مع اقترابها من الشهر الرابع.. هذه إنجازات انتفاضة تشرين

مع اقترابها من الشهر الرابع.. هذه إنجازات انتفاضة تشرين

 أحمد السهيل
تقترب الانتفاضة العراقية التي انطلقت مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، من شهرها الرابع، ولا يزال شبابها مرابطين في ساحات الاحتجاج التي تشمل معظم المحافظات الوسطى والجنوبية.

ولعل تلك الانتفاضة التي حملت شعار "نريد وطناً"، أخذت الصدى الأوسع بين كل حركات الاحتجاج والتغيير في تاريخ العراق الحديث، حتى عكستها على بلدان أخرى مثل لبنان الذي يعاني أنظمة المحاصصة الطائفية والحزبية، وعلى الرغم من مجابهة تلك الانتفاضة بكل وسائل العنف المفرط والقمع، من تغييب وقتل واختطاف واغتيالات طاولت ناشطين وصحافيين، وعمليات الترهيب الممنهجة، لكن ذلك على ما يبدو، لم يؤدِ إلى تراجع المنتفضين عن إرادتهم لما يطلقون عليه "استعادة الوطن المختطف".

انتفاضة تعدت حدود الساحات
ولعل التساؤل الأبرز الذي يدور الآن هو ما الذي حققته تلك الانتفاضة من مكتسبات على الأرض؟ حيث يشعر المتظاهرون العراقيون أن أحد أكثر المكتسبات المتحققة وأهمها هو خلقهم حالة تكاتف اجتماعي، وأن انتفاضتهم تعدت حدود ساحات الاحتجاج وباتت مطالبها تمثل رؤية أغلب العراقيين، من خلال تجاوز الهويات الفرعية أمام الهوية الوطنية، وهذا ما لم يتحقق منذ الغزو الأميركي للعراق وبداية التشظي الطائفي والقومي وصناعة نظام المحاصصة الحزبية والطائفية.
وعلى الرغم من العنف الذي جوبهت به الاحتجاجات خلال الأشهر الماضية، ما خلَّف حوالى 700 قتيل و25 ألف جريح، لكنها لم تتراجع مع استمرار التصعيد.
وتتمحور مطالب المحتجين العراقيين بخطوات تمهد لانتخابات مبكرة بإشراف أممي يضمن عدالتها ونزاهتها، فضلاً عن تغيير قوانين تلك الانتخابات ومفوضيتها بما يتجاوز مبدأ المحاصصة الذي قامت عليها المفوضيات السابقة، وترشيح رئيس وزراء مستقل لمرحلة انتقالية يضمن شفافية تلك الإجراءات. لكن القوى السياسية، وتحديداً تلك المرتبطة بإيران، لا تزال متعنتة في تنفيذ تلك المطالب، وأبرز ما يخيفها هو عدم وجود ضمانات لها بأن المرحلة المقبلة لن تشمل ملاحقتهم قضائياً في ملفات فساد وقتل، وتحديداً فيما يتعلق بقمع الانتفاضة، وهذا أحد أبرز المطالب الشعبية، بحسب مراقبين.

نهاية مرحلة المحاصصة الطائفية
وبينما تتفاوت آراء المحتجين حول المتحقق من منجزات في انتفاضتهم، إلا أنهم يجمعون على أنها نجحت في تفتيت مفهوم الطائفية على المستوى الاجتماعي، ويرون أن ذلك يعني نهاية مرحلة المحاصصة الطائفية في إطارها السياسي مستقبلاً، التي فشلت في بناء الدولة.
وفي سياق الحديث عن منجزات الانتفاضة العراقية، رأى الكاتب والناشط علي المياح، أن "ما تحقق إلى الآن جيّد، فإطاحة رئيس الوزراء وانتزاع تشريع مهم من البرلمان بخصوص قانون الانتخابات، أبرز ما يمكن تحسسه كنتائج آنية لهذه الانتفاضة"، مبيناً أن "تصاعد وتيرة الاشتباك الأميركي الإيراني أسهم إلى حد ما، بكبح تقدم انتفاضة أكتوبر باتجاه انتزاع مكتسبات أخرى من الطبقة السياسية".
وأضاف، "يبقى الإنجاز الأهم والأعمق والأكثر تأثيراً على المدى البعيد، هو أن هذه الانتفاضة خلقت الأنا الوطنية وجعلتها تفرض نفسها كهوية جامعة تمثل بديلاً عن الهويات الطائفية الموظفة من قبل القوى السياسية، كرأس مال يستثمر لديمومة النظام الطائفي المكرس لتنمية الإقطاعيات السياسية التابعة لأمراء الطوائف".
وعن انعكاسات الانتفاضة العراقية على المنطقة، بيَّن المياح أنها "أثبتت أمراً مهماً آخر على مستوى المنطقة، فقد قدمت صورة تجلٍ لخيبات أنظمة المحاصصة وفشلها كنظام حكم يمثل حلاً لا بديل له لمشكلات التنوع الإثني والطائفي في دول المشرق العربي، حيث أثبت شباب أكتوبر، عبر نبذهم للخطاب الطائفي، أن النظام الديموقراطي القائم على أساس المواطنة هو الحل حتى في أشد النماذج تعقيداً من ناحية التنوع كالنموذج العراقي أو السوري واللبناني".

