المطربة المصرية ( نادرة) وحر العراق  سنة 1934

المطربة المصرية ( نادرة) وحر العراق سنة 1934

المطربة المشهورة السيدة نادرة في الاسبوع الماضي من رحلتها التي قضت معظمها في مدن العراق وبخاصة بغداد حيث اتفق معها احد المتعهدين على احياء اثنتي عشرة حفلة فيها.
ولقد زرت”نادرة”عقب وصولها فهنأتها بسلامة الوصول.. وسألتها عن صحة سلامة السيدة ليلى العامرية، التي كانت بالعراق مريضة، والتي سبق لنادرة ان ابلغتنا في خطاب ارسلته الينا من بغداد ان سبب ذلك المرض راجع الى شدة حرارة الجو التي لا يتحملها الانسان،

وزادت نادرة على ذلك فقالت انها قبل رحيلها الى العراق كانت متألمة من حرارة الصيف في مصر فرغبت ان تهاجر الى بلد آخر هربا من الحر، فلما جاء متعهد العراق للاتفاق معها على السفر سألته عن حالة الجو هناك فطمأنها من هذه الناحية، ولكنها حين وصلت الى بغداد وشعرت بحرارة الجو عادت الى المتعهد تعاتبه فاجابها :”انتي وانا في مصر نسيت حر بلادي فوصفته لك بما شعرت به في بلادك!".
قالت السيدة نادرة:
"وفي اليوم الأول لوصول الى بغداد ابلغوني انهم سيهيئون لي مكانا في اعلى الفندق (السطوح) فضايقني ذلك وقلت:”وهل من اللائق بي وبكرامتي ان انام في السطوح، وهلا توجد في الفندق غرفة أبيت فيها؟”فلما سمعوا ذلك مني انتقوا احسن غرفة في الفندق وقادوني اليها. وادرت المروحة التي فيها واحضرت زجاجتين مملوءتين ماء مثلوجا واحتضنتهما الا ان ذلك كله لم يلطف من حرارة الجو شيئاً، وفي اليوم التالي طلبت ان يفرشوا لي مرتبة لا فوق السطوح فحسب بل فوق المئذنة اذا امكن!!
وبعد ان”تغزلت”نادرة في حر العراق ما شاء لها الغزل قالت:
"اود ان انصح للسيدات الاوروبيات اللواتي يلجأن الى حمام الشمس في المصايف كي ينلن اللون الاسمر ان يقصدن الى العراق وانا الكفيلة بانهن يعدن الى بلادهن كالكتاكيت المسلوقة".
ومن نوادر نادرة في هذا السبيل انها كانت تأتي بلوح من الثلج وتضعه في”البانيو”كلما ارادت الاستحمام.
وبعد ان احيت نادرة حفلات بغداد قامت الى البصرة بالطيارة فاحيت فيها اربع حفلات ثم عادت الى بغداد بالسيارة، وفي ذلك تقول انها قادت السيارة بنفسها وكانت موضع الاعجاب لمهارتها.
وقد امتدحت نادرة المناظر الطبيعية في البصرة وخصوصا (شط العرب) وقالت ان هناك نوعا من القوارب يطلقون عليها اسم (البلم) – يفتح الباء واللام – وهي تشبه تلك التي تمخر شوارع البندقية المسائية، فاذا ركب الانسان البلم وسار في شط العرب ملكت لبه المناظر الساحرة والسماء الصافية واستولى عليه الخيال والشاعرية.
ولما عادت نادرة الى بغداد اقامت بضع حفلات اخرى إلا ان ذلك لم يرق المتعهد الذي اشترط عليها في التعاقد ان لا تقيم ببغداد حفلات غير الاثنتي عشرة حفلة التي اشتراها لحسابه – ومن ثم رفع عليها دعوى يطالبها بتعويض قدره (400 جنيه) لاخلالها بشروط التعاقد، وعرضت القضية امام”محكمة بداءة بغداد”وتقدم للدفاع عن المطربة الاستاذ القدير نجيب الراوي وهو من كبار المحامين هناك، وقد صدر الحكم في مصلحة نادرة اذ رفضت الدعوى واضيفت المصاريف على جانب المدعي.. وكانت المحكمة دقيقة في حيثيات الحكم الى اكبر حد حيث رأت ان المقصود من عدم اقامة حفلات خلاف المتفق عليه هو ان لا تكون الحفلات اللاحقة معطلة لحفلات المتعهد.. وما دامت حفلاته قد انتهت فلها كل الحرية في ان تقيم ما تشاء من الحفلات.
هذا وقد عرفنا من السيدة نادرة ان حفلاتها هناك صادفت نجاحا كبيرا، وانها قوبلت من اهالي العراق احسن مقابلة، وامتدحت اخلاق اخواننا هناك واطنبت في ذكر الكثيرين من الكبراء والعظماء وخصوصا صبحي بك الدفتري (امين العاصمة). واطلعتنا على قصيدة عامرة نظمها فيلسوف العربية وشاعرها الكبير (جميل صدقي الزهاوي) تحية للمطربة المصرية بعد ان سمعها واعجب بفنا..

ومنها ونحن نقتطف منها هذه الابيات:
اميرة الفن على!! ابداع انت قادرة
معجزة ثالثة من معجزات القاهرة
بين اغانيك ووجـ... هك الجميل آصره

لو كان يحيا الميت أحــ
ـيته الاغاني الساحرة
فحبذا الفن وحبـــذا اغاني نادرة
ومنها
كوني لشيخ قد صبا
الى الجمال عاذرة
لا تحسبي الشيوخ أمـ
ـثال الرسوم الدائرة
*****
ان الحياة كلها
الى الحتوف صائرة
فلنكسب الدنياور
بي غافر في الاخرة
وقد ختم الاستاذ الزهاوي قصيدته بقوله:
وربما دار الزما
ن معلنا بشائره
فخول الشعب حقو
ق الأمم المجاورة
هذا وقد حدثتنا نادرة عن نهر دجلة ومائه العذب فقالت انه يساعد على الهضم بسرعة فائقة فهو في الحقيقة يروي ويداوي في وقت واحد. وختمت المطربة حديثها قائلة انها وصلت الى بغداد ووزنها ستون كيلو جراما ولكن مضايقة الحر لها انقصت وزنها الى ستة وخمسين كيلو!
م. الاثنين / 8/10/1934