ماس القيسي
ثائر كريم رياح البحاثي (ثائر الطيب)، من مواليد محافظة الديوانية 9/ 11/ 1980، أعزب، أكمل دراسته ودخل كلية الإعلام في الجامعة الإسلامية حتى وصل المرحلة الثالثة، عمل في عدة أماكن مختلفة ضمن إطار العمل الحر، تمنى أن يعمل في وزارة النفط ويرتبط بمحبوبته التي تأخر عنها لظروف خارجة عن إرادته في وطن منكوب،
يهوى ثائر فن الشعر الشعبي ويعد شعراء العراق زملاؤه، يعشق الفن بكل تفاصيله، شديد التأثر بالمواقف الإنسانية وخاصة الوطنية منها، ويحدثنا عنه صديقه الشاعر كرار المحنة، إذ يقول:" كان ثائر يبكي كثيراً عند مشاهدته لأي مشهد إنساني وطني، وكان صاحب ابتسامة مميزة مع الجميع، مشهور لدى جميع من يعرفه بكلمة /ها خالي/ ".
بدأ ينتشر ويذاع صيت ثائر البطل بشكل سريع من خلال أفعاله الإنسانية الكبيرة، ويقول كرار في هذا الصدد:” أطلق ثائر حملة بعنوان (مالات الله) للفقراء والمحتاجين، وقد أحب هذه الأعمال بشكل غريب ولافت، إذ كان يد العون لكل فقير مرّ في طريقه، كان يواظب في مواصلة جهوده الحثيثة ليل مع النهار، ما يشعره بالحب والراحة، لم يعرف أبداً الارهاق والمتاعب طول تلك السنين".
شارك ثائر في كل الانتفاضات الشعبية المناهضة للظلم والطغيان والفساد في مدينته الديوانية، حتى أخرها ثورة تشرين منذ الخامس والعشرين، إذ كان له الدور الفعال كناشط مدني ومتظاهر وإعلامي، له الأثر الكبير في تأجيج روح الحماس والصمود لدى رفاقه، وفي الدعم اللوجستي من خلال إيصال المساعدات لساحات التحرير في بغداد والحبوبي في الناصرية، ويعقب بشأن ذلك كرار قائلاً:" ثائر صديقنا ولد ثائراً وغادر الحياة ثائراً مكافحاً، حتى في يوم استشهاده كان متجهاً لشراء علاج مرض السرطان، مناهض ورافض لكل أشكال الطغيان والاستبداد والحرمان في مدينته الديوانية التي تعرض فيها لبعض المساءلات القانونية الباطلة من قبل بعض الساسة الذين يترأسون شؤون المدينة".
وعن واقعة محاولة اغتيال بشعة استهدفت الطيب ثائر، افتعلها من لا يريد لهذه الثورة أن تستمر من خلال كتم صوت أبطالها، والتي تسببت في إصابته البالغة واستشهاده فيما بعد، يقول كرار:" في حدود الساعة الرابعة والنصف كان ثائر خارجاً من المنزل، متجهاً لشراء علاج لمرضى السرطان برفقة زميله من بغداد علي المدني، إذ كانت السيارة التي أُستهدفت لعلي بينما ثائر هو مَن يقودها ،ثم حصل الانفجار إثر عبوة لاصقة وضعت أسفل السيارة، مقابل المعهد الفني في حي الإسكان، بقي ثائر ينزف لمدة 35 دقيقة دون أن يكترث أحد من الناس المتواجدة، كانوا يتفرجون و يتلقطون له الصور، وهو مدمى بجراحه و يؤشر لهم منادياً ("احملوني") دون جدوى، وبعد وصوله للمستشفى أجروا له عمليات كبرى، ثم دخل بعدها في غيبوبة كاملة حتى اليوم الثالث، إذ استيقظ و نطق باسم أخي الوحيد مالك، توجه إليه مالك و سأله حينها ثائر عن حال أمه وأخوته، وهنا انقطع الكلام وعاد الى وضعه المتدهور وبقي يصارع الموت ٩ أيام حتى ارتقى شهيداً في يوم 25 كانون الأول، وقد اسموه الأطباء الذي اشرفوا على حالته (المقاتل الشجاع) لتحمله كل هذه الجروح والإصابات".
يتجلى الأثر الطيب لثائرنا الطيب واضحاً إبان رحيله، إذ رحل من هنا، وظهرت الوجوه الكادحة التي كانت تعيش من عطائه من هنا، تنعي وتتباكى وتشتكي حرمانها من بعده، ويضيف كرار بهذا الخصوص معقباً بقوله:" حين استشهد ثائر توافد إلينا الناس من الفقراء ممن كان ثائر يمد لهم يد العون، يبكون ويشتكون لم نكن نعرفهم، كما أن أحد المواقف التي لا يمكن أن تغيب عن ذاكرتنا قد حدث في مصرف الدم، حين نشرنا مناداة بأن ثائر يحتاج للدم، لاحظنا حشوداً متبرعة، تبكي وتهتف (" ثوير خالي نريدك")، من بينهم شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، يصرخ ("افرغوا دمي لثائر")". ذهب ثائر تاركاً محبوبته التي قطعت على نفسها عهداً بان لا تسير في درب الحياة مع سواه، وأباً يوصي رفاق ابنه الشهيد بان انتصار سلمية الثورة هو الثأر لثائر وليس الدم.
ثائر، من قال في أحد تغريداته (" لم نخلق للبقاء، فاصنع لروحك أثراً طيباً يبقى من بعدك")، يحمل في دمه، روحه، وكيانه كل معاني اسمه المرتبط بالثورة، من أُرسل الى هذه الحياة ثائراً منذ ولادته وحتى رحيله، لم يتهاون ولم تكسره تلك الإصابة، قاتل حتى آخر رمق وشوهد وهو يلوح بإصبع دون الآخر، الذي بتر إثر التفجير الدموي، بعلامة النصر حين استيقظ في المرة الأخيرة من غيبوبته، معلناً لمن يترقب اخضاعه انه لايزال ثائراً وصامداً بوجه طغيانهم، غادرنا تاركاً الأثر الطيب، وهو بدوره يترقب ما سيحل بوطنه الغالي على قلبه من بعده.