من تاريخ الاستقالات في تاريخ العراق الحديث..إستقالة الوزارة المرجانية 1958

من تاريخ الاستقالات في تاريخ العراق الحديث..إستقالة الوزارة المرجانية 1958

حسن احمد المعموري
كان علي جودت الايوبي قد رفع استقالة وزارته الى الملك فيصل الثاني في 16 تشرين الثاني 1957م، وذلك بسبب الموقف الذي اتخذه ممثل العراق الدائم في الامم المتحدة هاشم جواد. حين وقف الى جانب اليونان في تقرير مصير جزيرة قبرص الامر الذي اساء الى حكومة انقرة ووضع شيئاً من الغبار على العلاقات العراقية التركية. فضلاً عن الحاح الايوبي الى حل المجلس النيابي، ولكن لم يجد اذاناً مصغية،

لذلك اراد الملك ارضاء تركيا فاصدر امره بقبول استقالة الوزارة في الرابع عشر من كانون الاول 1957م.
وعلى الفور استدعى الملك فيصل كبار الساسة العراقيين لاستشارتهم في تاليف وزارة جديدة ومنهم رئيس الديوان الملكي احمد مختار بابان الذي كان له دور في اسناد مهمة الوزارة الى عبد الوهاب مرجان، (لانه صديقه الحميم).





