حول مصرع الملك غازي الغامض..رواية خطيرة لمحسن ابو طبيخ

حول مصرع الملك غازي الغامض..رواية خطيرة لمحسن ابو طبيخ

وسيم رفعت عبد المجيد
يقول السيد جواد هبة الدين الحسني تحدث السيد محسن ابو طبيخ مساء السبت 19 تموز عام 1950 ضمن الحديث عن العائلة المالكة الهاشمية والامير عبد الاله والملك غازي ومقتله قال: وانا اشعر في نفسي بألم روحي من انني كنت من احد الاسباب لمقتله من حيث لا ادري..

قلت له كيف؟ قال: قبل مقتل غازي باربعة ايام عدت الى البيت ظهر الخميس 31 آذار بحسب المعتاد وبعد تناول الغذاء. ذهبت لأخذ قسطاً من نوم القيلولة المعتاد عليه وكانت الساعة حوالي الواحدة من بعد الظهر.. وقبل ان انام اخبروني بان الامير عبد الاله يطلبك على الهاتف. فاخذ يحدثني ويعتذر عن ازعاجي بهذا الوقت ويطلب مني الحضور الى قصر الزهور بالسرعة الممكنة؟..
لأمر خاص يهم العائلة المالكة .فأجبته سأكون عند سموه خلال نصف ساعة .. فشكرني وقال: انا بانتظارك.. وفي الحال توجهت بسيارتي اليه.. وكانت الساعة في الثانية ربعاً فوجدت الامير عبد الاله واقفا عند الباب الداخلية للقصر ينتظرني وعلى وجهه دلائل الارتباك مما زاد في دهشتي وبعد ان حييته وصافحته قلت له خير ان شاء الله؟؟ فقال تفضل الى الداخل حيث العائلة المالكة بانتظارك!! وتقدم هو امامي الى داخل قاعة الاستقبال فوجدت في القاعة الملكة نفيسة زوجة الملك علي والدة الامير عبد الاله وبجوارها ابنتها الملكة عالية زوجة الملك غازي ثم الاميرة راجحة شقيقة الملك غازي وحولهم شقيقات الاميرات عابدية وجليلة وبديعة فسلمت عليهن فطلبوا مني الجلوس.. فقلت: خير ان شاء الله!! قالت الملكة نفيسة والدة عبد الاله: يا سيد محسن نعتذر اليك اولاً عن ازعاجك واستدعائك الينا بهذه الساعة!! ولكن الضرورة اقتضت ذلك ..وقد تداولنا فيما بيننا واردنا ان لا نطلع احداً على ما يدور بيننا من امور عائلية الا لك لأنك اقرب من نعرفه الينا.. وانك من حماة هذا العرش ومن صلاتك القديمة بجلالة المرحوم الملك حسين ثم الملك فيصل رحمه الله واخوته الاخرين. ولثقتنا التامة بك وبحبك واخلاصك لهذا البيت رأينا الاستعانة بك في مشكلة حدثت عندنا صباح هذا اليوم ونريد منك التدخل في حلها ،مع صاحب الجلالة الملك غازي وصاحب السمو الامير عبد الاله. حيث حدثت بينهما مشادة كلامية حادة طلب على اثرها صاحب الجلالة من سمو الامير مغادرة العراق هذا اليوم الى الاردن دون تأخير.. وقد خرج جلالته منفعلاً جداً وغاضباً اشد الغضب..وهو الان في البلاط ينتظر تنفيذ امره.. لذا نريد منك الذهاب اليه في البلاط لتهدئته وازالة انفعاله ومحاولة اقناعه بالعدول عن امر الابعاد هذا وبهذه السرعة!! ولا نريد ان يسمع احد بهذا الخلاف .. حيث ان لك منزلة محترمة عند جلالته ولا احد غيرك نطمئن اليه لعلاج هذه الحالة.. فقلت لهم :لتكن العائلة الكريمة مطمئنة.. واني ان شاء الله سأقابل جلالته الساعة واسترضيه واطلب منه العدول عن هذا الامر واملي ان يلبي جلالته طلبي. وفي الحال توجهت الى البلاط.
