ليل ساحة التحرير..هتافات في حب الوطن وبكاء على الشهداء

ليل ساحة التحرير..هتافات في حب الوطن وبكاء على الشهداء

لا يوجد مكان أكثر ترحيباً بالمتظاهرين العراقيين، من ساحة التحرير والأزقة والمباني المجاورة لها في بغداد، فمنذ عشرين يومًا تعيش المنطقة مهرجاناً مفتوحاً، لتوزيع جرع الوطنية والسلام ولعن الطائفية والعنصرية.
يؤكد محمد سعدي، أحد متظاهري الساحة، أنها تضج بالبكاء والقصائد والنثر والغناء والتعارف، والتقارب بين مختلف العراقيين في جيل قد يكون نواة لتأسيس عراق قوي وسيد، ولاؤه للعراق لا لغيره.

ويضيف سعدي: "منذ 16 عامًا كانت هناك تغذية طائفية وكراهية وشحن بكل ما هو سلبي على يد الأحزاب، نتمنى أن تبقى ساحة التحرير هكذا، لأنها مثل قطرة عطر تنتشر بشكل تدريجي في العراق كله".
وتروى في المجاميع الشبابية التي تتكون كل ليلة عادة النكات والقصص الخيالية والتاريخية، بعضها عن شكوى وألم وحزن وبعضها غناء وفرح ورقص، وأخرى تأبين لضحايا سقطوا في الساحة أو غيرها من ساحات العراق المتظاهر، وفقًا لكريمة أحمد (32 عاماً).
وتقول أحمد "هذه ثاني مرة آتي فيها إلى هنا مع والدي، المكان صحي وهو أكثر أمناً من أي مكان آخر، وفيه الشبان الأكثر حباً للعراق، ولولا حبهم ما خرجوا".
ويعتبر قضاء الليل بالغناء والشعر، في أروقة مبنى المطعم التركي الذي أطلق عليه المتظاهرون اسم "جبل أحد"، عامل جذب مهم لمن يصل إلى ساحة التحرير، ليرى قصة صمود المتظاهرين وكيف يقضون ليلهم.
ويقول مصطفى هيكل (19 عاماً) "تعرضت للإصابة مرتين، وعلى الرغم من التحديات التي نواجهها في ساحة التحرير، وخصوصًا الحاجز الأول (ساتر الصد)، إلا أنّ الليل هنا له نكهة خاصة، حيث ننسى الألم من خلال الغناء عن حب الوطن".
ويضيف هيكل: "ظهرت هنا في ساحة التحرير مواهب عراقية كبيرة، كالرسم والشعر والغناء، حتى بادرنا كمجاميع للعمل ضمن الاختصاصات، فالرسام يزين الجدران باللوحات التي تحاكي قضيتنا، والشاعر يكتب الأهازيج للمتظاهرين والعازفين والمطربين، هكذا نقضي الليل في ساحة التحرير".
ويقول يحيى حيدر (24 عاماً) لـ "العربي الجديد": "نحن أصحاب قضية، وقضيتنا الوطن، فعلى الرغم من الألم والإصابات والأعداد الكبيرة من الشهداء الذين نزفهم كل يوم قرباناً للوطن، لكنّ ليلنا مختلف حيث نتسامر بالغناء والشعر الجميل، ونردد أغنية (موطني) قبل النوم، وعليها نغفو آملين أن يطلع الصباح على وطن نبتغيه".
كما يوضح حيدر اسماعيل (23 عاماً) "بعد الغاز المسيل للدموع والدخانيات والصوتيات (مجموعة من المقذوفات التي تطلقها قوات مكافحة الشغب على المتظاهرين)، نقضي ليلنا بالغناء عن حب الوطن، ونغفو على كلام طيب وعمل مشترك، حتى صارت ساحة التحرير وكل محيطها منارة يقصدها الكثيرون ممن لم يواكبوا مسيرتنا لأي سبب كان، فقط ليشاهدوا قصص الإبداع والصمود والتحدي".
ويؤكد محمد صبيح (22 عاماً) أنه أحد المتظاهرين الذين أقسموا ألا يعودوا إلى البيت حتى "يأخذوا حقهم"، وأضاف: "الموت بشرف خير من الموت ذليلاً، وعلى الرغم من التعب اليومي إلا أنّ ليلنا مختلف، ليلنا كليالي بغداد القديمة، شعر وغناء ورسم، ويمكن مشاهدة ذلك في التغيير الذي أحدثناه في نفق التحرير وجدران المطعم التركي، بالإضافة إلى عمليات التنظيف المستمرة ليلاً ونهاراً".