حراس مرمى انتفاضة تشرين.. هدّافون أيضا

حراس مرمى انتفاضة تشرين.. هدّافون أيضا

 ماس القيسي
كرات من نار تنفجر حال بلوغها الهدف، بعضها صوتي والآخر مسيل للدموع ومنها ما هو سام، صممت في بعض البلدان لأجل هدف واحد وهو تفريق المتظاهرين المتمردين من الشعوب المنتفضة كما تصفهم حكوماتهم، وعليه فان اطلاقها من قبل القوات الحكومية يجب ان يكون بشكل عمودي نحو السماء لتطلق بدورها دخاناً ساماً خانقاً او صوتاً مدوياً مرعباً مما يسبب حالة من الذعر لدى الشباب المتظاهر وبالتالي تفريقه. لكن ما يثير سخط المحتجين ضد الفساد المستشري في العراق،

هو استخدام القوات الحكومية لتلك القنابل بشكل متعسف وغير قانوني، اذ ترمى افقياً بشكل مباشر باتجاه المتظاهرين، ما قد يؤدي الى حدوث اصابات خطيرة لدى المتظاهر ممكن ان تودي بحياته، تلك الكوارث البشرية تحصل كل يوم تحت مرأى ومسمع الاجهزة الحكومية من دون حسيب او رقيب، في الوقت الذي تصمت وسائل الاعلام عن هذه الجرائم والبعض يتكتم عليها.
وبمرور ايام انتفاضة تشرين وما يعتريها من احداث وتحديات تواجه الحراك الثائر ظهر بعض الفتية من الابطال اخذوا على عاتقهم مسؤولية حماية اخوتهم المتظاهرين، اذ يسرعون وينكبون معهم جنبا الى جنب بالتزامن مع كل حركة، مهمتهم تكمن في مطاردة وصيد تلك القنابل المتفجرة المتوجهة صوبهم ثم اخمادها او اعادة رميها وارجاعها نحو الجهة الرامية. نجدهم يرتدون كل ما يتوفر لديهم من دروع واقية بمثابة خوذ تحمي رؤوسهم قد تكون قبعة مهندس او قناع معدني او حتى صحن استقبال الاشارات (الدش) او قدر طبخ!، وتغطي ايديهم كفوف تقيهم شدة حرارة القنابل التي يتلقونها بكل بسالة. وفي هذا الصدد تَحاورنا مع احد هؤلاء الابطال الاشاوس (دون ذكر اسمه) اذ قال: "انا واخوتي من الشباب الذين يتصدون لرميات قنابل قوات مكافحة الشغب نتعرض لاصابات حروق او كدمات نتيجة اصابتها لنا مباشرة في اي جزء من اجسامنا، ما لم نكن محتمين بواق ضد القنابل من خوذ رأسية او ما شابه، فقد تصيبنا في اقدامنا وتسبب تمزق العضلة او تفجر رأسنا في اسوأ الاحوال". حيث سقط الكثير من الشهداء نتيجة اصابتهم المباشرة بتلك القنابل بالاضافة للرصاص الحي.
الهدف من وراء تضحيات اولئك الابطال من حراس مرمى التحرير وانفاق وجسور بغداد والشوارع العراقية المنتفضة قاطبة، تكمن في نخوتهم واندفاعهم في الدفاع عن اخوتهم من يشاركوهم هذا الحراك السلمي المشرف اذ يعقب الثائر قائلا: "مهمتنا هي الدفاع عن اخوتنا المتظاهرين ومحاولة حمايتهم من تلك القنابل قدر المستطاع تجنبا لحدوث ما لا يحمد عقباه". وعن طريقة استهدافهم بتلك القنابل والتصدي لها يضيف بقوله: "نحن نحاول تصيد تلك القنابل الصوتية او المسيلة للدموع بملاحقتها والتقاطها ومن ثم اخمادها برمي الاغطية عليها او محاولة اعادة تصويبها باتجاه الرامي، انهم يرموننا بها بشكل مباشر وهذا مخالف لمشروعية استخدامها ضدنا". وعلى اثره يكون الثائر المتصدي لهذه الضربات العادية بمثابة حارس مرمى ملعب التحرير وهدّاف منتخب الشعب العراقي على حد سواء.
كما اكد استخدام قنابل جديدة سامة ضد الشباب المنتفض تصيب حالة من الجمود لدى المتظاهر المستهدف في حال لم يتم اسعافه مباشرة ونقله الى احد المفارز الطبية المتواجدة بالقرب بقوله: "منذ يومين ونحن نعثر على قنابل جديدة لم ترم صوبنا من قبل، لون العبوة اخضر او ازرق (كان يحمل بقايا منها اثناء حديثه) وتصدر دخاناً اخضر ساماً. هذه القنبلة ان اصابت احد المتظاهرين تسبب له حالة من الجمود ان لم نسعفه فورا". ويشير الى كون الماء المالح المستخدم في اسعاف المصاب بالاختناق والتسمم غير كاف لمن يتعرض لتلك القنابل المستحدثة مجهولة المصدر والتركيب!.
في بلد اعتاد شعبه على المواجهات والمناورات ضد اعداء من خارج الوطن تارة ومن داخله تارة اخرى. لا يمكن ان يستسلم مهما دار الزمن وكشر عن انيابه، فلا يمكن لثائر شاب عاري الصدر ملتحف بعلم بلاده ان يكسره او يردعه كائن من يكون واي جهة دخيلة كانت. هذا الوطن لكل عراقي شريف وسيبقى صامداَ بجهود ابنائه البواسل.