للقلم والهتاف الثوري صرخة واحدة

للقلم والهتاف الثوري صرخة واحدة

 ماس القيسي
الفكر المعرفي زاخر بالتجارب الإنسانية على مر عصور التاريخ البشري الحافل بالقضايا الشائكة، التي وثقت احداثها ونقلت للأجيال عبر الرسوم والتصوير الانساني أولا قبل اختراع الحرف، الذي مهد للكتابة ولغة التحاور بمختلف تشعباتها فيما بعد،

حتى أصبح للنحت والحفر والخط بمختلف أصناف ووسائل الكتابة دور هام في حفظ المعارف الإنسانية على مر الحضارات، اذ لولا الكتابة، بسلاحها القلم بما يخطه على الرقم الطينية منذ فجر التاريخ وصولا الى الورق حتى انتشار المعلومات المكتوبة تقنيا عبر الشبكة العنكبوتية، لما كنا على معرفة ودراية بثقافات الشعوب، هواجسها، ومتطلباتها ودورها المتفاعل مع عجلة سير الحياة على الأرض.
لم يكن دور القلم بمفهومه الدلالي الا وسيلة لنقل او توثيق الحدث، حتى اصبح غاية ضرورية فيما بعد وعبر تراكمات الابداع الإنساني المتواصل المتمثل بكتابة الادب بتنوع فنونه الفرعية من نثر وشعر وقصة ورواية، وصولا الى الصحافة والاعلام التي لم تقتصر على نقل وقائع الاحداث حول العالم فحسب وانما باتت منبرا شاملا واسعا لتداعيات الفكر وما يجول بخاطر كل انسان حر، يقدح شرارة التفكير الجمعي الهادف لدى الجمهور المتلقي بقصد اثراء المعرفة او التنويه عن امر ما، من خلال مقال او تقرير او عمود صحفي يعرض على وسائل الاعلام ورقية كانت ام تقنية، او قد نجدها في مقاطع نثرية على صفحات شخصية تعود لكتّاب ومفكرين لهم الأثر في توجيه الفكر المجتمعي.
ثورات الشعوب المنتفضة ضد كل اشكال العنصرية والطبقية وهيمنة الحكم القمعي المرتبطة بسطوة موروثات الدين وقشور العادات البالية، بحاجة دوما الى التحشيد الجماهيري لتبقى على قيد الحياة وتضخ مكنوناتها في صلب الواقع اليومي لتستمر وتسفر عن أهدافها المرتقبة من نهوض بالبلدان على كافة الأصعدة، وبالأخص على الصعيد المعرفي الذي يرتقي بالمجتمع ويمنح الانسان أيا كان حق الانتماء والتمتع برغيد العيش بين اقرانه.
للقلم كلمة، وللأخيرة وقعها كأثر فراشة لها صدى قد يزلزل الأرض في بقعة ما، اما عن مدى اتساع افق أثر كلمات حرة لا قيد يكبلها ولا قوالب ثابتة تثبط من مجرى سريانها، هو مربط الفرس حين يعلو صهيله ليغدو هتافا مزلزلاً لعروش الطغيان. هكذا هي الكلمة الحرة الشفافة الصادقة، اشبه ما تكون برغيف العيش كما قال عنها الدكتور مصطفى محمود (مفكر مصري):" إن حضارة الإنسان وتاريخه ومستقبله، رهن كلمة صدق وصحيفة صدق وشعار صدق، فبالحق نعيش، وليس بالخبز وحده أبدا".
احتجاجات المرابطين في ساحات الاعتصام في كل المدن العراقية المنتفضة ابان اندلاع ثورة تشرين العراقية المجيدة في مطلع أكتوبر الماضي، كانت مختلفة نادرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العراق المعاصر منذ سقوطه بيد الاحتلال الأمريكي، بمساعدة من خان الوطن وقدمه على طبق من ذهب ليعيث في الارض فسادا بشرعية دينية تواصل عملية غسل الادمغة الحية حتى هذه اللحظة، بهدف إبقاء العراق ممزقا تابعا، وكأنه جندي مطيع في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، معركة اثنية بامتياز تستهدف صبغ ارض الرافدين بلون طائفي مذهبي، عن سذاجة وحماقة لم تع بعد ان ذاك الانسان الكريم ذو الإرث السومري يأبى العيش بغير صبغته العراقية النجيبة، فهبت حنجرة الثائر العراقي بصوت يسمو ليخترق اسماع العالم، منددا بالقبح والجوع والحرمان والجهل، رافضا للغة الدم، قاتلا لكل فكرة دموية سامة، مناجيا السلام والحرية والعدل والإنسانية، متسلحا بعلمه وكلمته الحرة الابية التي "تفوق بضربتها ضربة السيف" كما وصفها لويس باستور(عالم فرنسي).
يقول شاعرنا احمد مطر: "إذا الضحايا سألت باي ذنب قتلت، لانتفضت اشلاؤها وجلجلت: بذنب شعب مخلص لقائد عميل!"، هناك في ميادين الشرف ثائر يهتف وهنا على منصات الحرية صحفي ينقل، واخر يكتب، وشاعر يخط بقلمه، وروائي يقص حكايات ابطال بذلوا كل نفيس، تخلوا عن نرجسية الانا ليوحدوا صفوفهم بصوت واحد، يصرخ من قلب تحرير بغداد وحبوبي الناصرية وساعة القادسية وبحرية البصرة وثورة بابل وصدرين النجف، وتريية كربلاء، وساحات اعتصام واسط، وميسان، والمثنى: "ها أنذا العراق، سأعود شامخا كما عهدتموني، فمن أنتم؟!".