الدكتور مهدي المخزومي  والمدارس النحوية

الدكتور مهدي المخزومي والمدارس النحوية

د . رياض السواد
حظيت آراء المخزومي بالاهتمام الواسع في الأوساط الثقافية ، وانتشرت انتشارا واسعا ، لبس في العراق فحسب بل وفي أرجاء أخرى اهتمت بشؤون العربية .وكان من الطبيعي أن تواجه هذه الآراء كما هو حال الآراء التجديدية الأخرى ، ردود فعل الدارسين سلبا وإيجابا ، وان تنبري لداستها أقلام أنصف بعضها وفات بعضها الآخر ذلك . وقد يكون من العسير الإلمام بتلك الآراء التي قيلت بحق هذه النظرية في فصل بعينه .

يأخذ إبراهيم السامرائي على المخزومي مذهبه في وجود المدرسة الكوفية أو المذهب الكوفي . وقد استند الأستاذ السامرائي في إثبات زعمــه هـــذا إلى أمــــور كان أهمها:
1. إن الكوفيين كالبصريين في شغفهم بالتعليل ، الذي لا يتصل بالعلم اللغوي .ولعل الذي ذهب إليه الأستاذ السامرائي في هذا المجال ، تأثر بما جــاء فـــــي كتــــــاب « الإنصاف في مسائل « للأنبا ري ، من دون أن يعلم أن الذي ورد في هذا الكتاب من تعليلات وتأويلات ، هي من وضع أبي البركات نفسه ، بدليل عدم إمكانية إرجاعها إلى أصحابها . ثم ألم ينته للأستاذ السامرائي أن السجستاني رأس المتعصبين على الكوفيين ، كان يقول في حقهم : « يتحفظ احدهم مسائل من النحو بلا علل ولا تفسير «ويمثل هذا وصف الكسائي ، وان علمه مختلط بلا حجج.
2. إن مصطلحا تهم متذبذبة رجراجة غير مستقرة . ولعل هذا الدليل الذي أثبته الأستاذ السامرائي ، عليه وليس له . فوجود مصطلحات كوفية تقابل المصطلحات البصرية يومئ إلى استقلال الدرس النحوي عندهم ، ولما اصطدم الأستاذ بهذه الحقيقة ، راح يبحث عن مخرج لما تورط به ، فقال بالتذبذب وعدم الاستقرار . ومن ثم فأن التذبذب وعدم الاستقرار ، مزية من مزايا المصطلح النحوي قديما ، وليس عند الكوفيين فحسب ، بل حتى عند البصريين ، ذلك أن المصطلح النحوي لم يكن مقصودا لذاته ، وانه لم يستقر إلا متأخرا .
وأما فيما يخص الدرس النحوي في بغداد ، فقد ذهب الدارسون إلى كونه يشكل مدرسة بعينها تقابل المدرستين الكبيرتين البصرة والكوفة . ولقد صحح المخزومي موقف الدارسين من هذه المسألة في كتابه « الدرس النحوي في بغداد «.
وترى خديجة الحديثي في كتابها « المدارس النحوية « أن المخزومي وقع في التناقض ، فهو تارة يقول بالمذهب البغدادي أو المدرسة البغدادية ( والقول في كتابه مدرسة الكوفة) وتارة أخرى ينكر ذلك ويذهب إلى عدم حصوله في كتابه « الدرس النحوي في بغداد « ، ويقوم هذا الاتجاه على الترخص بالأخذ من آراء أصحاب المدرستين المذكورتين ، ولا يمكن حمل ذلك الترخص بالأخذ من آراء الطرفين على كونه مدرسة بعينها ، تضع من المسائل النحوية ما لم يذكر عند السابقين ، بقدر ما يشكل من اتجاه لا يختلف عما ساد من اتجاهات سابقة ، فالكسائي كان يأخذ عن البصريين ، كموقفه من الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف ، ومع ذلك فلم يقل عنه احد انه بصري الاتجاه .
ففكرة المخزومي إذن ، هي توضيح ذلك الاتجاه الجديد ، الذي حمل على كونه مدرسة بعينها مما لم يمكن توضيحه في كتابه « مدرسة الكوفة «.
1ـ مهدي المخزومي والاتجاه الكوفي .
ساد عند من قرأ للمخزومي أو سمع به ، أنّه كوفي المذهب ، وانه يرى في النحو الكوفي نحوا مثاليا ويجب إتباعه . ولعل الأستاذ إبراهيم السامرائي واحد من هؤلاء الذين ذهبوا هذا المذهب.
وفي رأيي ، إن الذي ذهب إليه الأستاذ السامرائي ، لا وجود له في أقوال المخزومي ، بل أن المخزومي كان يرى : إننا « إذا أردنا نحوا مثاليا تتمثل فيه العربية تمثلا صادقا ، فينبغي ألا نقتصر على مذهب بعينه « وان النحو الكوفي عنده ( المخزومي ) لم يسلم من العثرات ، ولم يخل منهجه من الهنات لأنه كان مقيدا بالشوط المحدود الذي قطعه التطور العقلي في تلك الحقبة. ا لا أنه وجد في كثير من مسائله اللغوية ما يصح لدراسة جديدة ، إذا ما أحذت بنظر الاعتبار المذاهب النحوية الأخرى ، وما توصل إليه البحث اللغوي الحديث .
2ـ مهدي المخزومي وكتاب “ نحو الفعل “ للدكتور احمد عبد الستار الجواري .حينما صدر كتاب « نحو الفعل « للدكتور الجواري ، اعترض المخزومي على عنوان هذا الكتاب ، ورجح ( المخزومي ) أن يسمى بـ (مبحث الفعل ) وذلك لعدم صحة دراسة الفعل بمعزل عن فروع الدراسة النحوية الأخرى ،ولأنه كتاب يبحث في أغلب فصوله عن جمود الفعل وتصرفه ، وفي صيغة الفعل ودلالته على معناه ، وبنائه للمجهول ، وغير ذلك من المباحث التي تختص بالفعل دونما سواه .
ويرى الدكتور محمد حسين الصغير ، أن تسمية الجواري لكتابه بـ ( نحو الفعل) صحيحة لا ضير عليها من وجوه :
أ ـ أن الجواري لم يبحث الفعل مستقلا بذاته ، بل بحثه من خلال الجملة ، والبحث في الجملة هو النحو بعينه .
ب ـ أن الاتجاه ( نحو الفعل ) وقصد السبيل إليه ( بفتحة على واو نحو ) تغني عن الدفاع لإثبات صحة التسمية .
ج ـ أن المؤلف أراد الإتباع لنحو التيسير ونحو القرآن .
وأقول : أن المخزومي أراد عدم صحة تسمية الكتاب بـ « نحو الفعل « ، وان كان ذلك الكتاب يشتمل على دراسة الفعل من خلال الجملة ، فدراسة الفعل عند المخزومي منفصلة عما سواها من مباحث النحو الأخرى ، أمر بعيد عن الدرس النحوي ، الذي يبنى على فكرة الشمول . ثم أن الدكتور الجواري جعل عنوان كتابه « نحو الفعل « بضمه على واو نحو ، ولم يجعل عنوانه بالحركتين ( الضمة والفتحة ) كما هو الحال في كتابه « نحو التيسير « على سبيل المثال ، مما لا يمكن حمله على أن الجواري أراد معنى الاتجاه وقصد السبيل لدراسة الفعل . ويبدو أن أستاذنا الصغير حاول أن يجد مسوغا للعنوان الذي اعترض عليه المخزومي .