ما قصة مكان احتجاز المتظاهرين الذي يطلق عليه  كرفانات المثنى

ما قصة مكان احتجاز المتظاهرين الذي يطلق عليه كرفانات المثنى

 بغداد / محمد علي
منذ الأسبوع الأول لتفجر الاحتجاجات الشعبية، عاد مجددا إلى الواجهة مطار المثنى الواقع بجانب الكرخ من بغداد، لتتردد على الألسن عبارة "كرفانات المطار"، أو "كرفانات المثنى"، بعد كل عملية اعتقال أو اختطاف لناشطين.

ومطار المثنى أقدم مطار بالعاصمة تأسس إبان العهد الملكي، وتحول عام 2004، إلى معسكر كبير ومقر متقدم لإدارة العمليات العسكرية، قبل أن تقتطع أجزاء واسعة منه كمقر لقناة فضائية يملكها حزب "الدعوة الإسلامية"، بينما بقي الجزء الأكبر خاضعا للاستخبارات العسكرية العراقية، وبعض الأجهزة الأمنية الأخرى بسبب مساحته الكبيرة التي تحول قسم منها أيضا إلى معتقل مؤقت أو ما يعرف في العراق اصطلاحا "التسفيرات".
المطار الواقع بين المحطة العالمية للسكك وحديقة الزوراء ومحكمة المنصور في الكرخ يعود مجددا للواجهة، وكان أول من كشف عن احتجاز الناشطين والمتظاهرين فيه للتحقيق، ثلاثة شبان عراقيين تم اعتقالهم من على جسر الجمهورية لعدة أيام، مؤكدين أنهم خضعوا للتحقيق بدون الضرب في المطار داخل كرفانات تستخدم كسجون مؤقتة.
وبعدها صار مشهد وقوف أولياء أمور الشبان العراقيين أو السيدات كبيرات السن بحثا عن أبنائهم المختطفين مألوفاً عند بوابة المطار، سواء تلك المطلة على حديقة الزوراء أو بوابتها الجانبية التي يحرسها الانضباط العسكري بقبعاتهم الحمراء.
وفي هذا الإطار أكد مسؤول عسكري عراقي بأن "كرفانات المطار"، موقع تحقيق رسمي من بين عدة مواقع، زاعما أنه "محظوظ من يصل إليه كونه سيخرج ولا يتعرض لإخفاء مثل ضحايا اختطفوا على يد جهات مجهولة"، على حد تعبيره.
وتابع، أن "المكان اكتسب سمعة سيئة من أيام حكومة نوري المالكي، حيث كان أحد رموز الانتهاكات بحكومته لكن الآن الموضوع مختلف، والمعتقلون الذين يتم استقدامهم يكون التحقيق معهم وفقا لمذكرات قضائية بالعادة، إذ هناك من يعتبرون مندسين في التظاهرات"، على حد تعبيره.
من جانب آخر، فإن "الكرفانات" المنتشرة في موقع غربي المطار والمحاطة بكتل إسمنتية رغم تهالكها، ما زالت تعمل وفقا لناشط عراقي بالتظاهرات، قال إنها تتبع الاستخبارات وبالعادة كانت في الفترة الأخيرة لاحتجاز إرهابيي تنظيم "داعش"، بفترة محاكمتهم قبل نقلهم إلى السجون المحصنة.
وفيما يخص أعداد المعتقلين من المتظاهرين فهي ما تزال غير معلومة، حيث يصعب إحصاؤها في ظل تعدد الجهات الرسمية وغير الرسمية التي تنفذ الاعتقالات. وقال في هذا الصدد، القيادي في "الحزب الشيوعي"، جاسم الحلفي، إن "الإحاطة بعدد المعتقلين من المتظاهرين غير ممكنة، إذ هناك مجاميع وقوى مختلفة تقوم بالاعتقال، بينها قوى رسمية وأخرى غير رسمية، وهناك من يتم اعتقاله ويطلق سراحه فوراً، وآخرون تطول مدة اعتقالهم لأيام وأسابيع"، مضيفا أن "الكثير ممن اعتقلوا لم يعرف مصيرهم حتى الآن".
وأشار إلى أن "الاعتقالات تجري بشكل يومي، ولم تنقطع منذ اندلاع الانتفاضة في الأول من تشرين الأول الماضي وحتى الآن"، لافتاً إلى أن "الاعتقالات تتم بدون أمر قضائي، وهناك اعتقالات عشوائية، إذ أن جميع الذين اعتقلوا لم يعرف مكان اعتقالهم". وأكد "صحة المعلومات التي تحدثت عن إيداع المعتقلين في مطار المثنى، أو قرب مطار بغداد"، مشيرا إلى أن "المعتقلين أنفسهم لا يعلمون أماكن اعتقالهم، إذ يتم عصب أعينهم ويوضعون تحت تهديد السلاح عندما ينقلون إلى تلك الكرفانات".
ومنتصف العام الماضي أعلنت لجنة حقوق الإنسان البرلمانية برئاسة النائب، أرشد الصالحي، عن إجراء أول زيارة لها إلى سجن مطار المثنى، ووفقاً لبيان آنذاك فإن الزيارة كانت للاطلاع على أوضاع السجناء والاستماع لهم. وأكدت اللجنة أن أغلب الموقوفين (آنذاك) كانوا متهمين بالإرهاب.
من جهته، قال النائب السابق، جوزيف صليوا، إن "المليشيات المنفلتة وبعض القوى الأمنية التي تتحرك بأجندات خارجية إقليمية تتعامل مع المتظاهرين بسلوك عصابات مافيوية، وهناك جهات أخرى غير عراقية ترتدي الزي الأمني، تقوم باعتقال الناشطين"، مبيناً أن "عدداً من المعتقلين تعرضوا للتصفية الجسدية".
مفوضية حقوق الإنسان العراقية، من جهتها نفت علمها بوجود تلك "الكرفانات" لاحتجاز المتظاهرين. وقال عضو اللجنة فاضل الغراوي، إن "جميع المعتقلين متواجدون في أماكن احتجاز معلومة، أو في أماكن توقيف خاضعة للسجون التابعة لوزارة العدل"، مؤكدا أن "المفوضية والادعاء العام الدولي يقومون بزيارات للمعتقلين ومقابلتهم ومتابعة أوضاعهم عن كثب".
واستدرك بالقول إن "الاعتقالات التي تحدث بين الحين والآخر من قبل القوات الأمنية قد تكون انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وحقوق التظاهر السلمي"، مؤكدا أنه "تم إطلاق سراح العديد من المتظاهرين المعتقلين، وخصوصاً المتظاهرين السلميين، أما الذين تثبت إدانتهم بأفعال تخرج عن إطار التظاهر السلمي، فإن القضاء هو المعني بملفاتهم".