انقلاب بكر صدقي في ذكراه.. استجلاء موقف عبد الفتاح ابراهيم من الانقلاب

انقلاب بكر صدقي في ذكراه.. استجلاء موقف عبد الفتاح ابراهيم من الانقلاب

د . عكاب يوسف الركابي
وجد حكمت سليمان ، الفرصة مؤاتية لاقناع جماعة الأهالي ، بعدم جدوى ، تقديم الاحتجاجات ، والعرائض الى ، الملك ، ولّمح لهم بأمكانية الاستعانة بالجيش، ومن الواضح كذلك، ان ، حكمت سليمان، لم يكن قد ابلغ كل، تفاصيل مقابلاته مع، بكر صدقي، الى كل أعضاء لجنة الأهالي، وربما اراد من ذلك ، ان لا يعرض الفرصة ، المهمة ،

التي أتيحت أمامه للخطر ، اما موقف بقية الأعضاء ، فقد اعتبر ، كامل الجادرجي ، ان الوضع في ، عهد ياسين الهاشمي ، ولا سيما في أواخر عهده ، قد جعل الأمل معدوما ً في سلوك الطريق الديمقراطي للتعبير ، ففي هذه الحالة ، يمكن اللجوء الى ، العنف ، اذا انعدمت وسائل التعبير في النظام الديمقراطي وقد كان هو أكثر أشخاص الجماعة اقتناعا ً ، بان الوضع ، لا يمكن إصلاحه الا بإزالة الحكم القائم ، وقد وصف ، موسى الشابندر ، استياء ، الجادرجي هذا ، من حكومة ، الهاشمي ، قائلا ً : (( وجدت ، كامل الجادرجي ، ناقما ً على الوضع …. وأتذكر انه قال لي يومها ، رجالنا كلهم تحملهم بمكرافة وترميهم بالشط ، قلت ولكن ياسين ؟ قال ، ياسين ، لازم تلزمه وتضربه مائة عودة على …. حتى يعقل ، استغربت كثيرا ً من هذه الملاحظة من كامل ، الذي كان فيما مضى يؤله ، ياسين الهاشمي ، ويرفعه الى السموات ……. ولما اعترضت مستفسرا ً قال ، الجادرجي ، لا يوجد احد الان سوى ، حكمت بك )) .

وربما الحقد الشخصي ، قد افقد ، الجادرجي ، ثقته ، بالهاشمي ، وبالسياسيين القدامى ، باستثناء ، حكمت سليمان ، ويبدو انه كان مهيئا ً لقبول أي حل ٍ ، يؤدي الى انهاء نظام الحكم القائم ، حتى وان كان ، حلا ً عسكريا ً .وكان ، جعفر ابو التمن ، يؤيد ، الحل العسكري ، باعتباره الحل الاسلم بعد ان سُدّت جميع السبل ، بوجه الجماعة لتحقيق الإصلاح ، بينما وقف ، محمد حديد ، وعبد القادر اسماعيل ، موقفا ً سلبيا ً .

اما ، عبد الفتاح ابراهيم ، فقد بقي معارضا ً للفكرة ، وعندما ابلغ حكمت سليمان ، أعضاء الهيأة الإدارية للجمعية ، في احد الاجتماعات التي كانت معقودة في دار ، كامل الجادرجي ، بأن بكرا ً يروم الانضمام الى الجمعية وانه مستعد لهذا الغرض ، أي ، القبول بالشعبية ، وأداء القسم على ذلك ، وفعلا ً، فقد جاء ، حكمت ، ببكر ، الى اجتماع اخر في دار، كامل الجادرجي ايضا ً، الاّ انه وبعد مضي وقت قصير فقط ، لم يدر خلاله غير حديث عام ، وهمس بالتركية بين ، حكمت ، وبكر ، غادر الأخير المكان ، معتذرا ً، دون اداء القسم ، وعندها اخذ ، حكمت سليمان ، يلتمس العذر لموقف ، صاحبه ، ويعد بأنه سيؤدي القسم امامــه.

