حكاية متظاهر ..شاب مسلح براية بلاده وكف صيد القنابل، يأبى الرضوخ وترك أرض المعركة

حكاية متظاهر ..شاب مسلح براية بلاده وكف صيد القنابل، يأبى الرضوخ وترك أرض المعركة

 ماس القيسي
صامد صنديد هو بكل ما اوتي من قوة وعزم واصرار وبسالة، نعم انه العراقي المتظاهر الثائر المنتفض المحتج ضد كل اشكال العنف والطغيان، فتارة نجده مهاجما براية وطنه وتارة نجده مدافعا بكف يصطاد به قنابل فتاكة، ترمى عليه وكأنه عدو، لا يمت لهذا الوطن باي صلة!، ما يقودنا لنتساءل، هل هي سخرية القدر، ام لعنة الزمن؟!.

شاب من منطقة البلديات في بغداد، يدفعه حب الوطن والانتماء لأرضه وشعبه، لمناهضة الظلم والفساد ومواصلة التظاهر منذ مطلع تشرين الأول/اكتوبر الماضي وحتى يومنا هذا بقوله: "تبدأ حكايتي منذ اول يوم في هذه الانتفاضة، اذ تم حصارنا اثناء تظاهرنا عند وزارة النقل حيث كنا، ثم قمعونا من خلال القناصين، ورمونا بالرصاص الحي والقنابل الدخانية والمسيلة للدموع، وانتقلنا الى ساحة الحمزة، ثم هدأت الامور وعاودنا الخروج بتاريخ 25 تشرين الأول/اكتوبر".
مؤكدا على سلمية تظاهرهم آنذاك بقوله "كنا سلميين وقد خرجنا لاسترداد حقوقنا التي سلبت منا، حقا مللنا". منوها الى افتقار وطنه لكل سبل الحياة ذات الاهمية، كالأمن والاستقرار والرعاية الاجتماعية وتوفير فرص العمل.
بلد يسير ابناؤه على سيل من الذهب الاسود ولكنهم يعانون من الفقر والعوز كما يعبر بقوله: "هل يعقل ان تكون لدينا هذ الثروة النفطية ولا تعود علينا باي فائدة نحن المواطنين؟!" مشيرا الى ان باقي الدول تستفيد من خيرات بلاده على حسابه وحساب ابناء الشعب العراقي المنكوب ويعقب قائلا: "نحن شباب لم تكن لدينا الفرصة لإكمال دراستنا، ما ذنبنا ان نعيش في وطن مفعم بالثروات والنعم بينما تجد اغلبنا جائعا وعاطلا عن العمل، لا يملك حتى منزلا يؤويه او ملبسا يكسيه من حر الصيف وبرد الشتاء". مشيرا الى ان الرب وحده من يعينهم على هذه الظروف في ظل ازمة بلد استمرت ستة عشر عاما، منذ سقوط بغداد بيد الاحتلال سنة 2003 وحتى اليوم.
كان التجمع الجماهيري الثائر في ساحة التحرير هو الهدف العفوي منذ بدء اندلاع الاحتجاجات في 25، ثم اخذت جموع الشباب المحتجة تزحف باتجاه جسور الجمهورية، والسنك، والاحرار، وصولا الى الشهداء، بنية توسيع رقة الاحتجاج حمايةً للجماهير في الساحة من القنابل الصوتية والدخانية والرصاص الحي، الذي بات يصل الناس الآمنين في خيمهم، هذا ما دفع بعض الشباب ليأخذوا دور الدفاع عن امنهم وامن اخوتهم في هذا الحراك يقول: "في بادئ الامر كنت متظاهرا كباقي اخوتي هنا، ولكن عندما وجدت الامور تزداد سوءا والرمي يتزايد صوبنا من قبل القوات الحكومية، اذ كنت حينها لا املك اي شيء ادافع به، توجهت صوب شارع الرشيد وقمت بشراء (خوذة للرأس وقناعا للوجه وكفا لليد) عندها بدأت آخذ على عاتقي دور التقاط القنابل المرماة علينا، ومحاولة ابعادها الى اي بقعة فارغة، او وضعها في اواني مملوءة بالماء بغية اخمادها تجنبا لإيذاء اي مواطن، او اعادة تصويبها، تلك التي تكون اشد حرارة واكثر قوة، على من رماها في اسوأ الاحوال" منوها الى ان هذه القنابل يجب ان لا تبقى في كفه لزمن يتجاوز الدقيقتين، والا ستقوم بإذابة كفه وبالتالي حرق يده.
وعند سؤاله عن السبب وراء اعادة رمي القنابل باتجاه قوات مكافحة الشغب والتي قد تسبب زيادة في العنف من قبلهم، يجيب قائلا: "كلما رمونا بها نعيدها اليهم فهي ملكهم! ليس لدينا حل آخر، اين نذهب بها وهي حارقة تؤذي وتسبب حروق خطيرة وحالات اختناق!. نحن ندافع عن انفسنا ليس الا".
محاورة تجمعه مع احد الضباط المتواجدين في شارع الرشيد، اثناء فترات الاحتجاج اذ كان يسأله عن سبب تواجد الشباب الثائر وعن حقيقة مطلبهم، وبهذا الشأن يقول: "سألني الضابط (لماذا انتم هنا وماذا تريدون؟!) فأجبته (كن مكاني، هل انت موظف حكومي براتب لدى الدولة لتوجه سلاحك الينا بدلا من توجيهه نحو العدو؟! نحن عراقيون ولسنا غرباء!!)".
ويختتم حديثه قائلا: "نحن لا نمل ولن نرجع من هذه الساحات، رغم كوني وحيدا لعائلتي لكنني صامد هنا، وما عدت الى منزلي منذ ان بدأنا بالتظاهر". موجها رسالة الى اخوته المتظاهرين بان يصمدوا ويبقوا على عهد السلمية لهذا الحراك المشرف، بالامتناع عن ايذاء او التسبب بالضرر لأي مواطن، او تخريب الممتلكات العامة، حتى يحين موعد النصر ويعم الامن والسلام في هذا الوطن، بينما يوجه نداء للحكومة العراقية الحالية بان تجد حلا لإيقاف هذه المعاناة المرتبطة بنزيف الدم المتواصل.
ان تكون مواطنا مدنيا اعزل، لا تحمل سوى راية بلادك، وهتاف صارخ تصدح به حنجرتك يصل مداه بقاع الارض (اين وطني؟!، اريد وطناً) وتجد نفسك تخاطب ذاتها، فلا حياة لمن تنادي، وليس هناك وجود لأرواح قد ترد باستجابة، او تلبية لنداء انسان حر فضل الموت بكرامة على العيش بذل، هذا بحد ذاته ما يعزي الانسانية جمعاء على فقدانها لفحوى مقاصدها ودلالة وجودها.