(حكايةشهيد)بينماكان يسعف شهيداً،ارتقى شهيداً هو الآخر..البطل الثائرمصطفى العبودي وحكايةفاجعةالناصرية

(حكايةشهيد)بينماكان يسعف شهيداً،ارتقى شهيداً هو الآخر..البطل الثائرمصطفى العبودي وحكايةفاجعةالناصرية

 ماس القيسي
"أنا الشهيد القادم، ذي قار تنزف دماءً، فلا طاب لنا العيش وإخوتنا يستشهدون دون ذنب"، عبارة موجعة كتبها الثائر والناشط المدني والمتطوع في الحشد الشعبي (مصطفى العبودي) كقصة حدث يومي على حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) قبيل استشهاده، متضامناً كعادته مع إخوته الثوار الذين سقطوا شهداء في أحداث مجزرة الناصرية بتاريخ 27 تشرين الثاني المنصرم.

مصطفى عبد الحسين العبودي شاب من مواليد ،1994من محافظة الناصرية، درس حتى مرحلة الإعدادية و مارس العمل الحر في متجر لبيع الهواتف الخليوية، و قد عمل منذ سنوات كناشط في منظمات المجتمع المدني، منها المشاركة في حملات التبرعات لإغاثة وإعالة النازحين في فترة احتلال (داعش) لبعض مناطق العراق، كما كان أحد منتسبي هيئة الحشد الشعبي لمدة عامين، وبهذا الصدد حدثنا صديقه الناشط المدني حيدر فليّح قائلاً:" التحق مصطفى بالحشد الشعبي لأهداف وطنية إنسانية، فقد شارك في معارك تحرير المدن المحتلة حينذاك وساهم أيضاً في إعانة النازحين وعوائل الشهداء، إبان تلك الأحداث ومع ذلك لم يحصل على أي فائدة مادية كتعويض حاله حال كل المنتسبين الشرفاء" وعن فترة التحاقه بالتظاهرات في انتفاضة تشرين قال حيدر:" شارك مصطفى في التظاهرات منذ أول أيام اندلاعها في مدينة الناصرية، بالتزامن مع حركة الاحتجاج هنا في بغداد" مؤكداً على أنه إنسان ذو مواقف وطنية ورصيد حافل بالفعاليات والمشاركات الانسانية على مر سنوات قبل بدء الحراك الثوري الأخير.
يدرك مصطفى تماماً ماهي واجباته تجاه وطنه ويسعى في العمل عليها وفي المقابل يشعر بأنه فاقد لحقوقه المشروعة، فاندفع للتضامن مع انتفاضة تشرين وبهذا الشأن عقب حيدر قائلاً:" كان مصطفى يتسم بروح وطنية عالية ويشعر بعمق انتمائه لوطنه، لذلك كانت الانتفاضة بالنسبة له فرصة للتعبير عن حبه لهويته العراقية". وعن مدى تفاعله ودوره في التظاهرات أضاف حيدر بقوله:" كان محط أنظار الجميع والمحور الاساس في تنظيم أي فعالية أو نشاط نقوم به، يمثل قوة الجذب لنا للتوجه والتفاعل" مشيراً الى كونه مشارك في انتفاضة مدينة ذي قار منذ مطلع أكتوبر حتى توقفت، ثم عاد معها في 25 تشرين الأول إذ كان متظاهراً ومسعفاً للجرحى وناشطاً في تنظيم مراسيم التعزية لرفاقه الشهداء في آن واحد.
