60 عاما على صدور قانون الاحوال الشخصية..كيف صدر القانون سنة 1959 وسط ردود افعال مختلفة؟

60 عاما على صدور قانون الاحوال الشخصية..كيف صدر القانون سنة 1959 وسط ردود افعال مختلفة؟

موفق خلف العلياوي
منذ إقامة الحكم الوطني في العراق عام 1921 حتى صدور القانون عام 1959, كان قضاء الأحوال الشخصية فيه يستمد أحكامه من القرآن الكريم التي يستنبطها الفقهاء وفتاوى العلماء والمجتهدين, ومن مجموعة الأحكام الشرعية التي كانت معتمدة ومقبولة لدى دار الإفتاء أيام الحكم العثماني, وكانت هناك محاولات عديدة لوضع قانون للأحوال الشخصية يوحد العمل القضائي لكل المذاهب الإسلامية في العراق إلا أنها لم تنجح.

جرت أول محاولة في عام 1933عندما عهدت وزارة العدلية إلى ديوان التدوين القانوني لوضع لائحة قانون للأحوال الشخصية, وبعد انجاز الأخير له ظل بين مد وجزر وتعديل وتحوير لمدة عشر سنوات ولم يتم إقراره, وجرت محاولة أخرى عندما شكلت وزارة العدل لجنة من رجالات الفقه والقانون في السادس والعشرين من كانون الثاني عام 1945برئاسة محمد حسن كبة رئيس مجلس النواب, وعضوية الشيخ علي الشرقي رئيس مجلس التمييز الشرعي الجعفري, وحمدي الأعظمي المدون القانوني, وشفيق شريف العاني عضو مجلس التمييز الشرعي السني, إذ بدأت عملها مستندة على لائحة ديوان التدوين القانوني التي وضعت عام 1933, ولائحة أخرى جديدة وضعها الشيخ علي الشرقي, وعلى الرغم من خروجهم بقانون جديد للأحوال الشخصية إلا أن خطط وضع قانون موحد من قبل اللجان المشكلة التي= =حاولت أن تجمع الأحكام الشرعية وتوحدها وتخرج منها بقانون يجمع المتفق عليه من الآراء لم توفق في عملها
إن تعدد مصادر القضاء واختلاف الأحكام يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة, كما جاء في موجبات صدور القانون, مما دفع للتفكير بوضع قانون يجمع فيه أهم الأحكام الشرعية المتفق عليها, عندها قامت الرابطة بتقديم مشروعاً إلى الزعيم عبد الكريم قاسم, قدمته الدكتورة نزيهة الدليمي يتضمن سن قانون للأحوال الشخصية فوافق عليه, تألفت على أثرها لجنة في وزارة العدل بأمرها الإداري المرقم 650, والمؤرخ في السابع من شباط عام 1959, لوضع لائحة للأحوال الشخصية تستمد مبادئها مما هو متفق عليه من أحكام في الشريعة, وما هو المقبول من قوانين البلاد الإسلامية, وما استقر عليه القضاء الشرعي في العراق.
على أثر ذلك قامت رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية بتشكيل لجان في الأحياء السكنية, في بغداد وباقي الألوية, لدراسة مشاكل المرأة وأخذها بنظر الاعتبار في القانون المقترح, وكلفت الدكتورة نزيهة الدليمي الناشطة النسوية روز خدوري بالإشراف على عمل تلك اللجان وجمع تقاريرها, كما تم تكليف نساء من مختلف الاختصاصات تربويات وقانونيات وطبيبات وسيدات من كبيرات السن والخبرة في التقاليد الاجتماعية للشعب العراقي, إذ تم تقديم ملاحظاتهن إلى اللجنة المكلفة بصياغة القانون .
وساهمت الدكتورة نزيهة الدليمي قي تأييد لائحة القانون ومناقشته, لاسيما ما تضمنه حول مساواة الأنثى والذكر في الميراث, ووقفت إلى جانب صدوره والتصويت عليه في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في التاسع عشر من كانون الأول 1959, تحت اسم قانون الأحوال الشخصية ذي الرقم 188لسنة 1959, وتم نشره في جريدة الوقائع العراقية الرسمية في الثلاثين من كانون الأول 1959, ليصبح قانونٌ نافذاً.
