من رجال ثورة 14 تموز 1958.. عندما اصبح هديب الحاج حمود وزيرا للزراعة

من رجال ثورة 14 تموز 1958.. عندما اصبح هديب الحاج حمود وزيرا للزراعة

د. زينة الميالي
قبل قيام ثورة 14 تموز 1958م كان هديب الحاج حمود لازال يسكن في قضاء الشامية لممارسة عمل والده المرحوم الحاج حمود كرئيس عشيرة وكملاك للاراضي. وفي الثاني عشر من تموز عام 1958م وصلت مكالمة تلفونية من بغداد الى قضاء الشامية حيث تم الاتصال بتاجر معروف في القضاء ويعرف بـ (جليل العزاوي( وكان يملك هاتفا في منزله حيث كانت المكالمة تخص هديب الحاج حمود وتبلغه بـ (ان سعر الطعام زين خلي يبيع) بمعنى ان سعر الطعام جيد فليباشر بالبيع.

كان هديب الحاج حمود انذاك في قرية الليشان وعند ابلاغه الخبر ذهب مباشرة الى بغداد عن طريق الديوانية وبسبب طرق المواصلات الصعبة انذاك فقد وصل الى بغداد عند الفجر حيث نزل في الفندق الذي اعتاد النزول فيه الواقع على نهر دجلة بالقرب من جسر الملك فيصل الثاني ويعرف باسم فندق (جبهة النهر) وفي صباح الثالث عشر من تموز ذهب هديب الحاج حمود لمقابلة كامل الجادرجي في بيته الواقع في شارع طه بالقرب من الاعظمية وعند مقابلته له طلب اليه الجادرجي عدم مغادرة بغداد وافهمه بحدوث امر مهم يوم 14 تموز كما افهمه بحدوث ثورة وبساعة الصفر التي لم يعرف بها غير عدد محدود من المشاركين بالثورة.
كما اكد له بانه تم اختياره مع محمد حديد لاشغال مناصب وزارية في الوزارة الجديدة فاجابه هديب الحاج حمود: لماذا لايكون حسين جميل فهو اقدم مني في الحزب وهو سكرتير الحزب الوطني الديمقراطي.
عند ذلك اجابه الجادرجي سابحث في الموضوع حيث اتصل كامل الجادرجي بعسكري متقاعد كان يملك كازينو تعرف بـ (شريف وحداد) وربما يكون اسمه شريف حيث نقل له كلام هديب الحاج حمود وبحث الموضوع مع الضباط الاحرار فاخبر ان اختياره كان من قبل الضباط الاحرار ليس لكونه عضوا في الحزب الوطني الديمقراطي بل لاعتبارات تتعلق به وفقا للمعلومات التي رواها هديب الحاج حمود. وفي صباح الثورة اذيعت اسماء الوزراء ومن بينهم هديب الحاج حمود وزيرا للزراعة وقد ذكر عدد من الباحثين والمؤرخين ان اختيارهديب الحاج حمود لهذا المنصب جاء لكونه في الماضي احد تلامذة عبد الكريم قاسم حين كان معلما في الشامية وهو رأي غير صحيح فهديب بالرغم من كونه احد تلامذة عبد الكريم قاسم الا ان لديه من الخصائص والصفات التي جعلته مؤهلا لتبوأ هذا المنصب كونه ولد في منطقة زراعية وابن احد الملاكين الكبار المعروفين بميولهم الليبرالية تجاه الفلاح وهو الملاك الوحيد الذي وقف الى جانب الفلاح وساهم في المظاهرات الفلاحية عام 1954 م كما كان الوحيد الذي جعل حصة الفلاح 50% من الحاصل مخالفا بذلك التقاليد الزراعية المحلية من جهة ونظام دعاوى العشائر من جهة اخرى مما لفت انظار الضباط الاحرار الذين كانوا يخططون للاطاحة بالنظام هذا من ناحية ومن ناحية اخرى نقل عن هديب الحاج حمود (ان عبد الكريم قاسم كان معلما ناجحا في درس اللغة الانكليزية وكان منعزلا عن زملائه وعن سكان القضاء فلم يقم اية علاقات صداقة مع اي شخص في قضاء الشامية بالرغم من ان زملاءه المعلمين كانوا يترددون على مجالس الضيافة في القضاء.
