جولة سريعة في معقل الحرية

جولة سريعة في معقل الحرية

 رفعة عبد الرزاق محمد
منذ الصباح الباكر لهذا اليوم الأحد 8 كانون الأول 2012 قررت التجول في الأماكن التي شهدت الأحداث الجسام قبل يومين ، أحداث الغدر بأبطال ثورة العراق الكبرى ، ثورة تشرين 2019 ،وكانت البداية عندما استقللت زورقاً ( بلم) من الجانب الغربي من بغداد عند محلة الكريمات عبر بي الى الجانب الآخر حيث مديرية الشرطة النهرية وولوجي شارع النهر ،

وهالني حجم الدمار والحرق الذي طال العديد من البنايات والمحال التجارية بسبب مقذوفات السلطة البائدة ، والمنطقة شبه مهجورة إلا من الأعداد الكبيرة من ما تسمى قوات مكافحة الشغب ، ومن الوهلة الأولى يتجلى أن هؤلاء مغلوبون على أمرهم ، ولعلهم في دواخلهم يشاطرون الثائرين المشاعر نفسها لولا الأمر العسكري ! يبدو عليهم الاعياء والانهاك ، ولو كانت لدى الثوار المسالمين خطة عزوم ونية ( مبيتة) لكان اختراقهم أمراً ميسوراً .. رأيت بقايا بناية بيت اللنج والألم يعتصرني لمعرفتي التامة بتاريخها وأحوالها ، ومررت بأبنية مجاورة لغرفة تجارة بغداد لم تزل رائحة الحرائق تنبعث منها .. قررت ألا ادخل محلة العمار والجنابيين مثل الأيام السابقة لكني أصل الى ساحة الوثبة ، بل أواصل السير في أماكن التصادم بين الثائرين وقوات السلطة وأزلامها ، ونجحت بالمرور من فتحة ضيقة في الجدار الكبير عند بداية شارع الرشيد حيث بناية شركة حافظ القاضي ومحل المصور الشهير إرشاك وهو اليوم محل لبيع الألبسة الرياضية ، وقد اعتلى الجدار العالي عدد من الشبان المعتمرين للخوذ وهم يقفون بكل عنفوان ملوحين بعلامات النصر ، واعتقد أن النصر كان حليفهم في الفترة الماضية من الثورة لما شهدناه من تطورات خطيرة في مسار تاريخنا الحديث جرت بسبب الثورة ، التي لم يشهدها تاريخ العراق في كل ادواره ..
ساحة حافظ القاضي من الجهة التي يستقر فيها الثوار والنصف الأول من جسر الأحرار عليه علامات التنظيف والعناية من قبل فرق المتطوعين لأعمال التنظيف وسائر الأعمال البلدية ، على العكس تماماً من الجهة التي خلف الجدار الكبير الذي نوهت به ،فبقايا المعارك من إطارات محروقة وأنواع الأحجار الكبيرة والصغيرة والنفايات وطفح المجاري يجعل التجول صعباً للغاية ، ويبدو أن السلطات العسكرية تمنع من دخول الخدمات البلدية كخوفها من دخول الشبان المتطوعين ..
في الجهة ( النظيفة ) من المنطقة ترى التكافل الاجتماعي بين الشبان بأجمل صوره ، وخيم المعتصمين مغطاة بأغطية ضد المطر والجلوس فيها أمر ممتع للغاية فالشاي على الطريقة العراقية والمعجنات الشعبية حاضرة لكل من يدخل تلك الخيم . وبعض محال بيع الألبسة الرياضية مفتوحة بحذر على الرغم من وقوعها في قلب منطقة التصادم في الأيام السابقة ، ولا يشوب المشهد سوى سواد الأبنية المحترقة وحسرة الكثيرين على ضياع أموالهم وإن كان لهم أمل كبير بتعويضات الجهات المعنية لما تعرضوا له .
واصلت السير في شارع الرشيد وصولاً الى منطقة السنك ، والحقيقة إن المحلات التجارية في الشارع تتحدى الخضوع للأمر الواقع ، فالكثير منها مفتوحة وتعرض بضائعها بشكل طبيعي ، ولكن علامات الحيطة والحذر بادية كما ارى . حب العمل والعودة الى إيقاع الحياة اليومية تتجلى هنا ، وفي الوقت نفسه فان الاستياء والغضب عام على إجراءات السلطة التي أوصلت الأمور الى ما وصلت إليه من قتل وترويع واستخفاف بأماني الناس ومطاليبهم .منطقة السنك والخلاني وجدتها اليوم وكأن شيئاً لم يكن .. إصرار على الحياة الحرة ، أرى باعة ( البسطيات ) قد عادوا الى المنطقة التي جرت عليها قبل ساعات أفظع الاحداث الدامية ، يستهزئون بالقتلة المجرمين ، وأغلبهم يشيرون الى جهات (معروفة ) قامت بالقتل والحرق .
منطقة السنك وبعدها ساحة الخلاني ، دخلتا تاريخنا الوطني بكل قوة ، تاريخ اصطبغ بلون الدماء التي اريقت والأرواح التي أزهقت من ابنائنا شباب العراق الذي أعاد الأمل الباسم للجميع بعد سبات اعتقدنا وهما بديمومته ، الأمل بوطن جديد ، يطل من أكف تتلمس الحرية الحمراء :
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة تدق