حكاية متظاهرة..أم عمار تدعم الاحتجاجات بطريقتها الخاصة

حكاية متظاهرة..أم عمار تدعم الاحتجاجات بطريقتها الخاصة

 متابعة الاحتجاج
رائحة خبز "السياح" أو "الركاك" حسب اللهجة العراقية، المنبعثة من مقلاة "طاوة" مستديرة محدبة كبيرة، من طراز خاص، وصلت حتى الطابق الأخير من المطعم التركي "جبل أحد حالياً" حيث يلازمه المئات من المتظاهرين.

سكبت أم عمار امرأة بدت هادئة بثوبها و"شيلتها" وهو حجاب قطني ترتديه كبيرات السن، لاسيما في المناطق الشعبية"، براحة يدها، عجينة سائلة ناصعة البياض، مكونة من مسحوق الرز الممزوج بالماء، على مقلاة عبارة عن قرص معدني محدب، لصنع خبز "السياح" بالقرب من المفارز الطبية التي تداوي المتظاهرين الجرحى، في ساحة التحرير.
وقالت أم عمار، ، إنها تأتي يومياً منذ طلوع الشمس، إلى ساحة التحرير، لعمل طبق "المخلمة" الشعبية بمكوناتها "الطماطم، والبصل، المفرومان ناعماً، والبيض"، وهي من أبرز الأكلات الأكثر إشباعاً ورغبة لدى العراقيين صباحاً.
وأخبرتنا أم عمار البالغة من العمر 50 عاماً، أنها مشاركة في دعم المتظاهرين بأكلة "المخلمة"، وبعد انتهاء وقت الإفطار صباحاً، تقوم بعمل خبز "السياح" المصنوع من دقيق الرز للمتظاهرين، ومن جيبها الخاص، وبجهد ذاتي فذ، وبحركة يد ماهرة عن خبرة طويلة.
وحرصت أم عمار، التي بدت عيونها ناعسة وتعبة، على ارتداء كمامة بلون أزرق فاتح مشابه للسماء، تجنباً لأي قنبلة غاز مسيل للدموع، في عملها وعلى مقربة منها أدواتها للطبخ: وعاء لعجين الرز السائل، والمقلاة، ودلو من الماء، فيما تجمع أمام العديد من المتظاهرين بانتظار خبزة ساخنة تسد جوع بطونهم، وتدفئهم مع أيام الشتاء التي حلت متأخرة في ديسمبر الجاري.
وتأتي أم عمار، من مدينة الصدر، ذات الغالبية الشعبية، في شرقي العاصمة بغداد، يومياً إلى ساحة التحرير، لدعم المتظاهرين على طريقتها الخاصة، دون تغيب، منذ مطلع أكتوبر الماضي، وحتى اليوم.
ولما نضجت خبزة "السياح" بحجمها المضاعف للخبز العادي المصنوع من دقيق الحنطة، والقمح، تقاسمها الشباب المتظاهرون، ومنحوني جزءا منها، طعمها أشبه بالرز المحمص في قاع القدر، المسمى "حكاكة"، برائحتها المشبعة ببخار، ودخان قطع الخشب المحترق تحت المقلاة المحدبة.
ويكفي العجين السائل، للسياح، الذين صنعته أم عمار، إشباع المئات من المتظاهرين، بكميته الكبيرة في الوعاء، إذ أن حفنة واحدة منه تحملها يدها تكفي لصنع خبزة لذيذة، وحالما تنضج واحدة تباشر بسكب الأخرى لحين نفاذ الكمية التي جلبتها معها.
ويعتبر خبز السياح شائعاً في مناطق المناطق الشعبية، وتمتاز نساء الجنوب العراقي بصناعته، وهو من الأكلات القديمة، إذ يُطهى في الكثير من الأحيان مع البيض الطازج، ليكون وجبة متكاملة تغني متناولها عن الجوع حتى انتهاء النهار.
وفي منطقة الباب الشرقي، قبل الوصول إلى ساحة التحرير، حيث نصب الحرية الشامخ قبالة مبنى المطعم التركي، صادفنا امرأتين تقومان بصنع الخبز، في "تنور" فرن خاص، مجاناً للمتظاهرين، ولسرادق العزاء المقامة على أرواح الضحايا الذين قتلوا بالقرب من جسور الجمهوري، والأحرار، إثر قنابل الغاز المخترقة للجماجم، والرصاص الحي، والمطاطي.
وكل امرأة، وفتاة، تدعم وتشارك في المظاهرات الشعبية الواسعة في ساحة التحرير، ومحافظات الوسط، والجنوب، على طرقهن الخاصة، من رفع اليافطات المطالبة بالحقوق، والرسم، وتوزيع المساعدات من أغطية، وملابس، وطعام، ومياه، للمتظاهرين الملازمين حتى الصباح في مواقع الاحتجاج، وحملات تنظيف، وتبرعن حتى بمصوغاتهن الذهبية، لإنجاح الثورة التي يقودها الشعب لأول مرة في تاريخ العراق، دون تدخل سياسي، أو حزبي، أو مذهبي، وقومي.