العلوج: في ذاكرة العراقيين.. المأساة والمَسْخَرة..!

العلوج: في ذاكرة العراقيين.. المأساة والمَسْخَرة..!

 يكتبها : متظاهر
بغض النظر عن معنى العلوج قاموسياً، فإن الغالبية العظمى من العراقيين وربما العرب لم تعرف معنىً لها. وظل يتردد ايام محمد سعيد الصحاف على اساس انه توصيف للإمريكان الذين كان يتابع تحركاتهم العسكرية وهم يخترقون الدفاعات العراقية ويقتربون من بغداد ثم يدخلونها، ولا ينقطع الصحاف عن نعتهم بالعلوج "الجبناء، الأراذل"، دون أن يعرف أن سيده صدام وأركان حكمه قد تسللوا خارج العاصمة هاربين، وأن الدبابات الاميركية صارت على بعد خطوات من الفندق الذي اتخذ منه الصحاف مركزاً اعلامياً له.

ومن المفارقات التي جعلت من الصحاف في نظر العراقيين موضوعاً للتندر والسخرية، وصفه للمعارك "الطاحنة" البطولية في مطار بغداد حيث يتكبد العدو الأمريكي خسائر فادحة قد تؤدي الى هزيمته، والقنوات التلفزيونية العالمية التي كانت تنقل مؤتمره الصحفي، تلتقط صور الدبابات الاميركية وهي تتموضع على مقربة منه.
لقد استخدم الصحاف "العلوج" في وصف الأمريكان، مع أن الصحابي عمر بن الخطاب هو من استخدمه لوصف الفرس "الكفار" ويحذر المسلمين من دخولهم المدينة!. وبدلاً من اهتمام المشاهدين بما يواجه عاصمتهم من خطر سقوطها، اصبحت المؤتمرات الصحفية للناطق الرسمي للقيادة العراقية فسحة للفكاهة والسخرية. حتى أن الصحافة الاميركية نشرت فيما بعد تصريحا للرئيس جورج بوش انه أوصى مساعديه بإخباره عند ظهور الصحاف ليتابعه حتى وان كان في اجتماع رئاسي لانها فرصة للاسترخاء والضحك. بل صار هو ومساعدوه يحفظون عن ظهر قلب كلمة العلوج ..
استعاد العراقيون مهزلة تلك الايام ومأساتها، هذه الايام وهم يتابعون تصريحات السيد اللواء عبد الكريم خلف. ولا مجال للمقارنة بينهما، فالأخير شخصية تولّت مسؤوليات قيادية أمنية في "العراق الجديد"، ولا يضعف من مساهمته تلك تحوله الى محلل سياسي ناقدٍ "جريء" للأوضاع السياسية في البلاد بعد أن أحيل على التقاعد في نهاية ولاية نوري المالكي، بسبب تصريحٍ رآه المالكي مجانباً للحقيقة .!
ولا ينكر من له بصيرة ان المسؤولية وكرسي الحكم السحري لدى البعض لها موجباتها وقد تقتضي تجاوزٍ كل المحرمات والخطوط الحمر الفاصلة بين الصح والخطأ، وبين الضمير والوجاهة ومتطلبات المنصب.
ومثل هذا الترابط بين الكرسي الوظيفي وموجباتها المحرّمة لا يسود إلا في البلدان غير الديمقراطية أو الشمولية والمستبدة ، حيث الموالاة فوق كل اعتبارات الكفاءة والنزاهة والوطنية.
ودون اي محاولة للإساءة الشخصية للسيد اللواء، خصوصاً انه لم يعد الوحيد فيما تلاقفته الالسن ومواقع التواصل الاجتماعي، في الإنكار والتحوير والتدوير والاستخفاف بالوقائع والحقائق، حتى وإن تناول وقائع قتلٍ تطال العشرات وإصاباتٍ تسببت بالإعاقة للمئات وجروحٍ تُلحق الأذى بالآلاف، وتوصيف لأساليب القتل، وأدواتها مثل القنابل المسيّلة للدموع المُحَرّمة دولياً، كَذّب وزير الدفاع شراءها من قبل الوزارة او اي جهة حكومية .
الرصاص مازال يحصد مئات الجرحى والارواح يومياً واللواء الناطق ينكر وقائعها او يستنكر المبالغة في إيرادها، ويؤكد ان جهة خفية "شبحية" تقف وراء فعلها والمبالغة في إشاعتها، وأن اي مسؤول في الدولة لم يصدر قراراً باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين. كل هذا يتراجع أمام حكايته الهزلية التي تشير الى أن إدارة المستشفيات تؤكد أن المتظاهرين يجرحون أنفسهم ويذهبون للعلاج ثم ينشرون اخباراً كاذبة عن وفاتهم.! ولم يتوان عن الفات نظر العراقيين الى أن المعتصمين في التحرير يتخذون من المطعم التركي "مصنعاً" لقنابل المولوتوف، وفاته أن يذكر اكذوبة شراذم البعث في الخارج عن ان رفاقهم يتخذون من الطابق السابع مقراً لهم .
ولكي لا يبقى اللواء خلف وحده يتلقى سهام "مشوهي صورته وسمعته" إنضم اليه وزير الصحة جعفر علاوي ليصرح أن عدد القتلى لم يتجاوز 111 "شهيداً"!.
التغريدات الأكثر انتشاراً في مواقع التواصل الاجتماعي هي تلك التي ذكرت أن الهدف الثاني في مرمى الفريق الكروي الإيراني ليس صحيحًا، ليضيف اليها مغرد آخر.. أن اللعبة كلها مجرد إشاعة من فعل طرفٍ ثالث..
وقد دفع الامر بالنشطاء الى اطلاق هاشتاك "غرد مثل خلف" للسخرية من تصريحات الناطق.. حيث تداول النشطاء تغريدات ساخرة من عينة: المتظاهرون في المطعم التركي متهمون بإرسال طائرات مسيرة ترمي القوات الأمنية بالغازات المسيلة للدموع.. وقد انضم الدعبل لهاشتاك السخرية حيث انتشرت تغريدات تقول: تم استخدام أسلحة محرمة دوليا من قبل المتظاهرين أمثال الدعبل والمصيادة.. تم انشاء مفاعل نووي من قبل المتظاهرين في المطعم التركي الطابق السادس تحديداً وتفيد التقارير بان المواد الاولية لإنشاء هذا المفاعل من المحتمل ان تكون بهارات دولمة و كباب عروك خطيرة هندية الصنع.
السؤال، هل يعرف السيد اللواء ان الموقع المسؤول لن يعفي من يتلاعب بالحقائق من المساءلة حول أقواله مع مضي الزمن ؟! ...