مشاهدات مسائية من التحرير: يكتبها سعدون محسن ضمد ..المواكب الحسينية تلتحق بركب المتظاهرين

مشاهدات مسائية من التحرير: يكتبها سعدون محسن ضمد ..المواكب الحسينية تلتحق بركب المتظاهرين

نشر الإعلامي والناشط العراقي البارز، محسن سعدون ضمد، انطباعاته عن الساحة التحرير، مساء الجمعة، مشيراً إلى زيادة في خيم المتظاهرين بين ساحتي التحرير والخلاني.
مخيم ابناء ثنوة
1 – الأعداد من ساحة النصر باتجاه التحرير تشهد زيادة ملحوظة اليوم لكنها ليست كثيرة، صحيح إن المساحة على جانبي الشارع مليئة بالناس لكن كان المتوقع ان يشهد مساء الجمعة زيادة أكثر. لكن مع ذلك يبدأ اكتظاظ الناس كلما اقتربنا من التحرير. وعلى الجانب الأيسر من الشارع باتجاه الساحة عانيت كثيراً من أجل الوصول الى الساحة، فحشود الناس هائلة وهناك محاولات لترك منطقة فراغ تكفي لمرور عجلات التكتك وبعض السيارات وهو ما يزيد من صعوبة المرور.

2 – لم يتسن لي الى الآن تقييم الحشود بين ساحتي التحرير والطيران ولا أظنني ساتمكن لأنني سأخصص جهدي لجسري الجمهورية والسنك. لكنني سألتف الى الخلاني عبوراً من شارع الرشيد وسأحاول من هناك تقدير أعداد المتظاهرين بين ساحتي الخلاني والتحرير.
3 – لفت نظري اليوم زيادة في عديد السرادق أو الخيم، فقررت التوقف عند هذا الموضوع، وواجهت أول خيمة وأنا داخل الى التحرير من النصر وكان مكتوب على واجهتها (موكب الإمام الصادق, واسط الزبيدية). فاعتقدت بأنهم من الزبيدية فقط لكن تبين أن الجهد مشترك بينهم وببن أهالي بغداد، ثم وجدت بعدهم خيمة كنت قد لاحظتها مساء أمس، مكتوب على واجهتها (موكب شهداء ساحة التحرير). ثم بعدهم مباشرة هناك خيمة مكتوب عليها (خيمة أولاد ثنوة، الثائر صفاء السراي) فأثارت فضولي وخمنت أن هؤلاء الشباب في طريقهم لتنظيم أنفسهم، فالخيمة كانت مليئة بهم ويجلس في بابها مجموعة منهم على مقاعد. ولما كشفت لهم عن تخميناتي، انكروا انهم بطريقهم لتشكل السياسي، وان كل ما يعملون عليه ويأملونه هو الاستمرار على طريق يقولون إن صفاء ابن ثنوة خطه لهم، وانهم بصدد اكمال مسيرته والمطاولة لتحقيق ما استشهد من أجله وإنهم نصبوا خيمتهم هذه مساء أمس 31-10. كما اكدوا انضمام الكثير من الشباب اليهم ومن مختلف المحافظات.
4 – وأنا اكمل مسيرتي باتجاه الساحة لفت نظري شاب في شرفة عالية على إحدى العمارات واضواء الليزر مسلط عليه بينما يرقص هو ما يرسم مشهداً احتفالياً. وقريباً من العمارة كانت هناك مجموعة تستمع الى النشيد الوطني، فانقطع النشيد فجأة وتحدث متحدث بمكبرة الصوت ناهراً الشاب من الرقص بينما النشيد الوطني يعزف ومنتقداً كثرة تجمعات الشباب الراقصة بينما نمر، بحسبه، بحالة حداد على أرواح الشهداء. ثم أكمل نقده ضد الألعاب النارية التي اعتبرها فعالية تمارس بكثرة لا تليق بقدسية المشهد.
5 – حاولت العبور الى شارع أبي نؤاس من الممر الفاصل بين الجسر وبين مدرسة دجلة. لكنني فشلت بسبب تيار الشباب الداخل والخارج والذي تقاطعه باستمرار عمليات إخلاء المصابين.
6 – عبرت التحرير للالتفاف على المطعم التركي ومن هناك الى السعدون. وهناك لفت نظري انك حيثما تذهب ثمة شموع وشباب يتحلقون حولها أو قريباً منها. لاستذكار زملائهم.
