حكاية متظاهر ..سائق تكتك يدفع ثمن تضامنه وإسعافه لجرحى التحرير من مصدر رزقه الوحيد

حكاية متظاهر ..سائق تكتك يدفع ثمن تضامنه وإسعافه لجرحى التحرير من مصدر رزقه الوحيد

 ماس القيسي
مواطن بسيط كأي مواطن عراقي آخر عانى ما عاناه وهو يعيش في وطن مسلوب، لا هوية تحدده ولا أمن يحفظ أبناءه ولا استقرار يحقق لهم أبسط الحقوق من متطلبات الحياة اليومية التي تجعلهم يعيشون بكرامة مثل أي إنسان آخر على وجه الأرض، يقرر رغم فقده لإخوته، شهداء في فترة الحرب العراقية ضد متطرفي داعش، أن يغامر بروح متحمسة منسجمة مع الحراك الشعبي السلمي لأبناء وطنه فيفقد عربته التي تؤمن له لقمة العيش.

كان كل ذنب سائق التك تك إنه مواطن عراقي مدفوع بحب الوطن ونخوته لإسعاف إخوته الجرحى من المتظاهرين السلميين الذي يجوبون الطرق المؤدية للجسور والانفاق بجوار ساحة التحرير، مطالبين بحقوقهم المشروعة على مدار أيام الانتفاضة منذ الخامس والعشرين من اكتوبر، وهناك في أحد أيام المناورات ما بين القوات والمتظاهرين يحصل مالم يتوقعه بقوله:" منذ يومين كنت متواجداً مع عربتي على جسر الأحرار حين توجه صوبي خمسة عشر شخصاً و قاموا بحرق عربتي أمام عيني، باستخدام البنزين و عدد من الأغطية رموها بداخل العربة وتركوها تشتعل ". مؤكداً على أن هذا الفعل الشنيع كان بسبب إسعافه للجرحى ونقله للشهداء.
وفيما يخص الجهة المسؤولة أو هوية هؤلاء الاشخاص الذين قاموا بحرق عربة التكتك يقول صاحبها :" بعضهم يرتدي الزي الاسود وآخرون بالزي العسكري، خرجوا إلي من أحد الازقة الضيقة وقالوا لي بالحرف الواحد (انظر اليها سوف نحرقها أمام عينك !)". وعن محاولته لإنقاذ الموقف اخبرنا :" لم استطع فعل أي شيء إزاء ذلك فقد رموا علي رصاصاً (مطاطياً) اصابتني في قدمي عندما حاولت الدفاع عن نفسي وعربتي، فقد تشابكت معهم ثم هربت".
سائقو عربة التكتك، منهم من يقوم بإسعاف الجرحى من ثوار الانتفاضة، ومنهم من يندس بين المنتفضين لينقل جرحاهم بعيداً الى جهة مجهولة المصدر، ليتم تصفيتهم، هذا ما أشار إليه في حديثه قائلاً:" بعض أصحاب عربات التكتك لا يقومون بإسعاف الجرحى وإنما يتم نقلهم الى جهات مجهولة بهدف قتلهم، كما تم نشر معلومات وصور لمندس ذو عربة تك تك حمراء اللون على أحد مواقع التواصل الاجتماعي" إذ هناك من يستغل هذه الثقافة المنتشرة في خضم أحداث الثورة والأمان والثقة التي تمنح لسائقي التك تك من قبل المتظاهرين، منوهاً الى ضرورة توخي الحذر والانتباه لمثل هذه الحالات الفردية.
تبرعات يقوم بجمعها وهو يجلس في عربته الحزينة التي تحكي مأساة تروي قصص لعب دور البطولة فيها سائق ومسعف ومتظاهر، في قلب ساحة التحرير بين العابرين من زوراها وثوارها، على أمل أن ينال مبلغاً مالياً كافياً لاستبدالها، إذ يقول بهذا الصدد :" أحاول جمع التبرعات فأنا لا أملك مالاً لشراء عربة أخرى بديلة، إذ أن العربة المستخدمة تكلف ما يقارب 500، 2مليون دينار عراقي، بينما الجديدة تكلف500، 3". مشيراً الى انه لم يحصل حتى الآن إلا على 500 ألف دينار ويتأمل بدعمه بالمزيد.
وعن ظروف حياته المعيشية يقول متألما:" أنا وحيد الآن بعد أن فقدت إخوتي في حربنا ضد قوات داعش الارهابية، واقيم مع والدتي في منزل مؤجر. كما إني مريض أعاني من الربو، وقد خدمت بلادي ست سنوات فأنا من مواليد 1979 " وعند سؤاله عن كيفية العيش بعد كل هذا، ختم حديثه باكياً، بعبارة تزلزل الأرض من تحت أقدام عديمي الضمير بقوله:" الله موجود".
قصة موجعة من مئات بل آلاف قصص أفراد الشعب العراقي المنكوب، التي إن أردنا توثيقها لن يكون هناك وقت متسع ولا جهد كافٍ لنخبر العالم بها. لكن هل يا ترى ستكون حكاياتنا كافية لتوجع ضمير العالم في سبيل أن يستفيق ويبصر الدم النازف والبؤس الناتج عن كل تلك المآسي التي اثقلت كاهل الوطن!.