يوميات الاحتجاج يرصدها : سعدون محسن ضمد

يوميات الاحتجاج يرصدها : سعدون محسن ضمد

الشهداء، الأحرار التحرير، السنك نهار ومساء الجمعة ٢٩-١١-٢٠١٩
أولاً: نهاراً من الساعة ١٢:٣٠، ٣:٠٠
١. بدأت جولتي اليوم باستقبال وفد من السليمانية جاء للتضامن مع الاحتجاجات، وكانت الجولة ممتعة خاصة عند شعوري بالزهو وأنا اطلعهم على حقيقة أن محيط ساحات الاحتجاجات عبارة عن منطقة تجارية، اقتصادية، فعلى امتداد شارعي السعدون والرشيد مخازن ومحال مليئة بالبضائع، كما أن سوق الشورجة على مرمى حجر منهم،

ثم عدَّدت لهم جميع فروع المصارف التي تنتشر بالمنطقة حيث يتجول وينام ويأكل المحتجون. ومع ذلك لم نسمع عن تعرض هذه المرافق لأي حادث سرقة واحد. وأن كل الحرائق حدثت في محيط الأحداث هناك حيث لا يستطيع المحتج أن يفرض حمايته.
٢. بعد ذلك اتجهت إلى جسر الأحرار فكان هادئاً ولم ألحظ إلا أن نقطة التفتيش التي كانت موجودة عند المدخل إليه من ساحة الخلاني لم تكن موجودة، وأن التفتيش الوحيد المتبقي حيث يصعد الناس اليه.
٣. اكملت طريقي إلى جسر الأحرار وكان عدد الذاهبين إلى الأحرار والعائدين منها قليلاً، لكن عندما وصلت هناك أول ما شد انتباهي هو شظايا الطابوق المنتشرة على الشارع بعد الحاجز الأول مباشرة، وهو أمر أشاهده لأول مرة. ثم بدأت انتبه إلى زيادة في الأعداد غير طبيعية، بل أن المحيط كان مكتظاً بالمحتجين وخاصة الجسر، لكن مع ذلك الوضع كان هادئاً والشباب أعلى الحاجز لا يفعلون شيئاً كثيراً.
٤. جلست على سياج حديقة حافظ القاضي بمواجهة حاجز الخرسانة المطل على الحاجز الآخر الموجود عند تمثال عبد الكريم قاسم. والمساحة بين الحاجزين هي مساحة الحدث منذ أكثر من أسبوع، حيث تسقط فيها أغلب القنابل المسيلة للدموع.
٥. وأنا جالس لاحظت امرأة خمسينية ترتدي عباءة وفوقها علم عراقي وتتجه نحو الحاجز، وطفل بعمر الخمس عشرة سنة يحمل صندوق ماء ويحاول صعود الحاجز الكونكريتي لايصاله إلى الواقفين هناك. وبالقرب مني شاب يجمع الأوساخ بهدوء وانفصال عن ضجيج المحيط من حوله، وما راعني هو عدم اكتفائه برفع البقايا، بل كان يجمع المياه الآسنة المختلطة ببقايا الطعام بيديه ومن دون كفوف ويضعها بكيس ثم ينقله إلى مكان آخر، يا إلهي كم كانت ممارسته لعمله بهدوء وصبر مثيرة للإعجاب.
٦. اقترب مني شاب بعمر الـ(٢٢) سنة، وسألني عن رأيي بمآلات الأحداث، وبعد حديث طويل عبر عن استهزائه من ظن الحكومة أن استعمالها للعنف يمكن أن ينهي الاحتجاجات، ثم اكمل قائلاً: ”أنا مثلا وضعت جميع بيضي في سلة الاحتجاجات، فقد توقفت عن الدوام في وظيفتي منذ ما يقارب الشهر ولم انقطع عن مواصلة التواجد هنا، ومن المؤكد أن صوري موجودة عند الأجهزة الأمنية ومن ثم فان نهاية الاحتجاجات من دون نتيجة ستعني مصيراً أسود لي ولأمثالي، فهل تتوقع أنني ساقبل بمثل هذا المصير؟
٧. ودعته بعد أن تبادلنا أرقام الهواتف، ثم اكملت طريقي إلى ساحة الوثبة ومنها إلى جسر الشهداء، ولم يكن هناك شيء غير مألوف فالحياة الاقتصادية في سوق الشورجة وساحة حافظ القاضي طبيعية تماماً، باستثناء ملاحظتي لما يقارب من التسعة همرات كانت منتشرة بمحيط ساحة حافظ القاضي، ولما دخلت شارع الرشيد باتجاه السوق العربي، كانت المحال التجارية مسدودة والشارع خالٍ من المارة وعناصر قليلة من مكافحة الشغب منتشرون في المكان، فسألت نفسي إن كان هذا الوقت طبيعياً لخلو الشارع بهذا الشكل ولم أستطع الإجابة لأن اليوم كان جمعة، ولم يسبق لي أن دلفت الشارع بهذا اليوم بمثل هذا الوقت.
٨. قبل أن أصل السوق العربي دخلت من أحد الأزقة عائداً إلى شارع الجمهورية، وبعد تجاوزي لساحة الوثبة وجدت كتلة خرسانية يبلغ ارتفاعها نصف متر تقطع نصف الشارع الذاهب باتجاه الخلاني ومجموعة قطع وبقايا تقطع نصف الشارع المقابل، وأمام بوابة أمانة بغداد قطع آخر يقطع نصف الشارع، وعند الساحة فاجأني خط من الاطارات المحترقة يمتد من منتصف الجزرة الوسطية التي تفصل بين شارعي الجمهورية إلى رصيف ساحة الخلاني، وهو مشهد غير مالوف بمثل هذا الوقت.
ثانياً: مساء من الساعة ٥:٣٠ إلى الساعة ٧:٠٠
١. كانت وجهتي عند عودتي مساء هي جسر الأحرار، لكي أشاهد تأثير الاستقالة على المشهد عنده، وكانت أول ملاحظة مهمة، هي اختفاء الإطارات التي كانت مشتعلة نهاراً عند مدخل الجمهورية من ساحة الخلاني، ثم كان الشارع باتجاه الوثبة طبيعياً جداً، لكن عندها اختلف الوضع، فثمة شباب منتشرون فيما يبدو أنه استعداد للنشاط المسائي المألوف.
٢. عند حاجز المدخل إلى ساحة حافظ القاضي أيضاً كان الشباب منتشرون وبنفس التحفز والاستعداد، لكن بمحيط الساحة كان الوضع هادئاً، على الحاجز الأعداد قليلة والفعاليات ليست كثيرة، وكذلك على الجسر الذي لم أصعده، أيضاً كان هادئاً والأعداد قليلة.