علــي حســـين
مرة أخرى يجد عشاق ميلان كونديرا أنفسهم في موقف غاضب من جائزة نوبل للآداب التي دائماً ما تدير ظهرها لأكبر روائي معاصر
ورغم أن توقعات هذا العام لم تضع كونديرا في الصفوف الأولى ، إلا أن هناك من قال إن الجائزة ستحاول تجنب كل الجدل، لأنها تسعى إلى إعادة بناء سمعتها بعد أن كشفت الفضيحة الجنسية عن المضايقات والغضب وتضارب المصالح ، بين أعضائها الثمانية عشر بأن تُمنح جائزتها لشخصية أدبية يتفق حولها الجميع،
وكانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نشرت توقعات القراء والنقاد قبل ساعة من إعلان الجوائز حيث رشحت الصحيفة كل من الكاتبة الكندية مارغريت أتوود، والكاتب الياباني هاروكي موراكامي لنيل جائزة نوبل في الأدب .
كما اختارت الغاريان، بعض من الأسماء الأخرى لنيل الجائزة، ومنهم الكاتب الكينى نجوي واثيونغو، والشاعرة الكندية آن كارسون، والروائية ماري كوندي التي فازت العام الماضي بجائزة نوبل البديلة ، إلا أن النتائج ذهبت بعيداً حيث فازت الروائية البولندية، أولغا توكارتشوك، بجائزة نوبل للآداب لعام 2018. وفاز الروائي والكاتب المسرحي النمساوي بيتر هاندكه بجائزة نوبل للآداب لعام 2019 .. والقرّاء العرب يعرفون جيداً بيتر هاندكه الذي ترجمت العديد من أعماله الى العربية ، ، حيث ترجمت أعماله إلى العربية فى وقت مبكر ، لكنهم ضربوا كفاً بكف وهم يسمعون باسم أولغا توكارتشوك التي لم يترجم عمل من أعمالها رغم إنها غزيرة الانتاج الروائي – سيصدر لها قريباً عن دار التنوير روايتها رحَّالة ترجمة إيهاب عبد الحميد وهي الرواية الفائزة بجائزة المان بوكر الدولية لعام 2018 - ، وقد وصفت لجنة التحكيم نتاج الروائية الفائزة بقولها: "إن الخيال الروائي الممزوج بالشغف المعرفي الجامح الذي يتجاوز الحدود هو شكل من أشكال الحياة".، وقد علقت على فوزها بالجائزة قائلة :" وصلني خبر حصولي على جائزة نوبل في أغرب الظروف، فقد كنت في الطريق بين منطقتين في مكان لا اسم له. لا أستطيع التفكير في استعارة أنسب لتعريف العالم الذي نعيش فيه اليوم. نحن الكتّاب في هذه الأيام علينا أن نواجه تحديات غير محتملة، فالأدب فنٌّ بطيء الحركة حيث إن عملية الكتابة تستغرق وقتاً طويلًا ما يجعل من الصعب مواكبة عالمٍ متحرك. أتساءل كثيراً إن كان ممكنًا أن نصف العالم، أو إننا نقف عاجزين بالفعل أمام شكله اللامحدَّد السائل، المتغير دائماً، وقيَمه الآخذة بالاندثار. أؤمن بأدبٍ قادرٍ على توحيد الناس، ويثبت لنا كم نحن متشابهون، ويجعلنا واعين بأننا تربطنا نفس الخيوط الخفية، أدبٌ يحكي قصة العالم بوصفه وحدة حيّة، دائمة التطور أمام أعيننا، نشكّل نحن فيها جزءاً صغيراً ولكنه قويٌّ وفعّال" ،
الفائزة بنوبل للآداب عام 2018 انطلقت من حياة بلدتها الصغيرة سوليكوف في غربي بولندا لتحيط بالوضع الإنساني مثل كافكا الذي كانت مغرمة فيه أثناء شبابها وميلان كونديرا الذي تعتبره كاتبها المفضل
ولدت أولغا توكاركوك في التاسع والعشرين من كانون الثاني عام 1962 ، كانت والدتها معلمة أما والدها فعمل أمين مكتبة بإحدى المدارس، وهو الذي عزز حب القراءة منذ طفولتها وطور شهيتها الأدبية.
