جدار الإعلانات المبوّبة: صور رموز الفساد والمنتهية صلاحيتهم

جدار الإعلانات المبوّبة: صور رموز الفساد والمنتهية صلاحيتهم

 يكتبها متظاهر

تتحول ساحة التحرير مع مرور الايام الى مساحة مفتوحة للإبداع والابتكار. فالجداريات زينت الفراغات الميتة داخل الساحة وحولها وفي مداخل نفق التحرير وعمقها وامتداداتها في الاتجاهين. وقد سلطت كل جدارية الضوء على طاقة ابداع خذلتها رثاثة النظام المعادي لكل ما هو مضيء وجميل ومبهج. ولأول مرة صار متاحاً للناس دون استثناء لمن له ولع بالفن والتشكيل، او لم يتسن له تكوين ذائقته بهذا اللون الخلاق للقيم والجمال.

وفي كل زاوية مظهر للتكافل الاجتماعي والاثرة التي تنتصر على الخوف والتردد والفقر ايضاً. فالعشرات من السيدات والشابات وكبار السن من مختلف الشرائح الاجتماعية والثقافية ينغمسون في انشغال إنساني بتأمين جانب من حاجات المنتفضين والمعتصمين والمتضامنين والزوار الذين يريدون الاحتكاك بما يسمعوه عن مظاهر الجسارة والتكافل والفرح في العطاء.
إن الساحة صارت ميدانا للمقارنة بين الطبقة التي جففت الحياة من منابع عطاءاتها وأغرقتها بالجهالة والرثاثة والانحدار، والجيل الذي نفض عنه اوحالهم، وقرر ان الساعة حانت للتحول وكشف المستور والمنفتح على عالم جديد يتوهج في جنباته كل ما هو انساني وحضاري يؤشر للمستقبل.
لم يجد شباب التحرير في معاني الابداع من حولهم، سوى جانباً من المشهد. فابتكروا جداراً للجانب الآخر من المشهد. جدار تُنشر عليه صور لرموز الفساد وفضلات منظومة افكارهم التي تجاوزها الزمن، الزمن الذي صار ملك الشبيبة المنتفضة ودلالة قيامتهم. لم يكن الجدار من إيحاء فرد او توجيه جماعة بعينها. انه مثل كل ما في الساحة من اكتشاف العقل والخلق الجمعي. وقد يكتشف اسياد الساحة من الشابات والشباب ان كل الجدران على امتداد ساحات الحرية في البلاد لاتكفي حاوية لمن انتزعوا منا وطناً وبددوا من حياتنا زمناً غابت عنه ابسط مظاهر الحياة التي تليق بالبشر.
لم يكن عفواً اختيار اول صور رموز المرحلة الفاسدة، فالإعلان عن خيارات القيادات التي لا تريد الاعتراف بالهزيمة لبدائل رئيس الوزراء المستقيل، او من أوحوا لغيرهم لتسويقهم ولو من باب الدعابة باعتبارهم من بين البدائل العديمة الفائدة. ربما كان الجدار يستنكف عن حمل صور بعضهم، لعمق العطب السياسي والأخلاقي الذي يحيط بهم ويمرغ سيرتهم المتلونة وكبائر ما تنطوي عليه.
كان على شباب التحرير ان يدققوا في الصور والرموز المختارة لجدار الفضيحة الذي ابتكروه. فليس كل فاسد مرتش متمرغٍ في اوحال الرذيلة السياسية يستحق ان يجد مكاناً له الى جانب رموز لا تتنازل هي نفسها عن سويتها ودورها واستحقاقها المتميز ليجاورها غير من هو بمكانتها. على مبدعي التحرير وبناة مستقبل العراق ان يأخذوا بالاعتبار ان الفاسد ايضاً مهما فاحت رائحة فساده يحترم موقعه وسيرته ولن يتنازل عنهما..!
الجدار وهو يستقبل الرموز يريد الاحتفاء بها دون ان يأبه للتوقف كثيراً عند المراكز والأدوار. فمهاجع السجناء العاديين لا تفرق بين فساد سجين وآخر، وما هو جدير بالمتابعة مدى انكسار الواحد عن الآخر وهو يُساق الى غرفته الانفرادية أو جوار غرفة الاعدام.
ولا ينبغي لقادة المرحلة القادمة الولّادة التوقف عند ردود افعال ضيوف الجدار.
عليهم استرجاع حكمة الشاعر المتنبي وهو ينشد:

وإذا أَتتكَ مذَمتي مِن ناقِص
فَهِي الشهادَةُ لي بِأَنِيَ كاملُ.