وبسبب هذا الذي جرى ، وما اعقبه من مشادة كلامية ، بين ، عبد الفتاح ابراهيم ، وحكمت سليمان ، حول مدى الالتزام المحتمل ، لبكر صدقي ، او لغيره ، من العسكريين ، بالشعبية ، فان ، عبد الفتاح ابراهيم ، انقطع عن الاجتماعات لأسابيع ، استطاع بعدها ، جعفر ابو التمن ، اقناعه بالعودة لأسابيع عدة ، لبحث أسباب انقطاعه ، الا ان ، عبد الفتاح ابراهيم ، لم يلبث ان انسحب نهائيا ً، بلا عودة هذه المرة .

ومهما يكن الامر ، فقد خسرت ، جماعة الاهالي ، بأنفصال ، عبد الفتاح ابراهيم ، عنها في ربيع عام 1936 ، واحدا ً من ابرز مؤسسيها ، لانه كان يعتقد ، بان مشاركة الجماعة للجيش في مغامرة خطيرة النتائج ، ستكون مضرة بالجمعية ومبادئها ، حتى لو كتب للانقلاب المزمع ، النجاح ، وقد حذّر الرجل المجتمعين بأنهم ، سيدفعون ثمن اخطائهم ، متهما ً اياهم ، بخيانة مبادئ جماعة الأهالي . ويمكن القول ، ان القضاء على حركة الاهالي وفشل الانقلاب ، جاء مصداقاً لتنبؤات عبد الفتاح ابراهيم ، وكانت الجماعة على ما يبدو مستعدة للتخلي عن معتقدها بسهولة تامة ، للعمل مع العسكر في ايجاد نظام ديمقراطي ، وهذا لا يمكن تفسيره الا بكونه قد نبع من اليأس المطبق ، وربما يدل هذا على افتقار الجماعة للخبرة السياسية ، وان ما انتهى اليه جماعة الاهالي من حال ، في العهد الانقلابي وان لم يكن مؤملا ً ، فانه لم يكن غير متوقع . ومن الجدير بالذكر انه بعد قيام الانقلاب ، ذهب حكمت سليمان الى منزل عبد الفتاح ابراهيم لزيارته وعرض عليه مركزا ً كبيرا ً في الحكومة الجديدة ولكنه رفض وذلك ، مفضلا ً البقاء في عمله كمدرس على الملاك الثانوي ،

وجاء انسحاب ، عبد الفتاح ابراهيم ، قبل بحث تفاصيل موضوع الانقلاب ، وفي وقت كانت فيه صلة ، عبد القادر اسماعيل ، بالشيوعيين ، قد أصبحت ، محور اهتماماته ، لذلك لم يبق من مؤسسي الجماعة سوى ، محمد حديد ، الذي كان اقرب الجميع الى ، كامل الجادرجي ، فكرا ً وانتماء ً ، الامر الذي يؤكده ، استمرارهما في العمل سوية ، لوقت طويل فيما بعد .
وفي 25 تشرين الاول 1936 ، عقدت جماعة الأهالي ، اجتماعا ً في ، دار كامل الجادرجي ، حضره ، حكمت سليمان ، وجعفر ابو التمن ، ومحمد حديد ، بالاضافة الى ، الجادرجي ، ويبدو ان هذا ، الاجتماع كان اخر ، اجتماع تعقده الجماعة قبيل ، تنفيذ الانقلاب ، لبحث التطورات الأخيرة ، وفي هذا الاجتماع ابلغ ، حكمت سليمان ، الجماعة قائلا ً : (( ان الجيش سيقوم بانقلاب ، فاما ان تدعموا ذلك ، واما ان يطلب قادة الجيش الدعم والتعاون من مجموعات سياسية اخرى )) ومضى يقول ، بان ، بكر صدقي ، وعبد اللطيف نوري ، قد هُيئا للانقلاب ، وانه وافق على اشتراك الاهالي في الحكومة القادمة وقد نصح ، الجماعة ، بعدم ابعاد انفسهم عن الانقلاب .

عن رسالة ( حكمت سليمان ودوره السياسي )