ودخلت على رئيس التشريفات تحسين قدري وسألته عن وجود جلالة الملك؟ فقال: انه في مكتبه فسألته ان كان معه احد من اعضاء الحكومة؟ فقال :لا.. فقلت له: هل كلمك جلالته بشيء؟ فقال: لم يكلمني ولكنه منفعل كالغضبان على شيء.. فقلت له: اود ان يأذن لي بمقابلة جلالته!!فدخل تحسين لحظات عليه ثم عاد وقال لي: تفضل بالدخول. فدخلت عليه واديت التحية له. فاستقبلني الملك غازي مرحباً.. ولكن الغضب كان بادياً على وجهه.. فطلب مني الجلوس وقال لي: اظنك جئت من “قصر الزهور”؟ قلت نعم يا مولاي!! وهل عند جلالتكم خبراً بذلك؟ قال: لا!!ولكن تصوري ان العائلة المالكة قد اتصلت بك!! لأنها تحسن الظن فيك وتثق بك!! فقلت له: اذا كان هذا رأي جلالتكم ورأي العائلة الكريمة بي.. فأرجوا ان تخبرني يا صاحب الجلالة، بالأمر الذي حدث مع ابن عمكم الامير عبد الاله؟؟ فقال الملك بانفعال شديد وبالحرف الواحد: يا سيد!! ان ابن عمي هذا يتآمر مع اعدائي علي!! وكلما انهاه عن التقرب منهم ولزوم الابتعاد عنهم!!فانه لا يلتزم بأمري بل يزداد قرباً منهم واني اخشى ان يقتلوني وهم ليسوا بخافين عليك انت.. واتصالاتهم مستمرة مع السفارة البريطانية لهذا الغرض. وهم الان يخططون لإدخال “عبد الاله” في صفهم ضدي!!هل ترتضي انت بذلك؟؟ فقلت له: كلا!!ولكني اخشى من كثرة المنافقين الذين يريدون التفريق بين جلالتكم وابن عمكم!! ولا اعتقد ان عبد الاله سيصل الى هذا الحد مع اعدائكم كما ذكرتم!! لأنه ابن عمكم.. وخال ولي عهدكم الامير فيصل!!فمن هو اقرب منه الى جلالتكم؟؟ لذا فاني ارجو من جلالتكم التساهل مع ابن عمكم في ان تؤجلوا ما امرتم به الى وقت آخر يكون مناسباً له..
فقال الملك بانتباه ..وكيف ترى ذلك؟ فقلت له: اذا كان لابد من ابعاده عن العراق فليس بهذه السرعة ..ولا بهذا الاجراء!!ومن رأيي ان تأمروا جلالتكم بإصدار ارادة ملكية في تعيين سمو الامير عبدالاله سفيراً لجلالتكم في دولة تختارونها له..فيكون ابعاده عنكم لا يثير التساؤلات حوله وتزيلون شك جلالتكم فيه فهو افضل لجلالتكم.. واكثر احتراماً لابن عمكم الامير امام اعدائكم جميعاً.. فسر الملك غازي بهذا الرأي.. وقال لي :اشكرك ياسيد..وسوف انفذ رأيك هذا خلال هذا الاسبوع ان شاء الله، وبإصدار ارادة ملكية بتعيينه سفيراً في احدى العواصم..
فشكرته كثيراً.. واستأذنته بالعودة الى قصر الزهور لأخبار العائلة المالكة بذلك.. فقال :لك ذلك فودعته واتجهت الى قصر الزهور واخبرت الامير عبد الاله والعائلة بذلك فشكروني جميعاً لهذا المسعى وودعتهم وكانت الساعة قد قاربت الخامسة مساءً.. وبعد ثلاثة ايام فوجئت بنبأ مقتل الملك بسيارته في عملية محفوفة بالشكوك حول مقتله للتخلص منه. وجيء بالأمير عبد الاله وصياً . على العرش وذلك في 2 نيسان 1232 وادركت ان مسعاي عند الملك غازي بشأن تأجيل ابعاد عبد الاله وموافقته عليه وشكر عبد الاله والعائلة المالكة لي كان خطوة من الخطوات الناجحة التي ساعدتهم في مقتل الملك. ولو ان الملك كان منفذاً امر ابعاده الفوري وخروجه من العراق لربما كان قد غير مجرى ما صمم المتآمرون عليه. وهذا ما كان يشغل فكري والله اعلم بعواقب الامور.
وهكذا تم تدبير حادثه مقتل الملك غازي في السيارة في الطريق المار بين قصر الزهور وقصر الحارثية تم ذلك في ليلة 2-3 ــ نيسان 1939 .
عن: كتاب (العراق الانقلابي)