7 – اليوم أحسست بأنني اتجول في المعسكرات الخلفية لميدان معركة مرتين الأولى، كما قلت، وأنا اعجز عن المرور في الممر الفاصل بين مدرسة دجلة وجسر الجمهورية لملاحظة الأجواء على جانبي وتحت الجسر والثانية وأنا التف على المطعم التركي للوصول الى نفس المكان، حيث اعداد المصابين بالاختناق كثيرة وعمليات إسعافهم تجري بشكل سريع ومكثف. أما المشهد تحت الجسر فيكاد لا يصدق، وقد كنت تحدثت أمس عن طابور عجلات التكتك الطويل، لكن اليوم معالم الاحتكاك أكثر بين المتظاهرين وقوي الأمن التي تحاول ابقاءهم خلف آخر حاجز كما يقولون. الهواء مليء بالغاز المسيل وعجلات التكتك لا تتوقف وأبواق تحذيرها يشحن الجو بالترقب والحذر.. ولكثرة العجلات المارة من أمامي شككت إن كانت تنقل مصابين فقط أم أيضاً متظاهرين عاديين يدخلون الى المكان فقررت العبور الى الجهة الأخرى من تحت الجسر. لكن تبين خطأي فرغم أن المشهد على جهتي الجسر في ابي نؤاس يبدو طبيعياً لكن كانت «التكاتك» تخرج من فتحة في سياج للكتل الكونكريتية يفصل الشارع عن جرف النهر وخلف هذا السياج على الجرف أو قريباً منه يوجد تكتل كبير جداً من الشباب الذي يراقب المشهد على الجسر حيث الدخان المنبعث من الإطارات المحترقة أمام الحاجز الأول الذي يتمترس خلفه الشباب، وبعد اطلاق كل قنبلة يهيج الشباب في هذه المنطقة ويعلو صفيرهم الذي يتناغم مع صفير وصرخات المتواجدون في أعلى المطعم التركي.
8 – قبل أن يهدأ الوضع في هذا المكان كنت قد انتبهت الى زيادة في المفارز الطبية على جهة الشارع باتجاه أبي نؤاس وفعلاً تبين أن هناك ثلاث مفارز تموضعت اليوم، بسبب كثرة القنابل، ليصبح العدد خمسة على هذا الجانب واثنتان على الجانب المقابل واثنتان على جرف النهر، فضلاً عن المفارز الجوالة. وقد واجهتني وأنا اعبر من تحت الجسر وسط غمامة خفيفة من الغاز إحدى الممرضات الشابات وهي ترتدي قناع وقاية اسود وتنتصب مسترخية لترش وجوه الشباب بالماء المقطر لتخفيف أثر الغاز على عيونهم.
9 – اقتربت من إحدى المفارز لأسال أحد كوادرها عن وقت تخييمهم قريباً من الجسر لكن أربكني حديث الممرض بحزن مشوب بالغضب مع زميله، لأنه لم يستطع انقاذ متظاهر من الموت بسبب تردي حالته.
10 – قبل أن اغادر هذا الجانب من المشهد باتجاه جسر السنك، قررت أن أمر سريعاً على جرف النهر، وكانت المفاجأة مهولة. فما كنت أظنه تجمعاً للشباب يتمركز في المنطقة القريبة من الجسر على الجرف تبين بانه يمتد الى ما يقارب الكيلو متر على طول النهر رجوعاً باتجاه تمثال ابي نؤاس. حشود كبيرة من الشباب لا يقل عددهم عن الألفين ينتشرون في المنطقة الممتدة من جرف النهر الى السياج الذي يفصل الحدائق عن الشارع. ولما اقتربت محاولاً استكشاف أسباب هتافهم وصفيرهم تبين لي أنهم يركزون أشعة الليزر على قاربين تستقلهما قوات أمنية في محاولة للتستر بالظلام والاقتراب من الجرف لضرب المتظاهرين وإبعادهم. وعلى الرغم من وعورة المنطقة أسفل الجرف وخطورتها إلا انني لمحت شاباً وشابة من ذوي المعاطف البيضاء يشكلان مفرزة طبية جوالة ويتنقلان على مهل بين الأعشاب والرمال.