وهكذا بدأ مرجان اتصالاته مع كبار اعضاء مجلس النواب والاحزاب السياسية لتأليف الوزارة فقد شكل وزارته في 15 كانون الاول 1957م، ولم يكن مرجان حراً تماماً في اختيار زملائه الوزراء حيث كان لنوري السعيد واحمد مختار بابان اراء في ترشيح معظمهم. وجه الملك كتاب الاسناد المرقم 771 في 15 كانون الاول 1957م "وزيري الافخم السيد عبد الوهاب مرجان، بناءً على استقالة فخامة السيد علي جودة الايوبي من منصب رئاسة الوزراء، ونظراً لما نعهدهُ فيكم من دراية واخلاص، فقد قرَّ رأينا على اسناد منصب رئاسة الوزارة اليكم، على ان تنتخبوا زملاءكم وتعرضوا اسماءهم علينا، والله ولي التوفيق.صدر عن بلاطنا الملكي ببغداد في اليوم الثالث والعشرين من شهر جمادي الاول سنة 1377هـ، الموافق لليوم الخامس عشر من شهر كانون الاول سنة 1957م. (فيصل)"
قوبل تشكيل الوزارة بمعارضة شعبية واسعة على جميع الاصعدة، لما عرف عن رئيسها من انه نائب نوري السعيد في رئاسة حزب الاتحاد الدستوري وان وزراءه من الاعضاء السابقين في الحزب ذاته او من مؤيدي سياسة نوري السعيد.
وعارضت الحركة الوطنية الوزارة الجديدة بشدة ووصفتها جبهة الاتحاد الوطني بانها تمثل الزمرة السعيدية وان نوري السعيد يسيرها من وراء الكواليس، وانتقدت اندفاعها لتنفيذ سياسة الاحلاف العسكرية، وزعمت الحركة الوطنية الى تخوفها من قيام الوزارة باستخدام الشد ضدها.
ان الظروف السياسية الداخلية والخارجية هي التي مهدت لعبد الوهاب ان يتسلم الوزارة، فحاول البلاط من خلاله ان ينفذ ما يريد سياسته تجاه سوريا وارضاء تركيا، ونوري السعيد اراد ان يمرر مخططاته بتحريكه عبد الوهاب مايشاء، وبريطانيا حاولت زج العراق بالاحلاف وابعاده عن الامة العربية، وفي الاخير ان عبد الوهاب لم يكن صيداً سهلاً ولم ينفذ كل ما ارادوه لذلك اقالوه .
في الثالث من اذار عام 1958م قدم عبد الوهاب مرجان استقالة وزارته عن عمر قصير لم يتجاوز ثلاثة اشهر.واختفلت الاراء حول اسباب استقالة هذه الوزارة، فمنهم من يرى ان قيام الجمهورية العربية المتحدة، والمساندة الكبيرة من القوى الوطنية في العراق لها واخفاق حكومة مرجان من منع التظاهرات والاحتفالات المؤيدة للوحدة، والتحدي المتجدد لجمال عبد الناصر تسبب في دعوة جديدة لتسلم نوري السعيد الوزارة واقالة عبد الوهاب مرجان لمجابهة الموقف.
ومن الآراء الاخرى لاسباب الاستقالة من ذكر بان عبد الاله كان يتوقع من عبد الوهاب المسايرة التامة والانصياع لمشاريعه ولكن ظهر خلاف ذلك. فأشار خليل كنه بان "الذين يعرفون عبد الوهاب كانوا يتوقعون خيبة الامير، فلرئيس الوزراء شلة من الاصدقاء الشخصيين يأنس لهم ويتأثر بهم، وكانت الآراء السياسية لهذه الشلة تتعارض مع الاتجاه العام للسياسة العراقية".
وقد وقع عبد الوهاب مرجان في الحرج بين آرائه واعتداله وبين مسؤولياته رئيساً للوزراء. وظهر موقفه هذا عندما اراد نوري السعيد السفر الى تركيا لحضور اجتماع ميثاق بغداد، ولتمهيد ذلك عقد اجتماع في قصر الرحاب حضره الامير ورئيس الوزراء، وبدأ نوري السعيد يتحدث عن الاجتماع المرتقب وعن سياسته التي سيضعها في هذا الاجتماع، غير ان عبد الوهاب مرجان رفض ان يفهم ما يطلبه نوري، وبعد تدخل احمد مختار بابان ووقوفه على حراجة صديقه الحميم عبد الوهاب مرجان اخذ يتكلم باسلوبه واقنع عبد الوهاب بهذا الايضاح، يظهر من هذا ان نوري السعيد قد ترسخت لديه القناعة التامة ، ان بقاء عبد الوهاب مرجان على رأس الحكومة يسبب المتاعب في توجهاته المندفعة لتطوير ميثاق بغداد.
اما موضوع التدخل في شؤون سوريا الداخلية والتي اعترض عبد الوهاب عليها، جعل الامير يقتنع بانه لايمكن ان يهضم عبد الوهاب خاصة والعراق يقدم على مشروع الاتحاد العربي بين العراق والاردن.
بعد ان رجع نوري السعيد من انقرة بعد انفضاض جلسات ميثاق بغداد المنعقد في اواخر شباط 1958م، ذكر عبد الوهاب مرجان ان نوري فاتحه بحضور ولي العهد وعبد الله بكر رئيس الديوان الملكي ان الاخبار التي لديه تشير الى أن الوضع في سوريا يسير من سيّئ الى اسوأ وانه ستحدث في القطر الشقيق حوادث عصيان وثورات، وهنا يأتي دور العراق، ويجب عليه التدخل باستعمال القوة والجيش فكان جوابي قاطعاً بانني لا اوافق على هذا الرأي ولا اتدخل في شؤون سوريا ولا اسوق الجيش ضدها ثم زدت قائلاً" اني احذركم اذ اخشى ان يعيد التاريخ نفسه فترفع المصاحف كما رفعت في حرب صفين، وتظهر الاحاديث النبوية التي تتضمن حرب المسلم للمسلم حرام هذا من جهة ومن جهة اخرى فاني اعتقد ان الجيش لا يحارب اخواننا السوريين بل على العكس من ذلك فانه سينقلب على الحكومة العراقية ويكون ضدها".
واستطرد قائلاً "بعد ان انفض الاجتماع صرت افكر بسبب استند اليه امام الشعب العراقي والرأي العام في الاستقالة، مادمت مخالفاً في الرأي لولي العهد ونوري السعيد ولذلك رفعت استقالتي مستنداً الى اوهى الاسباب وهي في الحقيقة اقرب الى الاقالة منها الى الاستقالة".
ان تصريحات عبد الوهاب مرجان في مجلس النواب حول علاقة العراق لميثاق بغداد لم يلق ترحاباً من بعض الساسة بل اظهروا عدم ارتياحهم منه واتخذوه وسيلة للنيل من الوزارة او بالاحرى للنيل من رئيسها بالذات لانه ابى ان يتراجع عما قال او يعدلهُ بشكل او باخر فكان ذلك اول مسمار دق في نعش وزارته.
عن: (عبد الوهاب مرجان وَدَوره السياسي في العراق حتى عام 1958م)