نجم «المقالة المسموعة!»

نجم «المقالة المسموعة!»

يوسف العاني
من الشخصيات الأدبية والاجتماعية والسياسية الحبيبة الى الناس جميعاً وعلى مختلف مستوياتهم..
والتي ظلت في القلب والبال والروح.. شمران الياسري، والذي صار أسمه على كل لسان..
«ابو كاطع» لم يكن كاتباً ولا متحدثاً اذاعياً فحسب بل كان في تقديري حالة متميزة.. وظاهرة شاعت في مسار حياة الشعب العراقي، عبر كل موقف يمس معاناتهم سلباً او إيجاباً فترى وتسمع كلمات ذاك الريفي البسيط المشحون أمانة واحساساً وشرفاً وكرامة لاتقبل ان يقترب السوء او الجور او الظلم منها، كلمات كالنار..

بل تسمع احياناً إيقاعها فينتفضً لحنا بلا كلمات لكنه في الأصل كلمات تتجمع وفق سياق غير تقليدي ليتراكم معنى ينفذ الى الهدف فتتفتح عبره الأذان والعيون من خلال الكلمات مكتوبة او مسموعة.
شمران.. جاءنا محملاً بحماسة نظيفة كريمة كالعنبر وادعة كرقة الملائكة شامخة كنبل البطولة..
ولم يكن مدعياً ولامتباهياً.. بل إنساناً يسير مع السائرين في درب كفاح الشرفاء الباسلين بلا طلب لجاه او موقع أو «عوض» مادي..
عاش كما الآخرون وراح- دون ان يدري- كما سبقه عباقرة عراقيون في ميدان مخاطبة الناس بالقلم المقروء اولاً.. بالقلم المسموع ثانياً حيث دخل.. «ستوديو الاذاعة» ليكون حديثه ليس حديثاً بل ضربات تؤذي ولا توذي توقط ولاتخدش الا أصحاب الشر والعابثين بقوت ومصائر الناس مواقعهم الشريفة، بشراً يحيا بسعادة وراحة بال وكرامة.
وترسم- أي الكلمات- سوراً مضيئة في النفس كي لاتتكدس الظلمة ويتيه إنساننا العراقي الكادح والنبيل في دياجيرها ليستلب ويفنى..
شمران- الذي صار- أبو كاطع- قلت صار واحداً مثل آخرين سبقوه- حبزبوز والملا عبود الكرخي.. وخالد الدرة.. ثم وجد انموذجاً سبقه في حدة القلم وشدة الكلمة وعميق التأثير في النفس-أبو سعيد- عبدالجبار وهبي المناضل والكاتب الكبير.
كما هؤلاء.. كان.. وكما كان قبله الفنان العراقي المبدع الذي لم يكن له نظير في مجاله، عزيز علي.. كان عزيز علي يقدم المونولوج.. لكنه لايسميه «غناء» كان أسمه. المقالة الملحنة.. فكلماته ليست للتطريب وللمداعبة المائعة..
ابو كاطع كان يقرأ كلماته المكتوبة وكأنها فناً «مسموعً يحمل لحنه وايقاعه.. فما يقدمه كان «مقالة مسموعة» أثرها يقترب بل ويمتزج بتأثير مقالات عزيز علي الملحنة.. ومقالات ابي سعيد الصارخة بهدوء، والمتلاعبة بعمق في النفس كبرناردشو.. الذين فتحوا ابواب المعرفة بالحالة الانسانية قبله كل على قدر من الجدارة والاسلوب المتميز..
ابو كاطع.. كان. واقول على مسؤوليتي.. نموذج الزمن الذي عاشه.. بل سبقه بوعيه الثاقب.
ليرسم ماسيكون..
كنا نهرع يوم كل اربعاء لنجلس امام الراديو نستمع الى «عزيز علي»... كان الناس يهرعون قرب –الراديو- ليستمعوا الى – ابو كاطع- يضحكون..
وينصتون.. ويضربون يداً بيد.. وينهضون وقد شحنهم ابو كاطع بمثل خيرة وبحالة من وعي مضاف بماهم فيه.. وكان تأثيره وجهاً من وجوه المسرح السياسي الذي نعرفه.
كان معنا في فرقة المسرح الحديث. عضواً فاعلاً فيها لا ممثلاً ولامخرجاً.. لكنه كان مشاركاً في كل ماتقدم.. وكان مشاركاً في اعمال اذاعية.. تكتب للفلاحين او البسطاء..
ظل شمران صديقاً حميماً مثل قالب الثلج في تموز..
وكنت أشتاق اليه اذا غاب.. وحين غادر العراق وفرقنا.. وافترقنا كل في مكان.. كان مكانه في القلب واثره في الكثير الكثير مما نكتب او نستذكر فشمران.. وابو كاطع الكبير نجم فن «المقالة المقروء» عند ابناء الشعب على مختلف مستوياتهم وظل حتى اليوم- حالة نادرة- نرجو ان يحتذي له هذا الجبل فهو بحق أستاذ ومدرسة وإن انس فلن انسن تلك «الهوسة» التي قاد بها مسيرة الفرقة بعد ثورة 14 تموز عام 1958 ومعه عبدالمنعم محمد علي وعبدالامير العبود حيث وصفنا المسرح واعطيناه التعريف التالي:
«المسرح مكتب- كل الوادم تدرس بيه!