ومهما يكن فقد اجتمع المستوزرون من اقطاب الحزب في صباح يوم 14 تموز 1958م ومعهم محمد مهدي كبة وفائق السامرائي وحسين جميل في دار كامل الجادرجي وكان قد حضر الاجتماع ايضا فؤاد الركابي وابراهيم كبة.
وقد رأى الجادرجي ان يتولى العسكريون انفسهم المسؤولية بادئ الامر دون مشاركة المدنيين وذلك لتقصير مدة الانتقال الى ادنى حد ممكن على ان تؤيد الوزارة العسكرية من قبل الاحزاب الوطنية ومن ثم ينسحب العسكر لتحل محله حكومة ائتلافية تضم جميع الاحزاب السياسية الا ان الاخرين خالفوا رأيه فوافق على ترشيح عضوين من الحزب الوطني الديمقراطي للاشتراك في وزارة الثورة وذلك بعد نقاش حام في اجتماع له باعضاء الحزب المقربين.
ومن الملاحظ انه لم يعقد اجتماع لمجلس الوزراء في اليوم الاول للثورة ولا لمجلس السيادة ذلك ان رئيس الوزراء ونائبه كانا مشغولين بتوطيد وتثبيت اقدام الثورة ومتابعة التطورات الداخلية والخارجية فضلا عن ان عددا من الوزراء واعضاء مجلس السيادة كانوا خارج بغداد او خارج العراق ولم يتمكنوا من الالتحاق بمناصبهم الا في الايام التالية.
يذكر هديب الحاج حمود ما يلي: (في اليوم الاول للثورة قبيل الساعة العاشرة صباحا دخلت وزارة الدفاع وقد كنت اول وزير يدخل الوزارة ثم جاء من بعدي عبد الكريم قاسم وتلاه عددا من الوزراء الا ان النصاب لم يكتمل وذلك لأن البعض من الوزراء ترددوا في قبول مناصبهم الوزارية الا انه في الايام القادمة اكتمل النصاب وبدأ مجلس الوزراء يعقد جلساته وبدأت بممارسة مهامي الوزارية وزيرا للزراعة) ذكر صلاح عبد الوهاب وهو احد قيادي الحزب الوطني الديمقراطي قائلا: بالرغم من ان هديب الحاج حمود قد تبوأ منصب وزير الزراعة الا انه بقي مرتبطا بالحزب ويحضر اجتماعاته دون انقطاع.
سعى ممثلو الاحزاب في الوزارة لوضع برامجهم السياسية ومبادئهم المعلنة موضع التطبيق والمساهمة في تحقيق العديد من المنجزات والمكاسب الوطنية فقد اكد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ان سياسة حكومته الخارجية تقوم على اساس الصداقة مع جميع الدول والتعاون معها وتوسيع العلاقات التجارية واعادة العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي والاقطار الاشتراكية الاخرى اما بشأن التعاون مع الجمهورية العربية المتحدة فقد تم تشكيل لجنة وزارية مؤلفة من محمد صديق شنشل ومحمد حديد وابراهيم كبة وهديب الحاج حمود واحمد محمد يحيى لوضع برامج للسياسة العربية وقد استطاعت اللجنة ان تحقق بعض النجاح في تحقيق المبادئ الاساسية لعلاقة العراق باشقائه العرب لكنها فشلت في اقرار صيغة موحدة فيما يتعلق بمسألة الاتحاد بين العراق والجمهورية العربية المتحدة وذلك بحكم التباين في الاراء السياسية حول الموضوع على الصعيدين الرسمي والشعبي.
وقبل عرض البرنامج الذي اعلنه هديب الحاج حمود في وزارة الزراعة لابد من ذكر معلومة لم يسلط الضوء الكافي عليها الا وهي ان راتبه الشهري كوزير كان 240 دينارا طبقا للمعلومات الواردة في هويته الشخصية حيث ذكر هديب الحاج حمود ما يلي: (خلال الايام الاولى لثورة 14 تموز طالبت في مجلس الوزراء بالغاء كل من قانون دعاوى العشائر وقانون حقوق وواجبات الزراع وقانون الري والسدادووضع قانون اصلاحي زراعي يحقق مستوى معيشة مناسبة للفلاح باعطاءه 50% من الحاصل كحق من حقوقه) .
عن: رسالة (هديب الحاج حمود ودوره السياسي...)