تميز هذا القانون بأنه أول قانون تقدمي ليس في العراق فحسب بل في المنطقة كلها, وخطوة جريئة على طريق تطوير وضع المرأة, كونه أشتمل على أهم أبواب الفقه في الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية الجامعة لمسائل الزواج, والطلاق والنسب والحضانة والنفقة والوصية والميراث, فضلاً عن تحقيقه للمساواة والعدالة في الحقوق الرسمية والعرفية التي شرعتها السلطة, ورتبها فقهاؤها, ورفض الطائفية والمذهبية, والتمييز الذي كان يتسم به المذهب الرسمي العثماني.
أثار هذا القانون عند صدوره سلسلة من ردود الفعل والمواقف المتشددة من قبل رجال الدين, إذ عدوا فقراته, لاسيما ما يتعلق بالزواج والطلاق والرضاعة والحضانة ومساواة الأنثى بالذكر في الميراث مخالفة للشريعة الإسلامية, وطالبوا بأن يكون إصدار القانون من مسؤولية الجهات والمرجعية الدينية, الأمر الذي أدى إلى شن هجمة قوية ضد الرابطة,لاسيما الدكتورة نزيهة الدليمي حتى أنها تذكر بأن من حاربوها في هذا الشأن هم خصوم سياسيون, أولاً كونها شيوعية, وثانياً كونها امرأة, حتى إن عائلتها لم تسلم من تلك الهجمة وخاصة أخواتها ووالدتها, كما هوجمت مقرات الرابطة في مختلف ألوية ومدن العراق, إلى الحد الذي جعل من عملية خروج الرابطيات إلى عملهن محفوفة بالمخاطر, وتعرضت الكثير من مدارس محو الأمية التي تشرف عليها الرابطة إلى الإغلاق, بذريعة أنها ستار لنشر الأفكار الشيوعية – حسب قول سكرتارية الرابطة - لاسيما في المنطقة الجنوبية من العراق, إذ اصدر قائد الفرقة الأولى الحاكم العسكري فيها حميد الحصونة في حزيران من عام 1960, أمراً بإغلاق بعض المدارس نشر في الصحف قائلا ً: " كفانا ما لاقيناه من تجربة قاسية من تستر وراء مكافحة الأمية.... أمي مخلص خير من مواطن مثقف وهدام... يرسل المخالف إلى المحاكم وفق المادة 31من قانون تعديل قانون العقوبات البغدادي لسنة 1959".
إن ردة الفعل القوية من قبل رجال الدين على صدور القانون, كونهم عدوا الموافقة عليه انتصاراً للقوانين الوضعية على حساب القوانين السماوية ومنها الإسلام. كما عدوه نوعاً من المفسدة للمجتمع, فضلا ًعن انه أُستغل من قبل الخصوم السياسيين الذين حاولوا إظهار من ساند القانون بمظهر المعادي للدين, من خلال نشر بعض الأهازيج ومنها ( ماكو مهر بس هالشهر والقاضي انذبة بالنهر), حتى أن هذا الشعار كان يتردد من قبل فتيات بالقرب من الصحن العلوي الشريف في مدينة النجف.
يمكن القول أن تشريع القانون كان في جوانب كثيرة منه إنصاف للمرأة, وتنظيم العلاقة الزوجية, إذ انه منع الزواج بأكثر من زوجةٍ واحدة, إلا بإذن القاضي الشرعي, مع اشتراط أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة ما زاد على واحدة. كما حدد سن الزواج بالثامنة عشر, وان تتم عملية تسجيل عقود الزواج في المحاكم الرسمية لضمان حقوق الزوجة, فضلاً عن المواد المتعلقة بالحضانة والنفقة والمهر وغيرها.
عن: رسالة (نزيهة الدليمي ودورها في الحركة الوطنية والسياسية العراقية)