11 – وأنا اعود أدراجي الى الجسر لاحظت أن المشهد أكثر هدوءاً وإن ضجيج منبهات التكتك الذي كان مستمراً قد انقطع. فخمنت أن هذه هي الاستراحة بين هجومين. لكن ما أن بدأت اقترب من أسفل الجسر حتى بدا الضجيج يعود وسيارات التكتك تنقل المصابين دخولاً الى الشارع من منفذ الجرف، وهناك لمحت شابان وشابة من ذوي المعاطف البيضاء يتمركزون أسفل الجسر مباشرة. وبينما انشغلت بتصويرهم خطف من أمامي مسعفان آخران انثى تتكئ على كتف زميلها وقد احمرت عيناها الجميلتان من الغاز وأعياها الاختناق، فخجلت من تصويرهما وتسللت من جانبهما مطرقاً.
12 – المشهد يزداد هياجاً أمامك وأنت تحاول عبور المنطقة من أمام المطعم التركي الى شارع الرشيد، حيث الشباب ينظمون السير عن طريق حبال بيضاء يمسكونها ويمنعون المارين من تجاوزها ليتشكل عبر هذا الجهد التنظيمي عدة مسارات لعجلات التكتك واحد يذهب الى أبو نؤاس والآخر ياتي منه وآخران يذهبان ويأتيان من اتجاه جسر السنك.
13 – على شارع الرشيد شككت إن كانت ملاحظاتي مساء أمس غير دقيقة أم أن عدد مفارز الإسعاف زاد كثيراً. اقتربت من جسر السنك ولاحظت انه يتحول تدريجيا الى جسر جمهورية آخر. وكما قلت مساء أمس. فالشباب يتمترسون خلف الحاجز الأول بينما ألمح زملاء لهم فرادى يتجولون بين الحاجزين الأول والثاني، بالضبط كما يحدث على جسر الجمهورية. وبينما كنت أحاول استطلاع الوضع لفت نظري مفرزة طبية لم أكن قد لاحظتها مساء أمس وتبين بان أفرادها كانوا موجودين منذ نهار أمس لكنهم جوالون وبسبب سوء الوضع تمركزوا في باب مبنى خزينة بغداد ببداية شارع الرشيد.
14 – في الجزرة الوسطية عند مدخل الشارع ووسط تردّدي من النزول الى جرف النهر لاستطلاع الوضع هناك لمحت شاباً منقبا يجلس باسترخاء على رصيف الجزرة الوسطية بمدخل الشارع. فسألته عن وجود شباب في جرف النهر على حافتي الجسر أم لا، وبينما شرع يسرد لي تجمع حولنا ثلاثة شبان تبين أنهم كلهم من جامعة الفراهيدي هو من الاعلام والبقية طلبة تمريض يؤكدون انهم لن يشرعوا بالدوام قريباً بسبب سقوط زملاء لهم شهداء هنا. ولما استفهمت منهم عن سقوط شهداء اليوم عرضوا علي صورة زميل لهم مات اليوم باصابة برأسه واكدوا سقوط ما لا يقل عن أثنين. ثم أكدوا لي بأن الحاجز الأول من الجسر عندهم وكذلك الثاني وانهم بنوا حاجزا لهم يتمترسون خلفه بين الحاجز الثاني والثالث الذي تتمترس خلفه القوات الأمنية. وبينما أردت إنهاء الحديث والمغادرة طلب مني أحدهم التعريف بنفسي وأسباب الاسئلة التي وجهتها لهم، فعرفته بنفسي وطبيعة عملي وتبادلنا أرقام الهواتف ثم غادرتهم.
15 – في الجهة الفاصلة بين مدخل الجسر وساحة الخلاني يبدو المشهد أكثر حركة عنه مساء أمس. فعجلات التكتك تنزل الجسر وتصعد اليه باستمرار لنقل الجرحى. المفرزة الطبية اليتيمة في هذا المكان وجدتها اليوم أكثر سعة ويتحلق حولها شباب يشكلون حاجزاً بشرياً مربعاً لإبعاد الفضوليين ومنح المسعفين مساحة تكفي لممارسة عملهم بما يكفي من هدوء.
16 – في ساحة الخلاني وعلى جانبي الشارع المؤدي الى السنك هناك اكتظاظ كبير اليوم قد يحول المنطقة الى ساحة تحرير أخرى.
17 – وأنا أقف لما يقرب من الساعة في المدخل الى التحرير عند الخلاني اكتب تقريري كنت ألاحظ كثرة الحشود الداخلة الى التحرير والخارجة منها. وهي أكثر من الأيام الماضية بالتأكيد