يوميات ساحة التحرير..قصص حملة (نريد وطن).. بين (تك تك) التحرير وفوتوغراف النفق

يوميات ساحة التحرير..قصص حملة (نريد وطن).. بين (تك تك) التحرير وفوتوغراف النفق

 احمد حداد
لا يقطع صوت التظاهرات في ساحة التحرير، وسط العاصمة بغداد، سوى صوت عجلات الـ"تك تك" التي تقتحم جموع المارة في الساحة وكذلك في النفق المؤدي الى جسر السنك وهي تصدر أصواتا تحذيرية (هورنات) استعارتها من سيارات الإسعاف والشرطة لتنبيه الجموع بضرورة فسح المجال للانتقال بينهم، حتى تكاد تكون الوسيلة الوحيدة المخول لها ان تتجول داخل هذه المناطق، والمرحب بها في كل امكنة الاحتجاجات حتى اطلقت باسمها الشعارات والاغاني تخليدا لدورها في ما يجري.

يستوقفنا محمد صاحب من مواليد عام (1988) وهو صاحب عجلة (تك تك) في ساحة التحرير، وهو ينقل شخصين في عجلته الصغيرة من مكان الى آخر قائلا "إن وزارة النفط أعلنت توفير مادة البنزين لأصحاب عجلات (التك تك)، مجانا من محطة تعبئة الكيلاني، ولكنه كلام كاذب.. فقد ذهبت الآن وملأت خزان وقود التك تك (ستة لترات بنزين) بمبلغ ثلاثة آلاف دينار وانا اعمل مجانا في هذه الساحة"، مبينا "انهم يتهموننا باننا بعثيون ومدعومون من جهات خارجية وانا من مدينة الصدر، فهل هؤلاء المتواجدون ممن أعمارهم دون العشرين عاما بعثيون ولديهم اجندة خارجية ام انهم خرجوا للمطالبة بحقوقهم؟".
ويعكس سائق التك تك جانبا من الوعي في كلامه قائلا إن "من ضمن المطالب توزيع حصة من أموال الشعب على الشعب، فلا توجد دولة في العالم تستطيع ان توظف جميع الشعب والخريجين، ولكن نريد منهم فقط توزيع هذه الحصة على الشعب لأنها من خيرات بلدنا وثرواته وليست هدية من احد". وخلال تجوالنا في ساحة التحرير التي تعج بعجلات التك تك التي أصبحت "ايقونة" هذه الاحتجاجات، التقينا بسائق (تك تك) آخر يدعى إبراهيم كتب على واجهة عجلته "إسعاف" وسألناه عن كيفية توفير الأموال لاسرته وهو متواجد في الساحة فقال " إن عمله في الساحة يكون اشبه بالوجبات مع زملائه فهو يذهب لساعات معينة ليعمل ويسترزق ليكفي لقمة عيش اسرته ومن ثم يعود مرة أخرى للساحة من اجل العمل مجاناً"، مبينا اننا "قرأنا في صفحات فيس بوك اننا نتسلم مبالغ منها 100 دولار يوميا عن وجودنا في الساحة، وكذلك نتسلم مبلغ (50 الف دينار) عن كل جريح ننقله الى المستشفيات وهو كلام هدفه تشويه غايتنا فنحن لا نستجدي من احد وانما نعمل لمصلحة بلدنا فقط ولخدمة إخواننا المتظاهرين ومساعدة اخوتنا في الإسعاف والمفارز الطبية".
في التحرير قصص كثيرة واسفل الجسر المؤدي الى منطقة السنك هناك معرض فوتوغرافي يتسابق فيه الشباب والبنات واغلبهم من طلبة الفنون الجميلة ومتعاونين معهم لرسم صور تمثل حال الاحتجاجات وواقع ما يجري وحملات التنظيف مستمرة وبشكل منتظم في كل مكان تنتشر فيه التظاهرات، وتقول آية طالبة الاعدادية التي تشترك مع عدد من طلبة الفنون الجميلة انها "ترسم لوحة فنية تجسد العراق ومتشحة بالعلم العراقي ومعها أرواح تتصاعد الى السماء، معناها اننا نقدم دماءنا وارواحنا وكل ما نملك من اجل الوطن"، مبينة ان "حقوق هؤلاء المتظاهرين ليست صعبة او مستحيلة فهناك الآلاف ممن خرجوا هم خريجون وحملة شهادات عليا.. الا يحق لهم ان يتم الإفادة منهم في بلدهم؟".
