مجلس النواب.. حاوية الطبقة السياسية الفاسدة وأداة انتاج هيمنتها

مجلس النواب.. حاوية الطبقة السياسية الفاسدة وأداة انتاج هيمنتها

 يكتبها متظاهر
جعلت الانتفاضة الشعبية بدءاً من انطلاقة التظاهرات الاحتجاجية من اقالة رئيس الوزراء وحكومته هدفاً مركزياً لها. مما ولّد انطباعاً بأن التغيير وما يتبعه ويتلازم معه من إصلاح رهن بتحقيقه. وكفيل بإزاحة الطبقة الحاكمة عن سلطة القرار وتعطيل إمكانياتها في اعادة انتاج منظومتها المُكيفة، وعرقلة عملية التغيير المنشود.

ومع أن اجبار الحكومة برئيسها وكابينته على الاستقالة يُعد انتصاراً للانتفاضة وخطوة هامة على طريق تحقيق اهدافها في التغيير والاصلاح والتطور، فقد فات المنتفضين، أو بدا ذلك من فوضى تداخل الشعارات، أن النظام الطائفي المتفسخ المطلوب إزاحته يعتمد بالاساس في انتاج أذرع هيمنته على السلطة التشريعية التي "تصوت" على تسمية رئيس الجمهورية، وعلى رئيس السلطة التنفيذية وحكومته، وعلى رئيس السلطة القضائية ومفاصلها الرئيسة. وهي اذ "تصوت" ولا تنتخب، فانما تعكس حقيقة أن الاختيار والقرار في التكليف يبقى حصراً بيد الكتل السياسية وارادة الكتلة البرلمانية الاكبر.! وفي إطار هذه الدائرة المغلقة، يستعصي اختيار رئيس جديد لمجلس الوزراء بالشروط والمعايير التي حددتها واكدت عليها الانتفاضة، دون توافق وقبول الكتلة البرلمانية الاكبر، وفق ما نص عليه الدستور وفسرته المحكمة الاتحادية العليا. وهي إذ تختاره، تحوله لــ"يصّوت"عليه البرلمان الخاضع كلياً لنفوذ الطبقة السياسية المتنفذة وسيطرة أحزابها وأذرعها المسلحة، وبدون توافقها تتعذر الموافقة على اي قرارٍ او قانون أو تشريع. لكن الدستور يمنح رئيس الجمهورية في الحالات الاستثنائية وعند استقالة رئيس مجلس الوزراء حق اختيار مرشح بديل، دون الخضوع لارادة الكتل السياسية والكتلة البرلمانية الاكبر، وطرح مرشحه على مجلس النواب للتصويت عليه. وبامكانه التشاور مع قادة الكتل حول اي اسم مطروح، لكنه ملزم على الاستماع لرأي الشارع السياسي المتمثل اليوم بساحات الحرية والتحرير وما يؤكد عليه من شروطٍ ومواصفاتٍ ومعايير في المرشح المقبول لرئاسة الحكومة. ويستطيع رئيس مجلس النواب أن يدفع بما له من موقعٍ ونفوذٍ نحو التفاعل مع طلب الملايين من المنتفضين السلميين والداعمين لهم وما يؤكدون عليه من معايير وشروط للتعجيل بانتخاب رئيس وزراء جديد، ورفضهم القاطع لما تقرره القيادات الاسلامية المهيمنة على سلطة القرار وفقاً للتحاصص الطائفي. لكن ما يجري حتى الآن، هو انفراد الكتل السياسية، او بالأحرى بعض قياداتها المحكومة بإملاءات متعارضة ومتقاطعة مع الارادة الوطنية العراقية، في مواصلة اغتصاب قرار تسمية رئيس مجلس الوزراء دون ان تعطي أذانًا صاغية لأصوت المتظاهرين وما يريدون. وفي مثل هذه الظروف الدامية المهددة بالمزيد من الأخطار يظل رئيس الجمهورية نائياً بنفسه عن استخدام ما يمنحه الدستور من صلاحية، كما فعل حتى الآن. مكتفياً مع زميله رئيس مجلس النواب بدور المتفرج السلبي تخونهما جرأة الاقدام على قرارٍ يقطع الطريق على محاولات قادة المرحلة المنتهية الصلاحية لفرض بدائل مرفوضة كلياً من قبل العراقيين، في ظرف استثنائي عصيب تسفك فيه الدماء الطاهرة، ويتعرض فيه الوطن لمخاطر الانزلاق الى مزيد من العنف واستهداف المتظاهرين السلميين، وما قد ينجم عنه من احتمالات الانزلاق الى منحدر الاقتتال والمواجهات بالسلاح. خاصة وان الميليشيات والعصابات المنظمة مدججة بالسلاح منفلتة بعلم وتغطية جهات حكومية نافذة. وما جرى في ساحة التحرير ثم في الخلاني والسنك شاهد مروع على ما يمكن ان تؤول اليه الامور اذا ما ظل المتنفذون في الطبقة الحاكمة على غيهم وعدم امتثالهم لارادة الشعب المنتفض المصمم على التغيير والإطاحة بسلطتهم الطائفية المحاصصية الفاسدة. أن هذا المشهد السياسي المضطرب والمتوعد، يتطلب البحث عن مخارج من الاستعصاءات التي تفرضها القيادات المتنفذة العاجزة عن استيعاب طبيعة الانعطافة التاريخية التي فرضتها الهبّة الشعبية العاصفة المصرّة على التغيير الجذري البنيوي في هيكل العملية السياسية المتهرئة والتي تفسخت عبر ستة عشر عاماً من الفساد والتخريب والنهب. هل أن الاوان للبحث في حل حاوية الطبقة السياسية التي تواصل دور الوكيل الخانع المعبر عن مصالح وارادة الطبقة السياسية؟ .
وهل يمكن اللجوء الى هذا الخيار قبل فرض رئيسين جديدين بمواصفات ومعايير ساحات الاحتجاج، وتمكينهما من ادارة المرحلة الانتقالية وما تستلزمه من شروط؟ .