حكايات من ساحات الاحتجاج.. انتفاضة تشرين تصنع  المواكب الوطنية !

حكايات من ساحات الاحتجاج.. انتفاضة تشرين تصنع المواكب الوطنية !

 زيا وليد
انتهت التظاهرات التي بدأت في الأول من تشرين الأول2019 في أقل من أسبوع، بعد عمليات القتل والقنص التي طالت المتظاهرين. وحدّد المتظاهرون الخامس والعشرين من ذات الشهر نفسه موعداً لاستئناف التظاهرات، حال انتهاء مراسم الزيارة الأربعينية. وفي الزيارة المذكورة، شهدت المواكب الحسينية ومسيرات الزائرين رفع الأعلام العراقية بصورة مميزة، بالإضافة إلى صور الشهداء، وترديد الشعارات الوطنية، وهتافات ولافتات ضد الفساد والظلم.

عاد المتظاهرون بعد انتهاء الزيارة إلى احتجاجاتهم في الشوارع، وشهدت الأيام الأولى عمليات عنف كبيرة في المحافظات الجنوبية، ونظّمت محافظات النجف وكربلاء والديوانية والناصرية وميسان اعتصامات سلمية. ونظّم متظاهرو بغداد في ذات الوقت، اعتصاماً لهم سرعان ما توسع إلى أكثر من خيمة، وأعطى الزخم المطلوب للمتظاهرين ليتوافدوا منذ الصباح حتى ساعات متأخرة من الليل، بوجود رمزية "مركزية" لهم في ساحة التحرير.
مر يوم على التظاهرات، ليبدأ البغداديون بنقل الأطعمة والأشربة إلى ساحة الاحتجاج. مركبات مختلفة تحمل تلك المواد إلى ساحة التحرير، وتتوزع على الخيام الجديدة الموجودة قرب نصب الحرية وشارع السعدون وساحة الطيران، ومنها الى المعتصمين في المطعم التركي والحاجز الأول للجسر الجمهوري، وأسفله على جرف النهر، فضلاً عن المتجولين في ساحة الاحتجاج، مع توسع رقعة التمدد إلى جسر السنك، وجسر الأحرار لاحقاً.
يشبه المشهد إلى حد كبير أجواء الزيارات الدينية، حيث ينقسم الناس بين متبرع بالمال ومتبرع بالنقل ومتبرع بالتوزيع، وحشود تعثر على ما تشتهيه من ماءٍ وطعام وفواكه وحلويات وكمامات و"بيبسي" للوقاية من الغاز المسيل الدموع.
بدأ منظمو الخيام بالاعتماد على جهود ذاتية من خلال الاتصال بأصدقائهم ومعارفهم من أجل توفير المستلزمات الرئيسة، كالمياه والطعام والدواء وما يتعلق بالمبيت داخل الخيام. كان ذلك في اليوم التالي للتظاهرات، قبل أن يتصاعد نسق الاحتجاجات، ويصل صوت الاعتصام إلى كل العائلات العراقية التي بذلت جهوداً ملحوظة بإدامة زخم التظاهرات عبر التبرع بالمال، وطبخ الطعام داخل البيوت وتوزيعه على شباب الساحات، أو شراء الجاهز منه ونقله إلى المعتصمين.
ويُلاحظ المتجول في ساحة التحرير عدداً كبيراً من مركبات الحمل تجوب الساحة تحمل مختلف الأطعمة وصناديق الفاكهة والماء والمشروبات الغازية.
يقول أحمد العكيلي، أحد منظمي الاعتصامات، إن "المتبرعين ينقسمون إلى عدة أقسام، منهم من يرسل الأموال لنا لشراء احتياجاتنا، ومنهم من يرسل الطعام والمياه والبيبسي والكمامات دون سؤالنا عنها، ومنهم من يسأل عمّا نحتاجه ليتم توفيره، فضلًا عن الأدوية واللوازم الطبية التي تعالج حالات الاختناق والإصابات غير المميتة، من قبل الفرق الطبية والمسعفين".
يشعر العكيلي بالسعادة لما تقدمه العائلات العراقية، ويتحدث عن فتيات يتبرّعن بغسل ثياب المعتصمين كونهن لا يستطيعن تقديم شيء آخر. كما يُشير العكيلي في حديث لـ "الاحتجاج"، إلى أن "بعض المتبرعين من العائلات لا يستطيع الوصول إلى ساحة التحرير، كما أننا نواجه صعوبة بالوصول إلى بيوتهم لصعوبة الحركة وخطورتها".
كالحالات الثورية التي يسود فيها التضامن الشعبي، أبدى أصحاب مطاعم ومحال تجارية ومذاخر الأدوية ومطابع اللافتات والشعارات تعاوناً كبيراً مع المتظاهرين. تبدأ تخفيضات الأسعار فوراً حالما يعرف (صاحب المال) أن المواد التي يراد شراؤها ستذهب إلى ساحات الاحتجاج، وبعضهم لا يأخذ سوى كلفة إنتاج المادة دون أرباح منها.
يقول العكيلي: "يُقدّم أصحاب المحال تعاوناً كبيراً مع المتظاهرين والمعتصمين. كذلك أصحاب مركبات النقل التي تُستخدم لجلب البضائع إلى الساحة، وأصحاب مركبات الأجرة الذين (يتساهلون) مع المتظاهرين القادمين إلى ساحة التحرير والعائدين منها".
ومن غير الجديد، ذكر دور عجلات الـ "تك تك"، الذي كُتب عنها الكثير، في النقل المجاني المصابين والجرحى والمتظاهرين، وأضيف لاحقاً نقل المواد والبضائع للمعتصمين.
وقد أصبح المعتصمون يُجهزون أنفسهم لإيجاد بديلٍ عن الأطعمة الجاهزة التي تردهم من المواطنين، أو التي يشترونها بأموال التبرعات. ويقول (م.ج) أحد المعتصمين، إنهم يتجهون نحو "طهي الطعام بواسطة قدور كبيرة". ولأجل ذلك، بات المعتصمون يطلبون من المتبرعين المواد الغذائية غير المطبوخة، كالرز والفاصولياء واللحوم الحمراء، ليتسنى لهم طهيها وتوزيعها على المتظاهرين والمعتصمين في مختلف المواقع.
يرى (م.ج) " أن "طبخ الطعام في ساحة التظاهر والاعتصام سيقلل الكلف المدفوعة من شراء الطعام الجاهز، ويوفر إمكانية لتوزيع أكبر عدد ممكن من الوجبات على الشباب المتواجدين هنا". .