درست توكاركوك علم النفس بجامعة وارسو، وظهرت لأول مرة كروائية عام 1993 بروايتها "رحلة كتاب الناس"، والتي تدور أحداثها في القرن السابع عشر بفرنسا وإسبانيا، حيث بحث أبطال الرواية عن لغز أحد الكتب الغامضة في جبال البرنس، وقد لاقي الكتاب نجاحاً كبيراً ما أهله للفوز بجائز الأدب البولندي للرواية الأولى عام 1993م، لكن تظل روايتها الأشهر هي الثالثة في مشوارها الأدبي بعنوان "البدائية وأوقات أخرى". كانت في بداية حياتها تسعى لأن تصبح ممثلة ، وهي تقول إنها لم تستطع الكتابة إلا حين توقفت عن التفكير بالتمثيل . بقيت تكتب سراً وترسل المخطوطات إلى الناشرين لتُرفض وتُعاد إليها. إلى أن قررت وهي في السابعة والعشرين من عمرها أن ترسل ديوان شعر ، وبعد أشهر حمل البريد خمس نسخ من ديوانها الأول فشعرت بالذعر فخبّأته في غرفتها ، . كان عليها الانتظار أكثر من شهر لتخبر المقربين منها أنها أصبحت كاتبة
درست علم النفس بجامعة وارسو، حصلت على وظيفة في مستشفى كمتخصصة في الإدمان، وتزوجت من زميل لها في علم النفس وأنجبت ولداً، ولكن بعد خمس سنوات من العمل قررت ترك العمل نتيجة للضغط النفسي الواقع عليها، فبحسب ما قالته في حوار لجريدة الغارديان البريطانية: "كنت أعمل مع أحد مرضاي وأدركت أنني أكثر تخبطًا مما كان هوعليه، أنا حقًا هشة جداً على عكس ما تصورته". ظهرت لأول مرة كروائية عام 1993 بروايتها "رحلة كتاب "، والتي تدور أحداثها في القرن السابع عشر بفرنسا وإسبانيا، حيث بحث أبطال الرواية عن لغز أحد الكتب الغامضة في جبال البرنس، وقد لاقي الكتاب نجاحاً كبيراً ما أهله للفوز بجائز الأدب البولندي للرواية الأولى عام 1993م، لكن تظل روايتها الأشهر هي الثالثة في مشوارها الأدبي بعنوان "البدائية وأوقات أخرى".
مع ترشح روايتها السادسة "الرحلات" لجائزة البوكر العالمية وفوز روايتها "قصة يعقوب"، وصفتها الغارديان بـ"أبرز الكتّاب في بولندا، فهي كاتبة نسوية في بلد رجعي ذكوري". رواية "قصة يعقوب" المكونة من نحو 1000 صفحة، الصادرة عام 2007م، أثارت جدلاً كبيراً عند صدورها، فتدور أحداث الرواية على الحدود بين أوكرانيا وبولندا، وتحكي قصة "يعقوب" القائد الديني الذي ولد يهودياً، ثم قاد عملية التحول القسري لزملائه اليهود إلى الكاثوليكية في القرن الثامن عشر. وقد اُستقبلت الرواية جماهيرياً بشكل جيد، حيث باعت أكثر من 170 ألف نسخة، وفازت عنها بجائزة "نايكي" للمرة الثانية، والمعروفة باسم "جائزة الكتاب البولندي". لكن في المقابل غضب اليمين من الرواية بشكل كبير، ووصفوها بالخائنة، ما اضطر ناشر الرواية إلى تعيين اثنين من الحرس الخاص لحمايتها، وقد علقت أولجا على تلك الحملات قائلة: "لقد كنت ساذجة حين اعتقدت أننا سنتمكن من مناقشة المناطق المظلمة في تاريخنا". لم تكن تلك الرواية هي الوحيدة التي أثارت الجدل بين أعمال توكاركوك، لكن تكرر الأمر بعد عرض فيلم "Spoor" المأخوذ عن روايتها "قُد محراثك على عظام الموتى" في مهرجان برلين السينمائي. حيث هوجم الفيلم بشكل كبير ونددت به وكالة أنباء بولندية ووصفته بأنه "عمل معادي للمسيحية يشجع الإرهاب"، لكنه بالرغم من ذلك حصل على جائزة بالمهرجان. تحرض أولجا دائماً على مواجهة المشكلات بالكتابة عنها، وتبحث عن المعنى في كتاباتها وجدوى الرواية، ففي إحدى حواراتها السابقة قالت عن رواية "قُد محراثك"،: "الكتابة لمجرد معرفة من هو القاتل يهدر الورق والوقت، لذا قررت الكتابة عن حقوق الحيوان وقصة المواطنين المعارضين الذين يدركون أن القانون غير أخلاقي ليدركوا إلى أي مدى يمكن أن يصلوا إذا طالبوا بتعديله". بعد تلك الرواية، أصبحت قضية الصيد قضية سياسية ساخنة في بولندا، في الوقت الذي لم تكن القضية مطروحة للنقاش من الأساس.. وتوضح أولجا، أن أدب وسط أوروبا مختلف تماماً عن الأدب الإنجليزي فعلى حد قولها: "الكُتّاب في أوروبا لا يثقون في الواقع كما يفعل الإنجليز"، وتضيف"أعشق دائماً القدرة على الكتابة دون خوف من الأشياء النفسية الداخلية الحساسة للغاية، بهذه الطريقة يمكنك تطوير قصة ذات سياق واضح".