استعادة الوطن المختطف
وعلى الرغم من كل الإشكالات التي شابت الانتفاضة، التي كانت تهدف للتشويش عليها أو إنهائها، بدءاً من استخدام قناصين وصفتهم الحكومة بـ"المجهولين"، وتخوين المحتجين واتهامهم بأنهم يمثلون "أجندات أميركية وإسرائيلية"، واستمرار عمليات القمع واستخدام الرصاص الحي، وصولاً إلى الانسحاب الأخير للتيار الصدري، إلا أن كل تلك العوامل لم تؤد إلى انتهاء الانتفاضة، بل إنها مستمرة بالتصعيد، وبحسب ناشطين، فإنهم لن يتراجعوا حتى تحقيق كل مطالبهم.
من جانبه، يقول الناشط محمود حميد، إن "التعامل يمكن أن يكون مع نوعين من النتائج، قريبة الأمد وآنية، وأخرى تظهر آثارها على المدى البعيد"، مردفاً، "على مستوى المطالب التي رفعتها الاحتجاجات والمشروطة بسقوف زمنية لغاية الآن، لم يتحقق مطلب واحد، بالنظر للمماطلة والتسويف اللذين تمارسهما القوى السياسية".
ويضيف "لكن هناك تحولات مهمة على المستوى الاجتماعي لم نكن نشهدها في السابق، منها الخطاب الوطني الذي تبنته الاحتجاجات، ومغادرة الخطاب الطائفي، ورفع المطالب كان في إطار نريد وطناً ولم يكن منطلقاً من محفز ديني أو مكوناتي".
ويبيَّن حميد أن "المجتمع العراقي اجتاز الكثير من العقبات التي كانت تحول بينه وبين مسيرة التصحيح التي كانت منتظرة وينظر لها، نحن اليوم أمام شعب يضع القوى والزعامات كافة تحت المساءلة والنقد ولا حصانة لأحد".
مستمرون في حراكنا لـ"استعادة الوطن"
"ما نسعى له هو استعادة الوطن المختطف من قبل القوى الخارجة عن القانون، ولن نتوقف حتى تحقيق هذا الهدف"، هكذا ما قاله الناشط في محافظة واسط محمد النائلي.
وتابع "المحتجون يعتقدون أن مطالبهم هي البداية المنطقية ضمن الدستور لتحقيق التغيير المنشود"، لافتاً إلى أن "ما تحقق حتى الآن هو إقالة عبد المهدي وقانون انتخابات لم يصادق عليه فقط".
وأشار إلى أن "اللافت هو دخول الرأي العام كعنصر فاعل في اختيار رئيس الوزراء وفي الضغط على القوى السياسية، حتى بات واضحاً عندما غيَّر الكثير من السياسيين رأيهم حول الانتخابات المبكرة".
أما الناشط علي الركابي من محافظة ذي قار، فيقول إنه "مع اقتراب دخولنا في الشهر الرابع لانتفاضتنا السلمية، وتصعيد السلطات القمعية وتزايد أعداد القتلى، فلا خيار أمامنا إلا الاستمرار حتى تحقيق كل المطالب التي قُتل من أجلها زملاؤنا".
أضاف "حتى الآن حققنا مكاسب متمثلة في قانون الانتخابات وإجبار عبد المهدي على التنحي. هما مطلبان مهمان للثورة، ومستمرون بالضغط وعدم التراجع لحين اختيار رئيس وزراء مستقل وتحديد موعد لانتخابات مبكرة".
وأشار إلى أنه "على المستوى الشعبي حققت التكاتف وطمس الهوية الفرعية وتفعيل الهوية الوطنية، وحصر الكتل والأحزاب في زاوية ضيقة تبين للعالم الرفض الشعبي لكل الطبقة السياسية الحاكمة".

"لحظة صارعت المستحيل"
أما الناشط علاء المانع من محافظة بغداد فيرى أن "لحظة أكتوبر فاجأت الجميع، وأخذت صدارتها من طابعها الشبابي"، واصفاً الانتفاضة بأنها "لحظة صارعت المستحيل، وأسست لحقبة جديدة في العراق".
وأضاف "نحن في انتظار إكمال النصر، ونحن واقفون في الساحات ثابتون على الرغم من كل شيء لإتمام ما تبقى من استرجاع العراق واستعادته".