مشاركة المرأة في انتفاضة تشرين دينامية متواصلة وأداة قوية للتغيير

مشاركة المرأة في انتفاضة تشرين دينامية متواصلة وأداة قوية للتغيير

 علاء المفرجي
كان للمرأة حضور استثنائي في الثورة، من خلال مشاركتها الفاعلة فيها، والتي تجلت في مختلف النشاطات التي مارستها في ذلك.. وبعد أكثر من شهرين على عمر هذا الحراك نجد من الضرورة أن يستمرّ حضور المرأة في المشهد الاجتماعي والسياسي بعد الحراك؛ وضعت (احتجاج) أمام عدد من مثقفاتنا سؤالاً حول كيف يُمكن تحويل الشعور الحالي، الذي يطبعه الكثير من الحماس،

إلى دينامية متواصلة في بناء المجتمع العراقي وتحويل هذه المشاركة النسوية القوية إلى أداة قوية للتغيير؟ .. فكانت الاجابة عليه:
الأكاديمية لاهاي عبد الحسين : أحد أهم العلامات البارزة
لعل في حضور ومشاركة النساء الفاعلة والمؤثرة في تظاهرات تشرين أحد أهم العلامات البارزة فيها. تمثلت مشاركة النساء بجانبين رئيسيين هما الحضور المجرد والثاني المساهمة بتقديم الخدمات مثل التنظيف والطبخ والإسعافات الأولية. نظرياً وللمراقب عن بعد، يبدو وكأن الجانب الثاني للمشاركة والذي تمثل في التنظيف والطبخ والإسعافات الأولية إنما يعد امتداداً لدورها التقليدي في المجتمع ، الحقيقة، غير ذلك. فقد دخلت المرأة العراقية هذا الميدان ليس لوحدها وإنما بمشاركة أخوية وودية وأدبية من رفاقها المتظاهرين من الذكور. فكان أن سجل هذا الحضور والمشاركة نزعاً لجدر العزل والتمييز وساهم بخلق أجواء اجتماعية وإنسانية بناءة.
على مستوى الحراك الاجتماعي لا سبيل إلى استدامة هذا الزخم إلا من خلال المزيد من الاعتراف والتقدير وهو الذي ستنتزعه المرأة بالذات وبخاصة الشابات ممن يملكن زمام المستقبل بالثبات والمداومة والإصرار.

الإعلامية والقاصة سعاد الجزائري: نضال محفوف بالمخاطر
لم تكن مشاركة المرأة في الحراك الجماهيري التشريني مشابهة لمشاركتها في العملية السياسية منذ ٢٠٠٣ وحتى فترة بداية المظاهرات، وتحديداً، مظاهرة تشرين الأول، لأن مشاركتها الأخيرة ليست بفعل التنافس السياسي بين الأحزاب، أو لاستكمال نسبة ٢٥%، التي جاءت، وبإسم المرأة، بكوارث اساءت لقضية المرأة وشوهت دورها تماشياً مع التشوّه السياسي والاقتصادي الذي شهدته البلاد والذي نتج عنه انتفاضة عارمة قادها جيل الشباب.
أن مشاركة المرأة في هذه الانتفاضة تختلف كلياً عن اللواتي صعدن على اكتاف نسبة ٢٥%، فشغل الكثير منهن مناصب لسن جديرات بها، بل أصبحت المرأة ودورها السياسي وباء على المرأة والمجتمع، وتحول دورها السياسي الفاشل مادة دسمة للسخرية والتندر بسبب تبعيتها المطلقة لأحزاب لا تؤمن أصلاً بأي دور للمرأة، عدا دورها بين جدران منزلها، فكيف لها أن تؤمن بمشاركة سياسية أو بناء وطن، ولم يكن وجودها ضمن تشكيلة هذه الأحزاب إلا كرقم عددي على يمين الصفر.
أما دورها الآن، في الحراك الجماهيري التشريني فمختلف تماماً، لأنه نضال محفوف بالمخاطر والخطف والقتل، ولا ينطوي هذا الدور على أي مكسب وظيفي أو كرسي مذهب الأذرع وسيارة فخمة محاطة بحرس وحماية، أو راتب مغرٍ، بل هي تناضل من الشارع، في جو ملغوم، وسط ظروف يصعب تخيلها، توحدت فيه مع الجموع الغاضبة بمواجهة القنابل وكواتم الصوت والخطف العشوائي والمنظم..
تصدرت الشابات الآن المشهد السياسي الوطني الحقيقي، مع الشباب، ولم يتخلفن خطوة عنهم، وبهذا اثبتت إنها لا تحتاج الى نسبة مشاركة زائفة بل طبقتها فعليا بتواجدها الدائم في سوح الانتفاضة، حتى في أكثر المدن تحفظاً، حيث وقفت في صدارة الموقف، لذا ستكون مشاركتها المقبلة في عملية البناء ليس كرقم مكمل لأحزاب لم تقدم للوطن إلا كماً عددياً هائلاً في سرقة وتهريب أموال الوطن..

