طرائف اللقاء بين نوري السعيد والشيخ امجد الزهاوي

طرائف اللقاء بين نوري السعيد والشيخ امجد الزهاوي

د . مجول محمد العكيدي
عرض نوري السعيد في عام 1933 رئاسة مجلس التمييز الشرعي ( السني ) على الشيخ امجد الزهاوي الزهاوي الا انه لم يوافق اذ قال الزهاوي للسعيد : (( افندي نحن لا نتفق مع بعضنا أنتم تريدون شيئاً والشرع يريد شيء آخراً وليس لدي استعداد بأن اخرج عن حدود الشرع ابدا..)) فقال له السعيد : ((يا شيخ أمجد اشتغل كما تريد)).

كان الزهاوي يعمل مدرساً في مدرسة نجيب باشا براتب قدره ستة دنانير في حين كان الراتب المخصص له في رئاسة المجلس ستون دينار ولكن الزهاوي فضل العمل في المدرسة على العمل في المجلس بداية الامر الا انه قبل بالعمل فيه بعد الحاح شديد عليه من قبل بعض علماء الدين لذلك صدرت ارادة ملكية بتعيين الزهاوي رئيساً لمجلس التمييز الشرعي (السني) بتاريخ التاسع من ايلول عام 1933 وكان تعيين الزهاوي بذلك المنصب موضع استغراب بعض اعضائه وابرزهم قاسم القيسي ونافع المصرف ومحمد سعيد الراوي لكونهم اكبر منه سناً الا ان ذلك لا يعني بأي حال من الاحوال عدم جاهزية الزهاوي او عدم قدرته على تولي ذلك الواجب بل اعترفوا بكفاءة الزهاوي وبعد توليه رئاسة مجلس التمييز الشرعي كانت توجيهاته لطلب النصوص جعل الاعضاء لا يعدلون عنها فكان لا يقبل القول من كل قائل مما جعل خطته في عمل المجلس تسير بنظام مما ولد نشاطاً في التعقيب العلمي وصار لا يقبل قولاً دون استدلال بنص مقبول موافق للحدث وفي ايام رئاسته للمجلس انتظم عمل المجلس ولكن عمل الزهاوي لم يكن خالياً من الصعوبات ابرزها تدخل البلاط الملكي انذاك في شؤون المجلس ففي احد الايام قام السعيد بزيارة الزهاوي في مجلسه للتوسط لديه في قضية تتعلق باحد أصدقاء السعيد فعندما علم الشيخ بموعد حضور السعيد خرج من غرفته يجدد وضوءه وتأخر عنه ولم يستقبل السعيد الذي كان قد خرج ذاكراً ربما عهده للزهاوي عندما عرض عليه رئاسة المجلس ومن الصعوبات الاخرى التي واجهت الزهاوي في عمله تعمد البلاط وبالتعاون مع وزير العدلية محمود صبحي الدفتري تكليف الزهاوي بمهمات خارج العراق لتمرير بعض القضايا التي ترجع بعائديتها الى بعض الساسة العراقيين وكذلك للوصي عبد الاله واسناد رئاسة المجلس لبعض الشخصيات التي كانت لا تستطيع الوقوف بوجه ارادة الحكومة او الوصي على العرش ومن ابرزهم صالح الراوي الذي اصبح رئيساً له في العاشر من كانون الاول 1939 او عندما يكون الزهاوي خصماً عنيداً في قضية تعود لاحد المسؤولين وهو ما حدث في قضية تولية (احمد وجمال) ابناء محمود المتولي على اوقاف سلمان الفارسي . من ابرز القضايا المعروضة في المجلس قضية اليهودي والوصي على العرش . اذ كانت لاحد اليهود في بغداد قطعة ارض تجاور أرض تعود للوصي عبد الاله فاخذها منه الوصي مما اضطر اليهودي الى تقديم شكوى ضد الوصي ، فصدر الحكم لصالح الوصي، الا ان اليهودي قام بتمييز الدعوى وعرضها على الزهاوي . وعلى الرغم من توسط بعض اصدقاء الزهاوي لجعله يصادق على قرار الحكم ارضاءً للوصي لم يوافق بقوله : (( لا يهمني رضاء الوصي ، بل يهمني رضاء رب الوصي..)) وعند دراسته تلك القضية وجد الزهاوي أن الحق بجانب اليهودي فنقض قرار الحكم الاول واعاد الارض لليهودي . بعث الوصي عبد الاله احد موظفي البلاط الى الزهاوي وابلغه رسالة بان الوصي لا يمكن ان يتنازل عن قطعة الارض لانه كان يمثل اكبر سلطة سياسية انذاك على حسب الرسالة الني وجهها للزهاوي وقد رد الزهاوي على تلك الرسالة بالقول ..(( الشرع اكبر من الوصي)).
في عام 1946 بلغ الزهاوي السن القانوني للتقاعد وكانت هذه فرصة للتخلص منه من قبل الجهات المسؤولة بسبب التصلب الذي عرف عنه في مواقفه تجاه تدخلات بعض الساسة العراقيين في عمله وقد استخدمت تلك الجهات اساليب عديدة لكي تجعله يترك العمل منها عدم ترقيته وابقاء راتبه كما هو ستون ديناراً ولمدة أحد عشرة عاماً كما كان للجهات المسؤولة اغراض عديدة لاخراجه من عمله أدرك الزهاوي وبعد ان رأى في مواقفه المتصلبة في بعض القضايا التي أنتصر فيها للحق بانه اصبح محارباً لذلك قرر تقديم تقاعده وكان ذلك القرار موضع استغراب الاوساط القانونية والصحفية التي أثارت ضجة ابرزها المقال الذي كتبه خالد الدرة بعنوان (لمحات امجد افندي) في مجلة الوادي جاء فيه .. ((من هو الرجل الذي اخرجته الحكومة لبلوغه سن التقاعد ؟ ! لقد اخرجت استاذ العراق الكبير الذي ينعم بنزاهة الصالحين من رجال الدين ، وهو رمز للعلماء والاخصائيين بالشؤون الشرعية الفقهية والذي نشهد له وشهد له رجال العدل معنا بان القضاء العراقي بحاجة ماسة اليه الى آخر لحظة من لحظات حياته لقد أحالوا السيد الزهاوي على التقاعد وقد خسر القضاء العراقي خسارة لا تعوض .. كان الواجب على الحكومة ان تحتفظ بهم ريثما تتمكن من تهيئة من يقوم مقامهم من امثال الزهاوي والاستاذ داود سمرة..).
عن: رسالة (الشيخ امجد الزهاوي)