سعدي السبع
ابن ثنوة
علاقة صفاء السراي بوالدته كانت علاقة غير اعتيادية بامتياز حتى انه كان يحب ان يلقب بـ"ابن ثنوة" وهو اسمها "ثنوة حسن فرحان"، لقب رافقه حتى نهاية حياته، كان تأثير "ثنوة" عليه كبيراً وطاغياً في حياته حين كان يشارك صوره معها على صفحته في فيسبوك، وفي احد المرات كتب على صورة تجمعهما انها ورغم مرضها الصعب وعدم قدرتها على فعل اي شيء كانت تطلب منه مساعدتها من اجل ان تعمل له الفطور، وهذا التأثير يعرفه أصدقاءه المقربون وكل من كان يتابعه حين كان يردد بقسمه عند مشاركته في أي تظاهرة "قسماً بروح ثنوة".
عاش صفاء في الم متواصل منذ عدة أعوام بسبب مرضها، حيث أصيبت بـ4 سرطانات مختلفة في الدماغ والعظام والثدي والغدة الدرقية، وظلت لفترة مصابة بشلل نصفي وفقدت الذاكرة والإحساس، حتى توفيت في ديسمبر 2017، ورغم أن والدته كانت حبه الأول والأخير، إلا أنه كتب في رسالة لأحد أصدقائه، نشرها بعد وفاته، عندما سأله عن حبه الأول قال "ثنوة"، لكنه عاد وقال إنه يحب العراق أكثر من ثنوة والدته، بعد وفاتها كان دائم الاشتياق لها وعبر عن ذلك في مرات عديدة بصور وكلمات كتبها قبل ان يغادر بلقبه الذي أصبح يعرف به بين صفوف المتظاهرين والاصدقاء والمعزين.
المتظاهر الصحفي
لم يكتف صفاء بدروه في نشر صور ومقاطع الفيديو عن الاحتجاجات الشعبية التي شارك بها منذ العام 2011 على صفحته في فيسبوك بل اخذ دوراً جديداً خلال تظاهرات تشرين الأول، بعد ان عملت الحكومة على قطع خدمة الانترنيت عن المواطنين خلال الايام الاولى للتظاهرات ومنع تواجد القنوات الفضائية والتضييق على عملها في ساحة التحرير ببغداد، تطوع صفاء مثل عادته بمهنة جديدة حيث أصبح هنا المراسل المتظاهر الذي أخذ على عاتقه توصيل أشرطة الكاميرات الى مكاتب القنوات الفضائية ومنها قناة NRT المحلية، حيث كان يسعى من خلال هذا الدور الى فضح انتهاكات القوات الأمنية وعمليات القنص التي جرت ضد المتظاهرين في الأسبوع الأول من التظاهرات في ظل غياب عدد كبير من وسائل الاعلام الرئيسة عن تغطية تلك الأحداث، ويقول بهاء كامل صديق صفاء عن هذا الدور "كان لصفاء دور مهم في نقل ما يحدث في الساحة في الأيام الاولى من التظاهرات حيث كان يتنقل بدراجة نارية من شارع لشارع ومن زقاق لزقاق حتى يوصل اشرطة الكاميرا الى احدى القنوات الفضائية من اجل بث تلك اللقطات"، ويضيف "كان بمثابة المتظاهر المراسل الذي يتظاهر تارة ويرسل الاشرطة تارة اخرى".
يومه الأخير
في عصر يوم 29 من شهر تشرين الأول وحين بدأت الاحتجاجات تشهد زخماً كبيراً من أبناء مدن العاصمة العراقية بغداد، كان صفاء السراي يقف شامخاً أمام قوات مكافحة الشغب المقابلة في جسر الجمهورية، ساخراً منهم وهم يطلقون قنابلهم الدخانية والصوتية بشكل عشوائي تجاه المتظاهرين العزل، جرأة السراي في ذلك اليوم لم تكن تختلف عن جرأته في مواقف عديدة في حياته إذ كان دائم الاشتباك مع الإعلاميين والكتاب الذين لديهم مواقف ضبابية من الاحتجاجات وكان يطالبهم بموقف أكثر وضوحا وشجاعة تجاه أحوال البلاد وسياسات السلطة الحاكمة، لم يتوقع صفاء او حتى اصدقاءه بأن ذلك اليوم سيكون الأخير له في معشوقته "ساحة التحرير" حيث كان عناصر قوات مكافحة الشغب دقيقين جداً بإصابته، أصيب صفاء السراي ليل يوم 29 أكتوبر بقنبلة دخانية اخترقت جمجمته واستقرت بمنتصف الرأس في ساحة التحرير ببغداد، وحدثت ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي في تلك الليلة إذ أن المتظاهر الثائر لم يشف من إصابته في يده بعد، نقله المتظاهرون إلى مستشفى الجملة العصبية، حيث تم إخراج الشظايا من رأسه، وإيقاف النزيف، وتم نقله إلى العناية المركزة، وتقول صديقته الطبيبة ايناس عن تلك اللحظات "كنا في الأسعاف متوجهين الى المستشفى حين سمعت بأن شخصا قد دخلت قنبلة مسيلة للدموع في رأسه، وحين وصلت وجدت العديد من أصدقائي.. هنا شعرت بالخوف جداً، توجهت الى العناية المركزة، مسكت بيده وقلت له لا تخف رغم انه كان فاقداً للوعي، ذهبت الى اخيه الكبير وقلت له بأن صفاء سيموت فرد عليَ "فدوة". فارق صفاء الحياة عند منتصف الليل متأثراً بجراحه، وجيء بجثمانه الى ساحة التحرير بحسب وصيته لأصدقائه بأن يشيع في الساحة تحت نصب جواد سليم ويدفن بجوار والدته، طافت سيارة تشيعه في الساحة وكانت حفلة للدموع والحزن فالثائر الذي لم يتخلف عن اي احتجاج شعبي في هذه الساحة يودعها الان محمولاً على الأكتاف وملفوفاً بالعلم العراقي، اتجهت السيارة نحو طريق شارع السعدون الى النجف الأشرف حيث مكانه الأخير إلا أن صوره قد ملأت الساحات وشعاره "محد بهذا العالم يحب العراق بكدي" صار أيقونة الاحتجاجات العراقية الجديدة.