وفيما يخص أحداث المجزرة الأليمة التي حصلت في مدينة الناصرية بتاريخ 27 تشرين الثاني والتي أودت بحياة الكثيرين وعلى إثرها استشهد مصطفى، يقول حيدر:" في يوم 23 تحديداً تم اختطاف أحد النشطاء المدنيين، وعلى إثره قمنا بالتوجه الى مديرية الشرطة للمطالبة به سلمياً، وكان مصطفى رحمه الله معنا، بينما تعرضنا لهجوم من قبل القوات الأمنية أسفر عن سقوط سبعة شهداء حينها، مما دفعنا للمطالبة بمعاقبة المدير المسؤول في مديرية الشرطة والمدعو (ابو وليد) حتى تمت إقالته نتيجة الضغط المتواصل من طرفنا، وقد مر بضعة أيام حتى تم احضار (جميل الشمري) المتهم بجرائم سابقة و الذي رفض ذلك مبدئياً ولكن اُجبر من قبل رئيس الوزراء (ابن الناصرية!) لتنصيبه رئيسا لخلية الأزمة بكل تشكيلاتها ورئيس اللجنة الأمنية للمحافظة في يوم 27 تشرين. الأمر الذي أدى الى تطبيق الأحكام العرفية علينا".
السابع والعشرين من تشرين الثاني تاريخ دموي لأهالي مدينة الناصرية المفجوعة إذ شهدت ليلته تلك المجزرة في ساحة الحبوبي، ويعقب عليه حيدر مستأنفاً بقوله:" ليلة يوم 27 دخلت علينا ،ونحن معتصمون داخل خيمنا، قوة ملثّمة من قوات التدخل السريع بزيهم العسكري الرسمي، بوجه حسن يعربون عن حسن نواياهم تجاهنا إذ شاركونا أنشطتنا وأكدوا على موقفهم الايجابي وانهم سيقومون بحمايتنا، الأمر الذي جعلنا نؤمن لهم حتى وصل بنا الحال لإرسال مفرزة طبية تساندهم عند الحاجة، وقد انسحبوا في حدود الساعة الثانية عشر ليلاً حين كان عددنا ما يقارب 70 شخصاً". مؤكداً على أن الساحة غالباً ما تكون خالية عند عدم وجود حالة طوارئ تستدعي حضور أعداد من المتظاهرين. ويتابع حيدر قائلا:" على حين غرة ونحن نائمون في ليلة 28 تدخل الساحة سيارة من نوع همر و تقوم برش الكاز السائل بين خيمنا، بهدف إحراقها بوجودنا، مما رفع حالة التأهب لدينا وقمنا بطلب الدعم من بقية المتظاهرين عبر الهواتف، حتى وصل العدد لحدود الألف تقريباً. الأمر الذي ساعدنا في منعهم من القيام بحرق خيمنا وأدى الى تراجعهم والبدء برمي الرصاص صوبنا".
وقد كان مصطفى أثناء تلك الأحداث في منزله، لا يستطيع الوصول لساحة الحبوبي نتيجة قطع الطرق المؤدية، بينما قام بتحشيد الجماهير لدعم المعتصمين هناك، و عقب حيدر بقوله:" سقط في البداية سبعة شهداء منا وقد استمر رمينا بالرصاص حتى صباح يوم 29 إذ اسفر عن سقوط 17 شهيداً وبقي العدد في تزايد، وفي ذلك الوقت التحق بنا مصطفى وأقاربه وباشر بنقل الشهداء والجرحى حتى اصيب بطلق رصاص في رأسه تسبّب بنزيف الدم من عينه ثم تم نقله للمشفى حيث توفي في اليوم التالي".
ويختتم حيدر حديثه متأسفاً بقوله" فاجعة مدينتي اسفرت عن وقوع مأساة حقيقية اذ وصل عدد الجرحى ل جريح400، ويسقط منهم كل يوم شهداء جدد" حالة من الحزن والألم المضنى خيمت على أزقة وأحياء محافظة لم ترد من حراكها سوى استرداد حقها في العيش بكرامة.
مصطفى العبودي ثائر عظيم انتقاه ربه شهيداً كما تمنى كغيره من الثوار الأحرار، نعم قد رحل لكن بقي رمزاً لروح الحماس الوطني والتضامن الانساني مع أبناء وطنه أملاً بعراق جديد حر مسالم أمن ومزدهر، شارك مضحياً بروحه في سبيل فتح أول باب نحو طريق بناء الوطن وقد حمّلنا نحن من بقينا مسؤولية الصمود حتى النهاية.