قصة أبطال جبل أحد (قلعة الأحرار) منذ تاريخ 25 أكتوبر

قصة أبطال جبل أحد (قلعة الأحرار) منذ تاريخ 25 أكتوبر

 ماس القيسي
شباب يعاهدون أنفسهم أمام الله والوطن بمواصلة مسيرة الانتفاضة، التي اندلعت في أول تشرين الأول ، فكان الموعد بالتجهيز لتحشيد مليوني يقام على أرض التحرير بتاريخ ،25 حيث بدأت حكاية جديدة غامضة ومثيرة للفت انتباه العالم أجمع عبر الوكالات الإعلامية. حكاية بناء مهجور لعدة سنوات منذ سنة 2003، بناء لم يكن بحسبان كل من مر منه يوماً بأنه سيصبح ذات حين رمزاً وطنياً يتغنى به كل ثائر حر.

إنه بناء المطعم التركي السابق المطل على ساحة التحرير في العاصمة بغداد أو كما يعرفه المرابطون بين أزقته وطوابقه بجبل أحد أو قلعة الاحرار.
أحد الأبطال المعتصمين في (جبل أحد) حدّثنا عن بدايات حكاية هذا المبنى (الذي امتنع عن ذكر اسمه) قائلاً:" مثلي مثل أي مواطن متظاهر حين عدنا لساحات التظاهر بتاريخ 25 تشرين الأول ولتجنب تكرار ما حدث في أول الانتفاضة مطلع الشهر، من قمع للمتظاهرين، قررنا التوجه مباشرة الى المطعم التركي. لم يكن ببالنا بادئ الأمر أن المطعم سيصبح بمثابة قبلة يتطلع اليها العالم بأسره". وعن سبب اختيار المتظاهرين لمبنى المطعم التركي يقول:" منذ اندلاع الاحتجاجات وقوات مكافحة الشغب تسيطر على هذا المبنى وتستخدمه لاستهداف التظاهرات، إذ اكتشفنا أماكن تواجد القناصين الذين كانوا يرمون المحتجين هنا، حيث وجدنا آثار الذخيرة المستخدمة ضدنا. من خلال تمركزنا هنا سنتمكن من السيطرة على كل مجريات تظاهرتنا السلمية في ساحة التحرير".
بناية أشبه بلعبة الاحاجي والمتاهات تستوجب دراية لمفاتيح ممراتها وغرفها، كما يعبر المتحدث باسم المعتصمين فيها قائلاً" أقولها صراحة عند دخولنا الى هنا اندهشنا بسرية غموض هذا المكان الذي لا يعرف سره سوى الله وصدام حسين! فقد كان وزارة في السابق ثم تحوّل الى مطعم. غموضه يكمن في تصميمه فهو مكون من عدة طوابق تحوي غرفاً وممرات إذ كان القناصون يتواجدون في الطوابق العليا بينما من يرمينا بالقنابل المسيلة بالدموع كانوا يستخدمون الطابق رقم 13 و الطابق الثاني".
وعن كيفية السيطرة على مبنى المطعم من قبل المتظاهرين يقول أحد المعتصمين: " استطعنا الدخول الى المبنى، حين كانت القوات متواجدة على جسر الجمهورية ثم توجهوا صوبنا تدريجيا وعبروا الجسر بالوقت الذي كنا فيه قد وصلنا ودخلنا المبنى مساء يوم السبت المصادف 25، ثم وصلوا وقاموا بحرق الطابق الاول ونحن بالمقابل (دفاعاً عن النفس) كنا نرمي الحجر لإبعادهم وهكذا بقينا صامدين حتى سيطرنا على المبنى بمساعدة المتظاهرين في ساحة التحرير". وعن أحداث اليوم التالي عقب قائلا:" في يوم 26 تمكنت قوات مكافحة الشغب من إعادة السيطرة على الساتر الأول قرب الجسر وقمنا نحن بدورنا بتحصين أنفسنا من خلال إقامة درع يحيط بنا باستخدام الحديد وما شابه، بينما هم يواصلون رمينا بالقنابل الدخانية الممتدة لمسافة قريبة منا تصل لنصب الحرية، وبسبب تزايد أعدادنا استطعنا السيطرة على الساتر الأول في حين تراجعوا هم الى الساتر الثاني".
بناء مهجور يفتقر لكل مقومات الحياة، قام المعتصمون بمحاولة تنظيمه وتأهليه ليناسب احتياجاتهم قدر الإمكان وبهذا الشأن يقول المتحدث:" بمرور الأيام بدأنا بتنظيم المطعم. حقيقة إن كل من يتواجد هنا من الشباب هو متظاهر و يقدم خدمات للمتظاهرين في الساحة أيضاً" وعن كيفية توزيع المتواجدين بكل مكان في الساحة او المبنى يعقب:" كل منا له موقعه المحدد الثابت، مثلاً أصحاب المخيمات المتمركزة خلف نصب الحرية وبجواره وفي محيط الساحة، لا يغادرون مكانهم، وكذلك نحن المعتصمين هنا داخل المبنى نتكون من مجموعتين نقوم بالتناوب على التواجد صباحاً ومساءً، إذ كنا فقط أربعة أو خمسة اشخاص في البداية نقوم بمحاولة تنظيم المسير على أدراج المبنى الذي لم نكن على دراية مسبقة به، حتى استوضحت الأمور واستطعنا السيطرة على كل ما يجري".