الكاتبة سناء الطالقاني: إنقضاض على القيود العشائرية
انتفاضة تشرين التي قفزت لها قلوبنا فرحاً وأملاً، جاءت بعد مخاض طويل وعسير وأبرز ملامحه ، بدأت بمشاركة نسوية ملحوظة للغاية وسابقة لم نعهدها قبلاً بل كل يوم أعداد منهن تتزايد في ساحات الاحتجاج وأمام المدارس وداخل الجامعات وفي الشوارع، يقفن في خطوط المواجهة مع قوات الأمن، أو يقدمن المساعدات الطبية أو الخدمية في الخطوط الخلفية، في مشاهد غير مألوفة إلى حد كبير في العراق.
وشكّلت الانتفاضة فرصة لعدد كبير من النساء ومن مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية لايصال أصواتهن الى العالم بعدما حذفها الإسلام السياسي من خارطة المشهد الاجتماعي. في ساحات التحرير كان يبدو جلياً لأي مراقب أن النساء العراقيات حصلن على موطىء قدم لهن في الاحتجاجات من أجل السعي ليس فقط برحيل نظام عفن بل أيضاً سعيهن للأنقضاض على القيود العشائرية والأطر المتخلفة التي تعيق حريتهن الى حد كبير في بلد لا تزال فيه العشيرة والقبلية تلعب دوراً كبيراً في المجتمع .
أرى من أجل إدامة هذا الزخم النسوي الجديد بعد انكسار حاجز الخوف جزئياً أن تقود( انتفاضتهن) الخاصة داخل الحراك الاجتماعي وضمنه بوضع خيمة للنساء تحت مسمى من أجل الحريات والحقوق والمساواة في ساحة التحرير للمبادرة في التعريف عن حقوقها والدعوة الى مؤازرتها لخلق أجواء للحوار والنقاش تؤسس مبادرات ثقافية وإعلامية خاصة بها. وتشكيل لجان الدفاع عن حقوق المرأة لتبقي هذا الوعي المنبثق من حالته الثورية مستمراً وتنقله على نطاق أوسع حتى يصطف الرأي العام حولها ويكف عن المراوحة أو الصمت ويأخذ موقفاً سياسياً وأخلاقياً للانطلاق الى العمل اللاحق في فترة التهيئة للنظام الجديد. وبالضرورة يتطلب الدعوة الى تحرير الفضاءات العامة أمام مكونات المجتمع ومن ضمنها المرأة وهذا يتطلب تجمعات مدنية وحقوقية للدفاع عن حقوق المرأة بانتقال دينامية التغيير من المعارضة السياسية الى المعارضة الشعبية وجعل الاحتجاج تمريناً يومياً مألوفاً تتعدد تعبيراته ومميزاته باختلاف الظروف داخل الفضاء العام العراقي . لنتخيل يوماً ستحدث مظاهرة نسوية عارمة ضد تدخلات رجال الدين عبر الفتاوى والأحكام كيف يمكن أن تكون نتائجها؟! أتوقع ستكون مدوية لأن المظلوم لأول مرة يخرج للعلن بهذا التوسع ويرفض الظلم والإجحاف علانية، إيماناً منا بأن الوعي بالظلم الواقع علينا هو الخطوة الاولى نحو رفع هذا الظلم عنا كنساء. إنه التعبير والخطاب العلماني مقابل الرفض والتخندق الطائفي سيكون أوضح وأكثر فعالية .لكن الأهم أن انطلاق التظاهرات كسر قيد الحصول على ترخيص قانوني للتظاهرات، والذي كان السبب في منع مئات التظاهرات في الأعوام السابقة بحجج واهية.
لنذكر الجميع بأن الانتفاضة قامت من أجل الكرامة والعدالة والحرية، والمطالب الثلاثة هذه لا يمكن تحققها بتغييب المرأة عن المشهد العام ، رأينا نساء يمارسن الفعل الثوري بكل تجلياته في قيادة مظاهرات او اعتلاء المنصات الاحتجاجية أو تقديم كل الخدمات اللوجستية في الجبهة الخلفية للانتفاضة . ولرمزية الشهداء فالايقونات لا تشتمل فقط على الشهداء من الرجال فقط فهناك العديد من النساء سقطن شهيدات ولم يجر تعميم أمثلتهن!
منذ اليوم الأول لثورة/أكتوبر العراقية، نسمع عبارات مثل: “الثورة أنثى” و “أجمل ما في ثورتنا نساؤها”، وبمراجعة بسيطة لمشهد الثورة، نجد أن هذه التوصيفات لم تأت من فراغ، كما أنها ليست ترفاً، أو مجاملة، أو محاولة لتلميع صورة المرأة العراقية وإعطائها صفات ثورية مجانية، إنما أتت من الحضور الواسع والهائل والصوت الهادر والجريء للمرأة العراقية في كل الساحات.