وتتميز توكاركوك بنبرة أسطورية مميزة في معظم أعمالها، حازت خلال مسيرتها التي تمتد لأكثر من عقدين على عدد من الجوائز منها: جائزة "نايك" مرتين، وهي الجائزة الأدبية الأهم في بولندا، عن رواية "رحلات" عام 2008 ورواية "كتب يعقوب" عام 2015، وفي 2015 أيضاً فازت بجائزة الجسر الألمانية البولندية الدولية، وهي جائزة تشمل الأشخاص الذين يقومون بتعزيز السلام والديمقراطية والتنمية والتفاهم المتبادل بين شعوب ودول أوروبا، وقد حازت عام 2018 على جائزة البوكر العالمية عن روايتها "رحالة "، وكانت البولندية الأولى التي تفوز بتلك الجائزة.
تدور أحداث رواية رحالة حول السفر فى القرن الحادي والعشرين وتفاصيل تشريح جسم الإنسان، وتسلط الكاتبة الضوء على حكايات عن السفر عبر الزمن، وتربط ذلك بشكل فني بجسم الإنسان، والتي تستنتج من خلال كل ذلك طرق الحياة، والموت، والحركة، والهجرة. وتأخذ الكاتبة القراء إلى القرن السابع عشر حيث تسلط الضوء على قصة عالم التشريح الهولندي فيليب فيرهاين، الذي قام بتشريح ساقه المبتورة وقام برسمها، أما خلال القرن الثامن عشر، تستعرض الكاتبة قصة العبد المولود في شمالي أفريقيا لكنه بعد موته ظهر مرة أخرى فى النمسا. وأثناء مواصلتها البحث فى القرن التاسع عشر، تقوم إحدى النساء بالتدريب على كيفية الهجوم على سفينة فى إحدى الجزر اليونانية، إضافة إلى أنها تلقي الضوء على قصة مروعة لزوج وزوجته لديهم طفل يختفي في ظروف غامضة في يوم عطلة في جزيرة كرواتية.
في مقابلة مع التايمز ، قالت إنها بدأت الرواية منذ أكثر من عقد ، قبل فترة طويلة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والحركات القومية الأخرى في جميع أنحاء أوروبا. "لقد كتبت هذا الكتاب عندما كان العالم يتطلع إلى أن يكون مفتوحاً للجميع" ، قالت. "الآن نرى كيف سيضعف الاتحاد الأوروبي على الأرجح بسبب سياسات بلدان مثل بولندا والمجر التي تركز على حدودها مرة أخرى."
وأشارت أيضاً إلى سياسات الهجرة الشديدة بشكل متزايد في الولايات المتحدة. وقالت: "منذ اثني عشر عاماً لم يكن هناك ذكر لفكرة الجدران أو الحدود ، والتي تم تبنيها في الأساس من قبل الأنظمة الشمولية". "في ذلك الوقت يجب أن أعترف أنني كنت متأكدة من أننا قد وضعنا الشمولية خلفنا".