التكتك سلاحنا

التكتك سلاحنا

 علاء حسن
يوم التاسع من نيسان عام ألفين وثلاثة يعد بنظر الكثيرين حدثاً مفصلياً في تاريخ العراق المعاصر ، وبعد مرور ستة عشر عاماً وبالتحديد في الخامس والعشرين من تشرين الأول اندلعت انتفاضة وهي بادرة ثورة اختزلت المطالب الشعبية بشعار "أريد وطن" أريد وطناً معافى، مستقل الإرادة يقوده رجال دولة من الصنف الوطني ، لم يلدوا من رحم القائمة الانتخابية المغلقة ، غير مرتبطين بجهات خارجية وإقليمية كانت السبب الرئيس في خراب العراق وحرمان شعبه من ثرواته.

انتفاضة تشرين بوصفها ثورة غير تقليدية لم يعرف التاريخ السياسي العراقي مثيلها ، رفضت الأيدولوجيات الهرمة وقادة و"رموز" أحزاب شاركت في الحكومات المتعاقبة، ادعت بأنها صاحبة القرار فأدخلت البلاد في نفق مظلم وجعلت شعبها يعيش في ظلامه.
ثورة تشرين الشبابية أفرزت نتائج في مقدمتها عزل الطبقة السياسية بكل وجوهها ، وجعلتها تتوارى عن الأنظار ليس من الخجل والحياء، بل من أجل أن ينظر السياسي أو رجل السلطة الى المشهد من ثقب باب غرفته أو مكتبه الواقع في مبنى من عقارات الدولة، وحين يرد على اتصال هاتفي من إحدى الفضائيات يعلن وبقوة إنه وقيادة حزبه يدعم مطالب المتظاهرين المشروعة ويُشدد على المفردة الأخيرة بقدر تحذيره من المندسين ويدعو إلى شمولهم بمادة "أربعة مندس" على غرار التهمة الجاهزة أربعة إرهاب . هذا النموذج ومثله آلاف غيره سيطروا على المشهد السياسي بعد عام الفين وثلاثة، فجأة قفز من الركن المهمل الى صدارة المشهد، أو جاء مع غيره من دولة منفاه بوصفه مناضلاً قارع الديكتاتورية ،وتناسى أنه دخل الى بغداد بأكذوبة أميركية بادعاء تدمير أسلحة الدمار الشامل .
"نريد وطن" شعار الثوار الشباب ،اختزل مرحلة عصيبة بمفردتين تفضح طبقة سياسية تآمرت على شعبها سرقت ثرواته وبدّدتها ، قضت على ما تبقى من مظاهر الدولة ، استولت على الوظائف الحكومية حين منحتها لإتباعها حتى جعلت خريجي الجامعات يجرون عرباتهم في الأسواق مؤجلين تحقيق أحلامهم . طبقة سياسية زجت مليشياتها في المؤسسة العسكرية بالضباط الدمج ، طبقة سياسية كانت سبباً في سيطرة تنظيم داعش على ثُلث مساحة العراق . الإنجاز الوحيد المتحقق للطبقة السياسية الحالية ،إنها أصرت على بث الأذان من التلفزيون الرسمي وفيه عبارة علي ولي الله في محاولة لخداع مكون اجتماعي بأن ساسته من أبناء القائمة المغلقة سيحمون الدين والمذهب ويعيدون تصحيح التأريخ واستعادة حق مسروق منذ مئات السنين.
ثورة الخامس والعشرين من تشرين بصرخة شبابها "نريد وطن " أعادت تماسك وحدة المجتمع طهرت أجواء البلاد من رائحة الطائفية الكريهة وأثبتت بأن سنوات العنف الطائفي بكل مآسيها كانت تحركها أدوات سياسية معروفة ، ثم اتفقت على خوض جولات تفاوض لتقاسم المناصب والمغانم .
في أيام اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السودان وارتفاع هتاف الشعب يريد إسقاط النظام قال رجل من ابناء قرية الرئيس السابق البشير "يا زول" أي يا رجل افسح لي الطريق لأدخل الى القصر الجمهوري ممتطياً حماري لكي أنقذك، وأعيدك الى قريتك سالماً مكرماً راكباً حماري ، البشير ومثله كثيرون من الزعماء العرب أصرّ على عناده ورفض ركوب الحمار والهروب تحت ستار الليل الى قريته ، وبعد يومين انتهى به المطاف وهو القائد العام للقوات المسلح في أقرب مركز للشرطة بزنزانة خالية من المرافق الصحية.
ثورة الشباب العراقي بلا شك سوف تنتصر وتنقل الساسة والرموز من المنطقة الخضراء بعربات التكتك الى مقر الشعبة الخامسة ، وقتذاك لم تنفع مناشدة الرجل السوداني يازول ياريس.