حين تتجول في ساحة التحرير وما يجاورها تجد العديد من القصص، فهناك من جلس ليقرأ كتابا ليثبت ان الاحتجاجات ليست متخلفة او همجية، وهناك من يغني للوطن ويطلق الشعارات الحماسية، وعلى جهة أخرى هناك من يقيم مأتما على أرواح من سقطوا داخل الساحة وهناك من يقرأ القرآن ويشعل الشموع، فيما يعلو الهتاف من فوق البناية المعروفة بالمطعم التركي (جبل احد) شعار "ابطال.. ابطال.. ذولي الـ عالجسر" في محاولة لشد ازر المحتجين الذين يقفون على جسر الجمهورية وهم بمواجهة القوات الأمنية لمنعهم من محاولة تطويقهم. وعلى جسر الجمهورية ببغداد حكاية أخرى، إذ يتجمع خط الدفاع الأول من شباب يرددون هتافات حماسية واغان تشد من ازرهم وهم يقفون على مسافة قريبة من القوات الأمنية التي تتخذ حاجزا مواجها لهم على الجسر الذي انتصف بين الطرفين، وعلى انغام "ياعراق ترجع شي اكيد بحيلك" يضع بعض الشباب شريطا لتنظيم تواجد المحتجين داخل هذه المنطقة "الخطرة" للدخول والخروج منها، كما ينام بعض المصابين على كتل وسواتر ملتحفين ببعض البطانيات، فيما يحمل المتواجدون هناك اعلاما عراقية.
ولفت نظرنا تواجد احد الأشخاص المعاقين والذي يحمل اسم "علي" الذي سألناه عن سبب تواجده في هذا المكان الذي يمكن ان تندلع فيه المواجهات بأية لحظة، فأجاب بـ"إن التغيير يجب ان يحصل ولا نخاف منهم... يجب ان يتغير الحال ولا أخاف من وجودي هنا، فلست اهم من الذين ذهبوا ضحايا من اجل الوطن، وسأبقى هنا حتى نغير بيدنا كل شيء".
اما على جرف نهر دجلة تحت جسر الجمهورية الذي لا يقل أهمية عن الجسر نفسه والمطعم التركي فهناك قصص أخرى، إذ يفترش البعض تحت دعامات الجسر وينقل الغذاء بالصناديق الصغيرة، وآخرون ينقلون كما لعبة (البوبجي) المعروفة المياه والغذاء الى اقرانهم بطرق غريبة لا يعرفها الا هم ومنها عبور الجسر من اسفله لنقل هذه المواد، فيما من يقف على جرف النهر يحفرون الخنادق لمواجهة القنابل المسيلة للدموع ويقول احدهم "اصبحنا بعمرنا هذا الذي لا يتجاوز العشرين مهندسو خنادق"، فيما يهزأ مجموعة من الشباب الذين حفروا خندقا يقودهم شخص اسمه "محمد" بالعمليات الأمنية التي تجري ضدهم قائلا "هذا جيل البوبجي باقون هنا حتى النهاية ولن نبرح اماكننا... تعرفنا على ناس جدد هنا وسنبقى فكل شيء متوفر هنا واصبحنا (نضوج) حينما لا يوجد يوم لا تطلق فيه القنابل المسيلة ونحمل معنا عددا منها حتى نشمها لنشعر بالانتعاش حينما لا تطلقها القوات الأمنية علينا"، مبينا ان "حربا نفسية تشن ضدهم من اجل منع الشباب ان يأتوا الى التظاهرات، فنحن نريد وطن".. وتردد هذه المجموعة التي تعد نموذجا عن حال الموجودين تحت جسر الجمهورية اغان وهتافات وينهوها بضحكات عالية.