آراء متضاربة حول مبنى المطعم التركي الذي بات حديث يشغل العراقيين المتابعين لانتفاضة تشرين ومجريات أحداثها، فمنهم من يقول إن هذا المبنى يسيطر عليه بعض الشباب المتمرد ممن يحصنون أنفسهم ويمنعون الآخرين من زيارته، وبهذا الصدد يعلق المتحدث بقوله:" نحن هنا ثوار لأجل قضية سامية وهي الوطن بعيداً عن كل ما يقال أو يشاع بخصوصنا، أما بخصوص المطعم فهو متاح للجميع نحن فقط كنا نحاول تنظيم الأمور، تجنباً لوقوع أي مشكلة وحرصاً منا على سلامة الزوار. نعلم جيداً أن هذا المبنى هو أهم نقطة أساسية في هذه الساحة، والانتفاضة العراقية عموماً حيث أصبح محط أنظار العالم".
وفيما يخص السبب وراء تسمية هذا المبنى ب (جبل أحد) يقول المتحدث:" كانت عبارة عن دعابة مرتبطة بأحد أحداث فيلم الرسالة الإسلامي الشهير، أتت نتيجة لقرار من بعضنا بالنزول وترك المطعم مما يسبب الهجوم المضاد علينا والسيطرة عليه من قبل القوات من جديد وهذا ما لا نريده حتماً. ثم اسميناه لاحقا بقلعة الأحرار". وعن الأعمال والمساهمات في تأهيل المبنى يقول:" نشكر كل النشطاء المدنيين من الطلاب وغيرهم ممن يدعمونا بحملات تنظيف وتأهيل. بالإضافة الى الأنشطة الفنية من رسم على الجدران وغيرها، كلها ساهمت في حثنا على الثبات والاصرار". دعم متواصل يصل المعتصمين كما يقول": يصلنا دعم من الجاليات العراقية المتواجدة في الخارج بالإضافة الى أهلنا هنا لأن كل العراقيين الشرفاء يؤمنون بقضيتنا، قضية وطن حر للجميع".
تحديات وصعوبات واجهت المقيمين في صرح التحرير كما يقول:" نحن شباب من مختلف الفئات العمرية والطبقية، فليس من المعقول أن ينتشر عنا ما هو مسيء بسبب مشكلات صغيرة تحصل هنا وهناك وفي أي مكان في المجتمع. نحن مجتمع عراقي صغير متأخٍ متآصر يساند بعضه البعض" مؤكداً على وجود حالات إندساس لاقتناص الفرص ونقل الشائعات المغرضة بهدف زعزعة الثورة وإحباط معنويات الثائرين كما حصل عندما احترق أحد طوابق المبنى نتيجة خطأ، وكذلك العبوة التي زرعت مستهدفة متظاهري التحرير.
المشرف المسؤول عن المنصة (المسرح) التي تشهد فعاليات تحث الناس من متظاهري وزوار التحرير على الحماس الوطني الثوري يقول:" هذه المنصة ليست تابعة لأي حزب أو تيار سياسي أو ديني، وإنما منصة وطنية عراقية تستقبل كل الناس للمشاركة بأنشطتهم من أناشيد، وقصائد، وأشعار، وأي فعالية ثقافية توعوية حصرأ". مؤكداً على توظيف منصة المبنى لحث وتشجيع وبث الحماس الوطني لدى كل المتظاهرين في الساحة. وعن عدم وجود تنظيم للتظاهر بواسطة قيادات معينة يقول:" المظاهرة عراقية بحتة لا تحتاج لقائد فكل منا هو قائد بحد ذاته، لأن كل الشعب العراقي متوحد على مطلب وحيد وهو تغيير نظام الحكم". مشيراً الى أن حضور الناس بحد ذاته هو دعم معنوي يساهم في مواصلة المضي قدماً لتحقيق الهدف الاسمى باسترداد الوطن بالطرق السلمية.
بناية لم تكن فارغة آنذاك بل كانت شاهدة على جرائم كل قناص سمح له ضميره الميت أن يصيب أخيه بطلق ناري في رأسه فيرديه شهيداً، حوّلها أبطال انتفاضة تشرين الى قلعة أبية تتصدى لكل من يجابه هذا الحراك السلمي الثوري المشرف، قلعة مسلحة بالصمود والتحدي والإيمان باستعادة هوية وكرامة وطن مسلوب.