هكذا غيرتنا انتفاضة تشرين .... شهادات ومواقف

هكذا غيرتنا انتفاضة تشرين .... شهادات ومواقف

 رحمة حجة
يدخل العراقيون الشهر الخامس في عُمر التظاهرات أو ما يُسمّونه "ثورة أكتوبر"، هذه المدة الزمنية التي كبرت فيها مطالبهم من محاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة إلى تغيير النظام وتعديل الدستور، كبروا هم فيها أيضاً.

ويمكن القول، إن هذه المدة القصيرة نسبياً، شهدت من الوقائع والأحداث والأعمال ما يمكن أن يحدث في سنوات على مهَل.
ابتُدع ما يشبه حياة كاملة في ساحة التحرير، ظهر فيها العراقيون ذكوراً وإناثاً بمختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية والدينية والقومية، يتناوبون على تنفيذ عشرات المهام، التي تضمن سير أيامهم بشكل طبيعي لولا أنهم في مكان يجمع بين البيت والعمل في آن واحد.
وربما نسأل، هل يمكن أن يدخل شخص إلى تلك المساحة الحية في بلد كان موشكاً على الانهيار ويخرج منها الشخص ذاته؟ ما الأثر الذي تركته كل تلك الأيام ولا تزال، في نفوس الذين عاشوها ساعة بساعة، تنازلوا فيها عن خطّ الرجعة؟
تقول تبارك طريحي (21 عاماً)، إنها كانت "تخشى الخوف والمواجهة ونقاش أفكارها قبل الثورة" لكن مشاركتها فيها لأكثر من شهر جعلتها تعبّر عن أفكارها "بكل قوة".
وتضيف "لم أكن أعلم أنّني أكن كل هذا الحب للعراق؛ في الثورة عرفت أنه أكثر ما أحب".
وتتابع تبارك، التي تدرس في كلية الصيدلة، لـ"ارفع صوتك": "كان أهم أهدافي الهجرة بعد التخرّج، لكنني اليوم أريد تحقيق أحلامي في العراق".

زهراء: صرخنا ضد الطائفية
تروي زهراء الشمري، وهي طالبة هندسة طبية في جامعة بغداد، عن البدايات التي قادتها للانخراط في التظاهرات، والشخص الذي أصبحت عليه بعد مشاركتها.
تقول "نحن جيل ولد خلال الحصار وكبر في زمن الحرب. الدبابات لا تهدم البيوت فقط، بل الهياكل الفكرية وكيانات الشعوب أيضاً، وهو الأشد صعوبة. ثم كانت الطائفية، التي تغلغلت بين أصحاب الدين الواحد، لم نكن نعلم لماذا يقولون سني وشيعي، لماذا رفض أهالينا الزواج المختلط بين أبناء المذهبين، ولم أكن أعلم سر التسليم بهذا الأمر حتى أن الحوار والجدل حوله كان مرفوضاً تماماً".
وحين قررت زهراء الخروج للتظاهرات مع زملائها وزميلاتها الطلبة، لم يكن الأهل مع هذه الخطوة في المقام الأول، تقول "استهزؤوا بنا ووقفوا ضدنا".
لكنها خرجت، وهناك في أول مظاهرة طلابية شاركت بها، لا يغادر هذا المشهد ذاكرتها، تصف زهراء "رأينا موجة من الأبيض تسير باتجاهنا، كان صوت الطلبة قوياً، يسيرون بانتظام كأنهم يؤدون استعراضاً عسكرياً، بحثنا عن قائد بينهم فلم نجد، كل هذا التنظيم كان عفوياً. منذ تلك اللحظة، أعلنّاها ثورة فكرية وثورة وعي".
تتابع زهراء الحديث بحماس "صرخنا ضد الطائفية، ضد الظلم والفقر. لم تكن مجرد هتافات، كانت أرواحنا التي عاشت كل ذلك تصرخ، وقنابل الغاز والدخان تُمطر فوقنا، ولا أحد (عاف مكانه) غادر، بقيت النساء وبقي الرجال، صوتنا واحد".
ومن المواقف المؤثرة التي حصلت معها، تتذكر "كنت متعبة فاسترحت على إحدى المصاطب، وحينها أتى شاب متعب جداً، وجهه أصفر، وصوته مبحوح لشدة، نتيجة تعرضه المتكرر للغاز المدمع، يحمل قناعه بيده، وقبل أن يسعف نفسه بالمحلول الطبي المضاد للغاز بيده الأخرى، قدمه لي، لم يسألني اسمي، لا يعرف إن كنت متعبة أو محتاجة له! بكيت حينها...".
"هل يعقل أننا نحب بلادنا بهذا الشكل؟ أين كان كل هذا الحب يا الله؟" تقول زهراء، مضيفةً "لقد كسرنا كل القيود، كل العقائد الخطأ التي فرقتنا، رأينا الشعراء والرسامين والمطربين والمسعفين والطلبة والجنود، نحن نعيش اليوم في وطن سُلب منا عقوداً طويلة، هذه الساحة وطننا جميعاً".

خالد من الأنبار
منعت سيطرة داعش على محافظة الأنبار، خلال السنوات الماضية، خالد القيسي (22 عاماً) من إتمام المرحلة المدرسية، لكنه يعيش اليوم في بغداد، يعمل ويكمل دراسته، فهو في المرحلة الأخيرة من الإعدادية.
يقول خالد "أنا وحيد أهلي، أعمل في مطعم بسيط، أتظاهر منذ 25 أكتوبر، أعمل في النهار وأذهب للتحرير في الليل، أسهر حتى الصباح، وأنام ساعات قليلة قبل العودة للعمل صباحاً".
"أستطيع القول، عادت لي الثقة ببلدي العراق" يقول خالد، الذي شعر بالتغيير حوله من خلال احتكاكه اليومي بالمتظاهرين، مضيفاً "ما زالت النخوة والشجاعة موجودة رغم القمع، والنساء قويات،والجيل الذي كنا نسمّيه (جيل الببجي) فاجأنا وغير نظرتنا عنه، والأهم من كل ذلك، الطائفية انتهت".
يتابع موضحاً "قبل الثورة، وكعراقي، كنت لا تستطيع دخول منطقة غريبة وحدك، إلا إذا كان لك رفيق من أهلها؛ لتضمن سلامتك، أما اليوم، فالجميع من مختلف الأطياف معاً في ساحة واحدة، نأكل وننام سوياً، ونسند ظهور بعضنا البعض،لا تسمع كلمة أنت شيعي أو سني، والبيوت مفتوحة للجميع".