة عامة في بغداد في القرن التاسع عشر

رفعة عبد الرزاق محمد
في عام 1988 ،وبعد انتهاء محاضرة للأستاذ عبد الحميد العلوجي عن اسماء البغداديين في القرن التاسع عشر ، اعتمد فيه على مجموع مخطوط للاب انستاس ماري الكرملي ،جرت مناقشات مختلفة عن التراث العراقي المنسي وشوارد اخبار رواد الكتابة المنسيين . وقد نبه الاستاذ عزيز جاسم الحجية الى ان اخا للاب الكرملي يدعى الدكتور نابليون الماريني له كتاب مطبوع سنة 1887 باسم ( تنزه العباد ) ،

ولم يطلع عليه لعدم وجوده في المكتبات التي يرتادها .وبعد ايام افادني الاستاذ صادق محمود الجميلي ذاكرا ان نسخة من الكتاب المذكور محفوظة في مكتبة المتحف العراقي ، مما اتاح لي الفرصة للاطلاع عليه ونقل بعض فوائده والكتابة عنه في جريدة الاتحاد البغدادية عام 1989 ..وبعد سنوات اردت الرجوع الى تلك النسخة النادرة فلم انل بغيتي ـ للاسف ـ .
ولم ازل ابحث عن الكتاب الى ان أسعفني الاستاذ عدي ّعبد الكريم يوم 6 نيسان 2008 بنسخة مصورة من الكتاب ، فله مني الشكر الجزيل . وقد وجدت ان من المفيد الكتابة عن مؤلفه الماريني، وتذكير من له صلة باحياء الكتاب ونشره كاثر لطيف من اثار روادنا. ثم صدر الكتاب بطبعة غير مستوفية الشروط العلمية بل ان الاستاذ ... الياسري الذي نهد لاصدارها لم يعرف عن المؤلف وعده .. . حتى اسعفنا بآخرة الاستاذ الدكتور طارق نافع الحمداني والاستاذ حكمة رحماني باخراج الكتاب والتعريف بمؤلفه .
صدر كتاب ( تنزه العباد في مدينة بغداد ) في بيروت 1887 ، وطبع بالمطبعة اللبنانية . وقد ذكر ان الكتاب طبع ثانية في السنة التالية في 116 صفحة ، ولم يتيسر لنا الاطلاع على تلك الطبعة التي تزيد على الطبعة الاولى بخمس وثلاثين صفحة . ذكر الماريني في مقدمة كتابه انه رأى مدارس بغداد خالية من كتاب يتضمن تاريخ بغداد وأحوالها القديمة والحديثة ...(( أخذتني الغيرة العربية ، وهزتني المحبة الوطنية ،لاضع نبذة تحتوي على جلّ ما تتطلبه الارادة ، وترتاده الافادة ، وتستوجبه العادة . فبعد ان صرفت يسيرا من الوقت مجيلا النظر في مطالعة بعض الكتب والجرائد التي قد ذكرت شيئا عن بغداد . تجنيت من ألطف الأفنان ألذ الأثمار ، وصومعته الى ما عندي فجاءت نبذة مفيدة في بابها ...ووسمتها بتنزه العباد في مدينة بغداد . وهي منقسمة الى قسمين لا اكثر لكي يتخرج الطالب فيها ويدرك ما قد اشتملت عليه من الفوائد الجمة باسهل مايرام ، ويستأصل في ذهنه كالنقش على الرخام )) .
قسم الماريني كتابه الى قسمين ، الاول يتضمن تاريخ بغداد وموقعها واسماء الخلفاء المسلمين وولاة بغداد . اما القسم الثاني فيتضمن احوال بغداد الحديثة المعاصرة للمؤلف .

واليك قطعة صغيرة من الكتاب لبيان اهميته :
دار الكتب العمومية في بغداد
لقد تجلى في ساحة الامل دليل واضح يعد على ان بغداد قد عاد عليها البرء والصحة التامة وأخذت بالإفاقة التي هي اخر السلامة وانقذت من علة الجهل المنحوسة التي اتليت بها منذ مدة وكسبت حال العلة المزمة بمر الايام وتماديها وان ظلام الجهل الذي تتولى على افاقاً قد انقشع بالاشعة النورية التي نشرتها المعارف وبثتها على الاطراق وصار يبتدل بالضياء والنور شيئاً فشيئاً.
وان من جملة الاثار السامية لموجبة للافتخان لحصرة ذلت البلاذ الولاية الذي له المعارف سمات الواصل الى اوج الكمال. والمرتد في رداء الزهد والكرم والافضال انه قد تشكلت في بغداد دار كتب منتظمة ثمرة المساعي الجميلة المشهورة في امر ترقي المعارف لدى الفصلة المكارم الانيلة حضرة محمد افندي آل جميل راده مدير معارف ولاشا الذي هو للفصائل سمير والموجود بالمسارعة بكل صورة الى امتثال الاوامر والافكار الجليلة للوالي العالي المشار اليه الشاعي باقتنا . واتباع افكاره وبيانه التي هي المعالي ايات المعطوفة على فتح وانشاء باب سعادة ومعرفة في كل يوم.
وان من اثر حمية ذي العزة علي بك نجل لطف الله بك انه اهدى لدار الكتب المذكورة ستة او سبعة مجلدات من الكتب وهذه الدار هي في المدرسة المشهورة في بغداد في جامع الحيدر خانة وهي الان تحتوي على خمسمائة وعشرين مجلداً من كتب الفقه والتفسير والادب وغيرها من الفنون وعليها حافظات موظفات بذلك.
الا وان فوائد هذا الاثر الجميل التي تحصل للعموم واضحة وجلية جداً: فلذا لا ترى حاجة لايضاحها وتعدادها سوى ان يقول هذا وانه اذا لم تمنح المعاونات من طرف اصحاب الحمية من الاهالي لتوسيع دار الكتب هذه وانتظامها وتكثير كتبها الموجودة فان فوائدها المنتظرة والمامولة تتزايد بدرجة تكون في كل حالة جالية لمحسوبية الجميع وافادتهم. وهذه القضية الفيدة العربية التي انشدها الاديب الكامل الموسوم بالنجابة ضائل، ذو المكرمة الحاج علي افندي شبل ذي الفضيلة السيد نعمان خير الدين افندي آل الآلوسي احد علماء بلدتنا الاعلام. واشرافها الكرام، مؤرخا بها فتح وتاسيس دار الكتب العمومية المذكورة.

ولعمري انها قد اشتملت على الفاظ رائقة.. ومعاني فائقة تدل على ادب منشئها وفضل محبرها وموشيها..
يا حبذا مكتبة قد جمعت العلم فيها كتب لطائف
نعم ارباب العلوم ينفعها
فكل طالب عليها عاكف
كانها للطالبين موردٌ
فكل راوٍ من نداها غارق
انعم بها من نعمة قد عرفت
للطف والينا بها عوارف
السيد التقى والقزم الذي
قد شهدت بحزمه الطوائف
العارف الخائف مولاه ومن
بعد له يلقى الابان الخائف
احيا ببغداد العلوم بعدما تخطفتها للبلى خواطف
معارف بدت لنا بفضله
بفضله بدت لنا معارف
زاد له الفضل على محمدة
يبقى لها شكر بها مرادف
شيدت بعزم ماجد ذي همة
يعجز عن درك مداها الواصف
محمد نجم جميل من له
صنع الجميع تالد وطارف
قد اسست بعزمه فاستأنست
لها الورى واستيأس المخالف
تباشر الناس بها وارخوا مكتبته جددها المعارف