مع الموسيقار العراقي الرائد يوسف زعرور

مع الموسيقار العراقي الرائد يوسف زعرور

سامي موريه
ادرك الموسيقار يوسف زعرور أهمية تطور الموسيقى العراقية من الموسيقى الشعبية الى الموسيقى الحديثة، فقد احتل مكانة خاصة في عالم الموسيقى في بغداد . سافر القبانجي مع يوسف زعرور الى برلين لتسجيل اسطوانات واشرطة عديدة، حين كانت برلين مركزا عالميا لمثل هذه التكنولوجيا الحديثة، واذيعت الحفلات الموسيقية العديدة من إذاعة برلين العربية بالاضافة الى حفلات خاصة قدمت اكراما للجالية العراقية هناك.

وعندما عقد المؤتمر العالمي الأول للموسيقى العربية في القاهرة، كان معظم اعضاء الجوق الذي مثل العراق في هذا المؤتمر من العازفين اليهود العراقيين بمصاحبة الفنان المسلم الوحيد قارئ المقام الخالد محمد القبانجي. وكان من بين من قادة الجوق العراقي الى نجاحه الباهر كل من يوسف زعرور وعزوري اهارون وبتو، وروى الاستاذ والمؤرخ الكبير للموسيقى العراقية الاستاذ حسقيل قوجمان للاستاذ شموئيل موريه عندما كان يدرْس في الجامعة العبرية، بان مراسل الاهرام اهتم بمكانة فن الموسيقى في العراق، وسأل الموسيقار يوسف بَتَوْ عازف السنطور قائلا: "إزاي حالة الفن في العراق"، فاجابه الموسيقار بلهجته اليهودية العربية: "هيي فن مال قبور بالعراق، نحنا عبارة عن يعزمونا للعراصة ندق، ولما يقدمون المزة ويلعب العرق براسهم، يقوم تلعب الخنيجر والسكاكين، ونحنا نقوم نركض ونختبي بالأدبات"، لم يفهم مراسل الأهرام كلمة مما قال باللهجة العربية اليهودية البغدادية، ولما سأله عن معنى كلمة الأدبات [المراحيض]، اجاب بتو بقوله: ما قا أحكي وياك بالعربي، انت ما تفهم عربي؟". رحم الله تلك الايام التي اتسمت بالتسامح والتآخي وتقييم الفن الأصيل بدون نعرات دينية أو مذهبية او سياسية.
وقد لفت الاستاذ يوسف زعرور بعزفه الرائع على القانون في هذا المؤتمر وتفوق فيه ونال المقام الاول وحصل على الميدالية الذهبية. وقد استطاع بموهبته الفنية من توسيع عدد الموسيقيين في الجالغي العراقي من عزف بمصاحبة اقل عدد ممكن من العازفين على الآلات الايقاعية الى جعل القانون الآلة الموسيقية الرئيسية في الجالغي، وكان لتقاسيمه المنفردة اثر كبير على شهرته في هذا الفن العراقي الأصيل منذ عام 1931 والى هجرته القسرية عام 1951 حين صاحب جميع الفرق العراقية بعزفه الملهم المتنوع وبرع في عزف فنون موسيقية متعددة كالمقام والتواشيح المصرية والموسيقى الفارسية والكردية والتركية. وعندما كرر الاستاذ سامي الشوا زيارته للعراق لتسجيل اغاني المطربات والمطربين العراقيين من امثال منيرة الهوزوز وصديقة الملاية وسليمة باشا مراد على اسطوانات لشركات شهيرة منها غرامافون وأوديؤون وبوليفون، لم يجد الاستاذ سامي الشوا من يضاهي السيد يوسف زعرور عازفا على القانون وعزرا اهرون عازفا على العود، فضمهما الى جوقته.
التقى يوسف زعرور بمطربة الشرق أم كلثوم وبموسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب في عامي 1932-1933 وعزف معهما على القانون في سلسلة حفلاتهما في العراق، فقد كان صاحبنا من عازفي القانون الذي يشار اليه بالبنان منذ عام 1933 والى عام 1951 ومن افضل عازفي القانون في العالم، وعزف في حفلاته التي اقامها في مصر ولبنان وسورية وتركيا وغيرها من البلدان. وعند تأسيس الجوق الموسيقى الاول لدار الاذاعة العراقية عام 1936 كان الموسيقار يوسف زعرور والملحنين صالح وداود الكويتي من كبار العازفين في هذا الجوق. وعندما اقيل الاخوان الكويتيين من الاذاعة العراقية، عين يوسف مديرا عاما لقسم الموسيقى بإشارة من رئيس الوزراء نوري السعيد الذي قدر مواهبه، وقد شغل زعرور هذا المنصب الى يوم 3 مايو عام 1951 لاسقاط الجنسية العراقية عنه. وفي نطاق عمله شكل ثلاثة اجواق للعزف بعد ان اجرى لهم مقابلات خاصة، وهي فرقة عزف الموسيقى العراقية وفرقة عزف الموسيقى الكردية وفرق عزف الموسيقى المصرية كما قام بانتخاب قارئ القران الكريم في إذاعة بغداد .
وفي نطاق عمله في دار الاذاعة العراقي كان يضع برنامج الاذاعة اليومي ويمتحن الموسيقيين والمطربين في برنامج الاذاعة ومن بينهم الفنانون اليهود من امثال سليم شبث والبير الياس عازف الناي، وابراهيم داوود وابراهيم سلمان وداوود اكرم ويعقوب شبث وشواع حسقيل والياس زبيدة وساسون عبدو ويوسف يعقوب شيمطوب والمغني الشاب صالح الشبلي، وما زال بعضهم من الاحياء وقد قام الاستاذ شاؤول بار-حاييم بتعيين بعضهم في دار الاذاعة الاسرائيلية واصر على دفع اجور مساوية للفنانين الاسرائيليين القادمين من اوروبا، وما يزال بعضهم شارك في الحفلات التي تقيمها الجالية اليهودية في اسرائيل وخاصة في مركز تراث يهود العراق ومتحفه في أور-يهودا ونادي الرافدين بادارة يسرائيل شهرباني في رمات جان الذي يزوره اسبوعيا العشرات من القادمين من البلاد العربية، في محاضرات عن العراق وتاريخ يهود العراق وموسيقى وغناء كبار الفنانين الاحياء واحفادهم ممن واصل الدراسة وممارسة الغناء والموسيقى العراقية خاصة والمصرية عامة.
وعندما نجح ناظم الغزالي عام 1947 في امتحان القبول في دار الاذاعة العراقية الذي اجراه له زعرور غنى الغزالي اغنية مصرية، قال له "لعل من الأولى ان تغني اغنية عراقية، فأنا اظن ان ذلك اكثر ملاءمة لك". فغنى الغزالي مقام حكيمي، قال له زعرور، انك تغنى غناء رائعا وسيكون لك مستقبل باهر!". ثم وقع مع الغزالي اتفاقية للغناء في دار الاذاعة لمدة ستة اشهر أولى. ودأب ناظم الغزالي على زيارة زعرور في داره ثلاث مرات في الاسبوع لكي يتعلم منه قراءة المقام والغناء العراقي، ولحن له عدة أغان عراقية. وذكر عازف الكمان الشهير الياس زبيدة الذي كان يعمل مع زعرور في دار الاذاعة بان تلقين استاذه كان له الفضل في شهرة ناظم ومجده في اوساط الموسيقى العربية.