صفاء السراي.. قُبلةٌ ساخنة على جبين الثورة

صفاء السراي.. قُبلةٌ ساخنة على جبين الثورة

 منتظر حومة
قبل أكثر من /٥٠/ عاماً، ”الـ تشي غيفارا“ يتمشى بين جحافل الثوار في كوبا مطبقاً بشفتيه على سيكارتهِ ”الجروت“، ويبدو على ملامحه الابتهاج فرحاً بالنصر الذي حققهُ آنذاك على الإمبرياليين.
وها هو صفاء السراي يأتي بعد خمسة عقود بنفس الروحيةَ الثائرة، ومع نفس الثوار مع اختلاف بسيط في الأسلحة، فصفاء يملك سلاحاً اعتيادياً، وهو مشروب غازي ”البيبسي“ ليبرد بها عيون الناس، والكمامة لتستر أنفه من الغازات السامة المتطايرة.

لكن لهذا الشخص سلاح أقوى من رصاص الأعداء وقنابلهم، لدى السراي كما لإخوتهِ ممن معه، سلاح مميز ألا وهو الصوت، الذي زمجر به عالياً ضد الفاسدين والمتسترين خلف الدين ويقتلون هذا الشعب البريء.
لصفاء وجيفارا نظرتان مختلفتان بمفهوم واحد، وعلى عكس ”جيفارا“ لا يؤمن صفاء كثيراً بالقتل في إنجاح ثورتهِ، رغم فتك المتسلطين ببلده، فهو ينظر إلى السلاح على أنه سبب البلاء الذي يعيشه البلد، فكان عدواً وكارهاً للدم، حيث يقول في أحد قصائده التي ألقاها بين الثائرين قبل أستشهادهِ: «ويا عِراق كفانا موت يا وطني.. لِمَ المقابر حبلى بكَ تعتصم»
في هذا البيت يستفهم صفاء عن المقابر والموت الذي يراه كثيراً في بلدهِ، ويبين كرههُ للقتل. إذاً هو ثائر لكن دون قتل، دون شباب تدخل إلى المقابر، فصفاء (عشريني العمر) واكب بعمره المزهر فترات الاحتلال والحرب الأهلية، وأخطاء الساسة الكارثية التي أنتجت داعش، فهو شرب الموت والحروب حتى ارتوى منها، حيث يقول بلسان صادق وقلب حزين : «مُذ كنت طفلاً شربت الحزن مِلء فمي».
فمن بعيد يبدوان وكأنهما القربان الحتمي للثورة، إذ يقول ”جيفارا“ في كتابهِ ”يوميات دراجة نارية“ الذي كتبه في أثناء ترحالهِ في أميركا الجنوبية: «أرى نفسي قرباناً في الثورة الحقيقية، المعادل العظيم لإرادة الأفراد»، ويقول ”السراي“ أيضاً في قصيدتهِ: «هذهِ حدودي تعالوا جاهدوا بدمي.. بل أحرقوني لعل الحق يحتدم».
تشابه عظيم بين ثائرين شاهَداً نفسَيهُما قرابيين للشعب والأفراد، صفاء السراي ثائر ”سادي“ إن صحَّ القول، يحب أن يرى نفسه محترقاً من أجل تخليص شعبهِ ووطنه من معاناتهم، متجاهلاً كل التهديدات التي لحقت بهِ، بل وحتى من يكتب عن صفاء يرى نفسهُ في وجه البنادق من كل حدب وصوب.
فأنا أكتب بعد /٦٠/ يوماً من استشهاد ”صفاء السراي“، ولا زالوا يلاحقون أصحابهُ ورفاقه، بل وحتى من كتب عنه سيجد نفسه مهدداً بالتصفية والقتل، أنا كتبت عنه، إذاً أنا في عداد الموتى، حتى ذلك اليوم ستكون هناك قُبَلٌ أخرى في جبين الثورة..صفاء السراي.. قُبلةٌ ساخنة على جبين الثورة.